الصراع في السودان.. حلبة جديدة للمنافسة بين روسيا والغرب
مع استمرار الأزمة السودانية التي اندلعت قبل شهر دون التوصل إلى حلول تنحي المخاوف من اتساعها جانبًا، باتت الخرطوم بمثابة ساحة للاستقطاب الدولي بين روسيا والغرب.
فرغم أن الأزمة وما شهدته من صراعات بين الأطراف المحلية بدت للوهلة الأولى أنها محاولات للسيطرة على السلطة، إلا أن الصراع السياسي والمواجهة العسكرية المتصاعدة "أكثر تعقيداً بكثير" من الصراع التبسيطي على السلطة، بسبب أهمية موقع السودان الجيوسياسية في ظل استقطابات دولية خلفتها الحرب الأوكرانية.
تلك الاستقطابات، أثارت المخاوف من أن يكون السودان على أعتاب "حرب باردة" بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا، خاصة أن الكرملين يسعى لتوسيع نفوذه غرباً في نفس الوقت الذي وسع فيه الناتو نفوذه شرقاً مع انضمام فنلندا إلى الحلف.
سيناريو بات يشق طريقه إلى ثالث بلد أفريقي، خاصة أن هناك مساعي مشتركة للغرب وروسيا لكسب دوائر تأثير جديدة في أفريقيا، ومنها السودان، وهو ما تعزز بشكل ملحوظ منذ بِدء الحرب الروسية – الأوكرانية.
إلا أن الأهمية الجيواستراتيجية التي يتمتع بها السودان وكونه يمثل حلقة استراتيجية مهمة تربط بين منطقتي شرق أفريقيا والساحل والصحراء، أثارت الكثير من المخاوف، من أن تمتد الاشتباكات المتواصلة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع إلى مستويات إقليمية ودولية، رغم المواقف الدولية المعلنة التي تشدد على ضرورة إبقاء الأزمة في إطارها السوداني، ورفض التدخلات الخارجية.
فما طبيعة التنافس الغربي الروسي على أفريقيا؟
شكلت الحرب الأوكرانية أحد محددات التدافع الغربي – الروسي على أفريقيا؛ فموسكو تسعى إلى كسر العزلة الدولية المفروضة عليها بفعل العقوبات الغربية عبر تعزيز شبكة العلاقات والتفاعلات الخارجية مع الدول الأفريقية لبناء تحالفات استراتيجية.
في المقابل، يسعى الغرب لتعويض النقص الحاد في إمدادات مصادر الطاقة الروسية عبر تعزيز الصلات مع دول القارة الأفريقية، التي تذخر بنحو 8% من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم.
وكان إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي في أفريقيا بلغ في العام 2021 ما يزيد عن 620 تريليون قدم مكعب، كما تمتلك القارة السمراء، نحو 12% من احتياطيات النفط في العالم؛ بإجمالي 125.3 مليار برميل من النفط الخام.
ويقول المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، في دراسة تحليلية، إن الولايات المتحدة سعت لتعزيز الصلات مع أفريقيا لمناوأة الوجود الروسي – الصيني المتنامي خلال السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى أن هذا ما جعل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تدشن استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا.
في المقابل، تسعى روسيا لتعزيز نفوذها في أفريقيا عبر التركيز على تقديم نفسها كبديل استراتيجي مناسب للنفوذ الغربي، وتحديداً الفرنسي، الذي تراجع بشكل ملحوظ في العديد من مناطق النفوذ التقليدية، في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وغيرها، معتمدة في ذلك على العديد من الأدوات الرئيسية.
وتسعى روسيا -كذلك- إلى عقد "القمة الروسية – الأفريقية" في نسختها الثانية في الفترة المقبلة في العواصم الأفريقية؛ بعدما عقدت النسخة الأولى في "منتجع سوتشي" في روسيا خلال أكتوبر/تشرين الأول 2019، التي كانت بمنزلة الإطار التنظيمي الأول من نوعه على المستوى المتعدد الأطراف الذي يربط روسيا بأفريقيا.
لكن ماذا عن أهمية السودان الجيوسياسية؟
سلط وزير الداخلية الإيطالي السابق ماركو مينيتي، رئيس مؤسسة Med-Or، الضوء على العلاقة بين الحرب في أوكرانيا وأفريقيا، قائلا إن فهم الطبيعة الأعمق للصراع الذي يهز السودان يتطلب دراسة الأنشطة الروسية في المنطقة.
ويقول المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، في دراسة تحليلية، إنه لدى روسيا والقوى الغربية الكبرى على حد سواء مصالح سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة في السودان؛ فموسكو تخشى من أن يؤثر الصراع الحالي على التصديق على الاتفاقية بين موسكو والخرطوم، بشأن إنشاء مركز لوجستي للبحرية الروسية في السودان والذي يخطط له لكي يصبح قاعدة أو مركز لوجستي مهم للبحرية الروسية، لأنها تتيح إمكانية الوصول المباشر إلى جمهورية أفريقيا الوسطى غير الساحلية ومنطقة الصحراء والساحل حيث تعمل شركات التعدين الروسية.
