اللغة العربية تربط بين العرب وشعوب الصين والهند
التبادل المعرفي العربي الصيني ليس بالجديد، وتشير السجلات الصينية إلى أن التجار العرب دخلوا بلاد الصين عبر طريقي الحرير البحري والبريز.
غالباً ما يتجدد السؤال كل عام في اليوم العالمي للغة العربية حول قدرتها على استيعاب المفردات الجديدة، في حين أننا كثيراً ما نتجاهل أن امتداد جذور اللغة العربية منذ قديم الأزل، وقدرتها على الحفاظ على قوامها الأصلي يجذب نحوها أهل الحضارات الشرقية الذين يرتبطون مع أهلها بروابط ثقافية وقيمية عميقة جداً، وعلى رأسها شعبا الصين والهند.
"العين الإخبارية" ترصد أهم الثقافات التي تعنى بالتعرف إلى اللغة العربية، ونشرها كلغة مهمة في السجل البشري:
1- شرق آسيا - الصين نموذجا
بكل تأكيد لا يشعر القارئ العربي- بشكل عام- حين يقرأ الأدب الصيني أنه يتعرض لقيم غريبة عنه، حيث إن الأصل الحضاري الشرقي مشترك بين العرب ودول شرق آسيا عموما، والصين على وجه التحديد.
لعل هذا ما دفع الصين إلى الاهتمام باللغة العربية منذ سنوات عدة، من خلال البحث عن آليات تسجل عبرها حضور الثقافة الصينية في أسواق المعرفة العربية، المقروءة والمسموعة والمرئية.
في مجال الكتب مثلا: دار "الحكمة" في مصر، وهي دار نشر متخصصة في ترجمة الأدب الصيني إلى العربية، لذا لم يكن من الغريب أن تكون الصين هي ضيف معرض القاهرة الدولي للكتاب 2017، إضافة إلى حضور 25 شخصية صينية بين كاتب ومسؤول وناشر إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب، بدعوة من دار نشر "بيت الحكمة".
ودار الحكمة معنية بترجمة الأدب الصيني ونشره فقط لا غير، ونظراً لنشاط هذه المؤسسة الشابة، قررت الصين منحها تكليف إنشاء مركز تبادل الترجمة وحقوق النشر بين الصين والدول العربية.
التبادل المعرفي العربي الصيني ليس بالأمر المستحدث، حيث تشير السجلات التاريخية الصينية إلى أن التجار العرب دخلوا بلاد الصين عبر طريقي الحرير البحري والبريز، كما أرسلت أول بعثة بعد الإسلام في سنة 651 م خلال عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، وكذلك قامت الجيوش المغولية بغزوات إلى غربي آسيا وأسرت عددا كبيرا من الجنود والفنيين المسلمين وعادت بهم إلى الصين، فأقاموا في الصين متفرقين في مختلف أنحائها.
أما في العصر الحديث فلم تدخل اللغة العربية إلى المدارس الصينية إلا في أوائل القرن الـ20 متزامنة مع حركة الثقافة الجديدة التي اجتاحت البلاد كلها، فأنشئت العديد من المدارس الابتدائية والثانوية الإسلامية في المناطق المأهولة بالمسلمين، وفي بعض المدن الكبرى مثل بكين وشانغهاي، وتدرس فيها مواد ثقافية وعلمية باللغتين الصينية والعربية في وقت واحد.
وأخرجت هذه المدارس عددا من رواد اللغة العربية في الصين، أمثال عبدالرحمن ناجون ومحمد مكين اللذين سافرا إلى جامعة الأزهر لمواصلة دراستهما بعد تخرجهما في المدارس الثانوية الإسلامية، ثم عادا إلى الصين لنشر اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية في جامعاتها.
وفي زيارته عام 1996، كشف الكاتب يوسف الشاروني في رحلته إلى الصين أنه ألقى محاضرة عن "أدب الخيال العلمي في مصر"، بمعهد الإمارات للغة العربية التابع لجامعة اللغات الأجنبية، والذي أسهم في تأسيسه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بمشورة من أستاذين مصريين كانا يقومان بتدريس اللغة العربية في دولة الإمارات سابقاً، والجدير بالذكر أن الدراسة في هذا المعهد كانت مجانية.
