إكسبو 2020 دبي.. رحلة في عقل المهندسة المعمارية مونيكا لوف
يبحث أسبوع التنمية الحضرية والريفية، بمعرض "إكسبو 2020 دبي"؛ كيفية العيش والنمو في سلام مع كوكبنا.
وقد انطلقت فعاليات أسبوع التنمية الحضرية والريفية في 31 أكتوبر/تشرين الأول، وحتى 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وتسلط الضوء على الدور الذي يضطلع به كل من الرجل والمرأة في هذا المجال.
مستقبل العمارة من منظور نسائي
في هذا الإطار، تطرح مهندسات بارعات أفكارهن عن مستقبل العمارة من منظور نسائي، ويستعرضن حياتهن المهنية في هذا المجال والجهود التي بذلنها في تصميم معالم معمارية رائعة، إذ قدّمن للعالم بعضا من أجنحة الدول الأكثر روعة وجمالا في موقع إكسبو 2020 دبي.
المهندسة المعمارية مونيكا لوف واحدة من هؤلاء، والتي تتحدث في الحوار التالي:
أحد الجوانب التي يتناولها أسبوع التنمية الحضرية والريفية في إكسبو 2020 دبي هو حقيقة أن غالبية مدن العالم صممها رجال، وكيف يمكن للمهندسات المعماريات إحداث تغيير في نهج بناء مدننا. ما توقعاتك للمستقبل من هذا المنظور؟
أعتقد أن المدن بحاجة إلى منظور يرتكز على عدة جوانب؛ ويستلزم هذا الأمر عملا جماعيا متناغما، بغض النظر عن أي فروق بيننا. أيضا فإن تقارب الثقافات وانحسار الهوة بين التخصصات المختلفة ركيزة أساسية في معالجة تحديات المدن المعاصرة، يشمل هذا إمكانية الوصول والشمول والرفاه.
بصفتك مهندسة معمارية تمثلين المرأة في هذا المجال، هل تشعرين بأنك تقدمين منظورا مختلفا عن الذي يقدمه الرجل كمهندس معماري؟ وفيما يتعلق بالعمارة الإيطالية، هل ما زالت كفّة التوازن بين الجنسين تميل لصالح الرجل؟
أنا مؤمنة بقيمة التنوع على جميع المستويات، لا سيما في الهندسة المعمارية. وبالنسبة لي فإن الأمر لا يتعلق بالتوازن بين الجنسين بقدر ما يتعلق بجمع الناس من ثقافات وتخصصات مختلفة، بداية مع مصممي التفاعل ووصولا إلى المتخصصين في إعداد النماذج الأولية، وهذا بالضبط ما نسعى إليه في كارلو راتي أسوسياتي؛ فنحن ندرك جيدا أننا إذا تمكنا من إيجاد هذا المزيج القائم على التعاون والتنوع، فسيكون لدينا فريق عمل لديه حافز أكبر مما قد يكون لديه إذا ما تمسكنا فقط بمهنة معينة أو جنس معين.
من وجهة نظرك، كيف تؤثر تداعيات جائحة كوفيد في طريقة تصميمنا وتشييدنا لمبانينا في المستقبل؟
عند إلقاء نظرة فاحصة على المدن على مدار التاريخ، فإننا نلاحظ أن شكل المدن لا يتأثر بالتغيرات المفاجئة بقدر ما يتأثر بطريقة عيشنا.
أرى أن التغيير يتعلق بالأمور المعنوية، لا بالأمور المادية، ومن هذا المنطلق أقول إن جائحة كوفيد غيّرت القيم والتوقعات تجاه المدن، لا سيما مع التوجه نحو توفير المزيد من المساحات العامة والسعي نحو تحقيق المزيد من التكامل بين الطبيعة والمنشآت.
وتمضي التقنيات الحديثة في مسار مواز، مع توجهنا نحو تحسين جودة الحياة: لذا فإن هذه التغييرات ستتلاقى في وقت ما على المدى الطويل.
ماذا عن مشوارك في مجال الهندسة المعمارية ومصدر إلهامك فيه؟ كيف اقتحمت هذا المجال المهني؟ وما مشروعاتك السابقة؟
في البداية، أمضيت فترة تدريبي في إستونيا، حيث عملت في سن مبكرة في مشاريع مختلفة وعلى كافة الأصعدة المتعلقة بالتصميم والبناء. تُعد إستونيا مكانا استثنائيا، كونها بلدا صغيرا نسبيا، حيث من الشائع أن يرى المهندسون المعماريون في عمر صغير تصميماتهم تُنفذ على أرض الواقع.
قررت بعد ذلك مواصلة دراستي في هولندا، حيث أكملت درجة الماجستير في التصميم الاجتماعي، والتي فتحت لي عوالم جديدة لم أكن قد اكتشفتها بعد، وكنت أرغب في تعلمها. يتعلق هذا بمعرفة الأسباب التي تدفعنا إلى تصميم شيء ما والفئات المستهدفة من هذا التصميم.
بعد فترة وجيزة، انتقلت إلى لندن للعمل واستمر معي نهمي للتعلم في برنامج دراسات عليا آخر في مركز أبحاث الهندسة المعمارية.
أشعر بمتعة في البحث وطرح التساؤلات، وهذا قادني للعمل لدى شركة "كارلو راتي".