وأوضحت الدراسة، أن السودان يمثل الكنز المدفون للدول الكبرى؛ فهو يعني 200 مليون فدان من الأراضي الزراعية الخصبة و11 نهرا جاريا، و102 مليون رأس ماشية و400 مليار متر مكعب أمطار سنوية، و1.4 مليون طن من اليورانيوم و6.8 مليار برميل من النفط و85 مليار متر مكعب من الغاز.
كما يحتل السودان المركز الثاني في إنتاج الذهب على مستوى القارة الأفريقية؛ إذ يبلغ إنتاجه السنوي أكثر من 90 مليون طن بقيمة تصل لخمسة مليارات دولار، فيما تتعدد موارده من فضة ونحاس وغير ذلك بالتوازي مع موقع جيوسياسي حيث يعتبر البوابة للقرن الأفريقي.
ما طبيعة الصراع الروسي الغربي على السودان؟
يقول المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إن هنالك "حربًا خفية" بين روسيا والصين من ناحية والغرب – أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون – على السيطرة والتواجد في دول أفريقية عديدة؛ بينها السودان وليبيا وأفريقيا الوسطى وموزمبيق ومالي.
فيما قالت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية، في تقرير لها، إن روسيا استعدَّت للعقوبات الغربية بأطنان من الذهب المستجلب من السودان، ما يمثل 23% من الاحتياطي الروسي، أي ما قيمته 144 مليار دولار.
في المقابل، تخطط الولايات المتحدة لمزيد من الانتشار في البحر الأحمر؛ فأرسلت بعض القوات الخاصة البرية والقطع البحرية تحت مسمى الإجلاء، فيما تشير تقارير استخباراتية إلى أنها تخطط لإبقائها، بحسب المركز الأوروبي.
ويقول المركز الأوروبي، إن هناك مخاطر من انفصال إقليم دافور الغني والذي يمتد على مساحة مليون كلم مربع غنية بخام البترول واليورانيوم والغاز ومناجم كبيرة لاستخراج الذهب، ما سيسمح أيضا بتوسيع نفوذ قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلوا المعروف بـ"حميدتي" ومن ثم الولايات المتحدة حتى مناجم الذهب في تشاد وأفريقيا الوسطى.
حرب الممرات والمضائق
وبحسب المركز الأوروبي، فإن المصالح الروسية في السودان تعد بالدرجة الأولى أمنية، وكذلك في مجال الدعم العسكري التقني؛ لأن السودان ثاني أكبر مشترٍ للأسلحة الروسية في أفريقيا بعد الجزائر، بالإضافة إلى أن هناك 16 اتفاقية بين روسيا والسودان، منحت موسكو قواعد وأتاحت لها الحرية باستخدام المطارات السودانية لنقل الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية اللازمة للقاعدة والسماح بإرسال عدد محدود من السفن و300 فرد كحد أقصى إلى الميناء، وهو أول مركز بحري لروسيا في أفريقيا.
وتقول الدراسة إن روسيا تسعى لأن يكون لها قاعدة عسكرية بحرية تضمن لها وجوداً في المياه الدافئة أي منطقتي البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، المليئة بالثروات والكنوز والمواد الخام.
وأشارت إلى أن موسكو تسعى -كذلك- لمنع أمريكا من السيطرة على مداخل البحار والمحيطات، مما جعلها تكثف جهودها لأن يكون لها قاعدة في بورتسودان حتى لا تسمح للولايات المتحدة بالسيطرة على هذه المنطقة البحرية والمضائق والتي تتواجد فيها أصلاً أغلب القوى الكبرى.
ويقول المركز الأوروبي، إن أكثر ما يزعج واشنطن هو أمن البحر الأحمر، مشيرة إلى أن وجود قاعدة روسية في بورتسودان يدفعها (أمريكا) إلى التحرك من أجل قطع الطريق على ذلك، محذرًا أن أمريكا قد تجد نفسها متورطة في حرب أهلية، وهذا بعض مما تطمح له روسيا.
وحذر من أنه "إذا طال أمد الصراع ولم يتم التوصل إلى تسوية، فإن اتهامات الأطراف لبعضها بمساعدة أطراف أخرى في المنطقة ستصبح حقيقة وتتحول إلى حرب طويلة متشابكة ومعقدة".
وأشار إلى أن أزمة السودان يجب أن تكون بمثابة تحذير لأوروبا، التي لا يزال يتعين عليها اتخاذ خطوات إلى الأمام نحو علاقة قوية مع أفريقيا، وفهم أن مصائر القارتين مرتبطة ارتباطا وثيقاً.