ومؤخراً في سبتمبر/أيلول 2018، بدأت جامعة الشارقة أولى برامجها لتعليم اللغة العربية والثقافة الإسلامية وتاريخ الإسلام لعدد من الطلبة الصينيين المنتسبين لجامعة شيان الدولية في جمهورية الصين الشعبية، في خطوة على طريق السعي لعقد العديد من الاتفاقيات والتفاهمات الجديدة بين جامعة الشارقة وجامعات ومعاهد صينية مرموقة، لتنفيذ برامج تعالج مهارات القراءة والمحادثة مع الاهتمام بضبط اللغة من خلال دراسة موضوعات نحوية وصرفية، وستكون الدراسة بصورة تطبيقية، من خلال تدريبات صفية ولا صفية وورش عمل، كما سيركز البرنامج على الثقافة الإسلامية وحياة العرب بشكل عام.
2- جنوب آسيا - نموذج الهند
في الهند نجد الاهتمام باللغة العربية يتمثل في الاعتناء بإنشاء المدارس، فتاريخ المدارس في الهند يرجع إلى الملك شهاب الدين الغوري الذي فتح أجمير، وأنشأ فيها مدارس عديدة، ثم وسع نطاقها قطب الدين أيبك، فأسس مدرسة عظيمة بمدينة دلهي. وانبثقت عنها مدرستان، إحداهما لولي الله الدهلوي، والأخرى للملا نظام الدين.
ولأن اللغة العربية مرتبطة في انتشارها وقوامها الثقافي الأصيل بالنصوص الدينية، فكان طبيعياً أن يرتبط انتشارها بالتعليم الديني.
- الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند
جامعة كبرى يطلق البعض عليها (أزهر الهند)، وكان تأسيسها على يد العالم الجليل الشيخ محمد قاسم النانوتوي (1298هـ)، وجاء تأسيسها للحفاظ على الهوية الإسلامية من الضياع أمام ضغوط الاحتلال الإنجليزي، فكانت هذه الجامعة التي قامت على تعليم فنون اللغة العربية، ومختلف العلوم الدينية.
وانبثقت عنها ندوة العلماء، وهي من أهم الكيانات التي عُنيت بالتخصص في تعلم اللغة العربية، فكانت تعنى بتعليمها كلغة حية معايشة، بدعوة من الشيخ العلامة محمد علي المونكيري، مع عدد من علماء المسلمين بالهند.
لولا هذه الجهود في مواجهة القوى الناعمة الإنجليزية، لكانت اللغة العربية في الهند اليوم لغة متحفية للعبادة فقط لا غير، ولأصبحت اليوم أثراً من الآثار.
أما مجلة "الضياء" الشهرية التي أصدرتها ندوة العلماء في القرن الـ20، فأخذت على عاتقها إنعاش اللغة العربية، والتعامل معها على أنها لغة حية وحاجة ملحة للمسلمين في الهند ولبلادهم عموماً، وصدرت تحت إشراف العلامة الكبير الدكتور السيد سليمان الندوي، والأستاذ الكبير العلامة الشيخ محمد تقي الدين الهلالي المراكشي.
وجاء في افتتاحيتها: "هذه بلادنا الهند فيها نحو 80 مليوناً من المسلمين، وفيها نحو مليون من يفهم لغة القرآن ويعرفها، وإن لم تكن لهم قدرة على التكلم بها، وتقدر مدارسهم العربية بألف من صغارها وكبارها، وطلبة العربية فيها نحو 100 ألف أو يزيدون...".
هناك بعض الجامعات الإنجليزية في الهند التي تعنى بتعليم العربية، وعلى رأسها "لاهور" و"دهاكة" و"إله آباد" و"لكناؤ" و"بتنه" و"كلكته" الكلية الشرقية بـ"لاهور".
ولعل أبرز نتائج ذلك أن جامعة "دهاكة" خصصت قائمة تدرس فيها اللغة العربية وعلومها مع بعض العلوم الجديدة واللغة الإنجليزية، وتمنح الناجحين فيها شهادة تؤهلهم للدخول في كل ما يمكن الدخول للناجحين في اللغة الإنجليزية المحضة من الوظائف والمناصب.
aXA6IDE4LjExOS4xMzcuMTc1IA==
جزيرة ام اند امز