فعلى مدى السنوات السبع الماضية، كنت أعمل في الاستوديو الخاص بالشركة في مدينة تورينو الإيطالية. في شركة كارلو راتي أسوسياتي، نعمل على مشاريع ذات نطاقات متنوعة؛ لكني أجد المشروعات الكبيرة ملهمة بشكل خاص، لا سيما لما تمثله من تحد لطريقة تفكيرنا في أنفسنا وبيئتنا. مثال على ذلك مشروع برج "كابيتا سبرينغ" في سنغافورة، والذي صممته شركة كارلو راتي أسوسياتي بالشراكة مع مجموعة بيارك إنجيلس، حيث تصورنا أثناء العمل عليه مستقبل العمل فيه. مشروع الجناح الإيطالي في إكسبو 2020 دبي أيضا كان تحديا ومثيرا للحماس في الوقت ذاته، حيث كان علينا تصميم قطعة معمارية قابلة لإعادة التشكيل يبقى إرثها لما بعد الحدث وتكون أكثر استدامة.
العمارة الإيطالية.. مصدر إلهام مستدام
كيف ألهمتك إيطاليا وموضوع الجناح في هذا التصميم؟
على عكس البلدان الأخرى، تضم إيطاليا العديد من المدن المتوسطة الحجم، التي يشتهر كل منها بصناعة معينة؛ لهذا السبب فقد ألهمت فريقنا أفكارٌ ومواد من أنحاء البلاد، ولم نركز على منطقة بعينها.
هذا النهج قادنا إلى فكرة الاستدارة، التي هي في صلب تصميم الجناح.
وقد تبنينا وجهة نظر منهجية طويلة المدى بدلا من أن نتبنى وجهة نظر مجزأة قصيرة المدى، حيث وضعنا فكرة لتصميم تجربة تجمع بين المواد المستدامة ومبادئ الاقتصاد الدائري.
من ثم، فعند مناقشتنا تصميم واجهة الجناح على سبيل المثال، أجرينا تقييما لمزايا مواد البناء المختلفة وعيوبها.
وفي النهاية، فإن الجناح منكشف على الطقس الخارجي ويستخدم استراتيجيات التحكم بالمناخ الطبيعي بدلا من الاستعانة بالأساليب المعتادة في تكييف الهواء. أيضا، صُنعت الواجهة الأمامية للجناح من الستائر المضيئة بتقنية إل.إي.دي والحبال المعاد تدويرها، وهو ما يجعل من الجناح تكوينا ذا طبيعة خاصة، لا مجرد مبنى له أربعة جدران.
هل تشعرين بأن التصميم يتناسب مع قوالب العمارة المعاصرة، أم إنه نتاج مزيج من فلسفات التصميم المختلفة؟
هو مزيج من فلسفات ومهن متعددة؛ فالهندسة المعمارية أحد المجالات التي نهدف فيها باستمرار إلى تحسين بيئتنا وأسلوب حياتنا؛ لذلك، فإنها لا يمكن أن تقتصر على فلسفة واحدة أو مهنة واحدة. أعتقد أن أفضل المشاريع هي تلك التي تعتمد اتجاهات قائمة على ثقافات متنوعة وتخصصات متعددة.
ماذا يعني لك الجناح؟ وما أكثر شيء في التصميم يجعلك فخورة؟
أنا فخورة بالفكر الذي تبلور من خلاله الشكل الحالي للجناح؛ فهذا الجناح هو فكرة أكثر من كونه تصميما نهائيا؛ وهذه الفكرة مرت بمراحل عدة، بداية مع تحديد مصادر كل مادة، ووصولا إلى مناقشة تجربة الزائر ومصير الجناح – فلا شيء سيتبدد، وإنما سيُعاد تصميم الجناح وتوظيفه.
هل زُرتِ الجناح؟
حتى الآن، لم أزر الجناح بعد بنائه؛ لكني سعيدة برؤية زوار إكسبو 2020 دبي يتوافدون عليه. بشكل عام، أشعر بسعادة غامرة لرؤية هذا الحدث الضخم وقد تحقق على أرض الواقع بعد الجائحة التي شهدها العالم.
هذه فرصة عظيمة لإعادة التفكير في مستقبل العمارة المؤقتة والفعاليات الدولية بمنظور جديد. على سبيل المثال، بُني جناح إيطاليا -المصمم من منظور دائري- باستخدام مواد طبيعية معاد تدويرها، حيث سيُعاد استخدام جميع المكونات بعد إسدال الستار على فعاليات الحدث الدولي.
ما الذي تتمنين تحقيقه من خلال وجود عمل لك فى هذا المحفل الدولي الضخم؟
لدي فضول لرؤية تفاعل الزوار من ثقافات مختلفة مع الجناح وتجاربهم فيه، لا سيما فى محفل دولى ضخم كهذا؛ وآمل أن يسهّل الجناح السبُل لحوار نحن في أمس الحاجة إليه، خصوصا فيما يتعلق بكيفية التعامل المنشآت في إكسبو الدولي، مع مراعاة أثر تلك المنشآت وعلاقتها المستمرة بالمنطقة التي توجد فيها.
إذا كنت تستطيعين العمل مع مهندس معماري، سواء كان من العصور الماضية أم من الحاضر، فمن يكون؟
أود العمل مع شخص لديه خلفية ثقافية مختلفة تماما عني -عالم اجتماع أو ربما عالم في أحد العلوم المادية- لكي أكتسب تجربة جديدة ومنظورا جديدا. سيكون لدي فضول كبير جدا لمعرفة ما سيحدث إذا عملت مثلا مع تشارلز داروين؛ فاعتقادي الراسخ هو أن الطريقة التي نفكر بها في الهندسة المعمارية المعاصرة تحتاج إلى تكامل التخصصات بدلا من فصلها، فكلما كان عملنا أكثر تنوعا كان ذلك أفضل.