التوصل لحل هذه الخلافات سيفتح الطريق أمام استعادة الأمل في عودة العالم لتسجيل معدلات نمو اقتصادي مقبولة.
مع بعض التجاوز، وبمبالغة نراها مقبولة، يمكن القول إن قمة العشرين ستتحول في الحقيقة إلى قمة الاثنين؛ إذ ينتظر العالم أجمع، بمن فيهم القادة المشاركون في القمة، النتائج التي سيسفر عنها الاجتماع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والصيني شي جين بينج، لرؤية ما إذا كان العالم سيتجه إلى دورة من النمو الاقتصادي المستندة إلى تسوية الخلافات التجارية بين البلدين، أم سيتجه إلى حالة ظهرت بوادرها من التباطؤ في النمو الاقتصادي، بل يحذر بعض الخبراء من ركود ستتضح معالمه مع نهاية العام المقبل وبداية عام 2020، إذا ما مضت حرب التجارة في طريق التصعيد.
وكان الرئيس الأمريكي وأقطاب إدارته قد صرحوا عدة تصريحات متناقضة على مدى الأسبوع الأخير، كانت بدايتها إعلان الرئيس الأمريكي نفسه أن هناك فرصة في التوصل إلى اتفاق تجاري مع بكين إذا ما استجابت للمطالب الأمريكية، ثم عاد الرئيس وهدد مجددا، يوم الإثنين الماضي، بفرض عقوبات على بقية الصادرات الصينية لبلاده، ليعود المستشار الاقتصادي للرئيس الأمريكي لاري كودلو، بعدها بيومين، للقول بأن هناك فرصة لحل الخلافات التجارية بين البلدين عند لقاء الزعيمين على هامش قمة العشرين.
التوصل لحل هذه الخلافات سيفتح الطريق أمام استعادة الأمل في عودة العالم لتسجيل معدلات نمو اقتصادي مقبولة، بما يعنيه ذلك من فرص للنمو في كافة أرجاء العالم المتقدم والنامي على السواء، خاصة البلدان المُصدِّرة للسلع الأولية وعلى رأسها النفط.
نهجان مختلفان قبل القمة
ما يلفت النظر حقا قبل القمة هو اتباع واشنطن وبكين لمنهجين مختلفين تماما في التعامل مع موضوع خلافاتهما التجارية، إذ بعد تراشق علني بين الرئيس الصيني ونائب الرئيس الأمريكي أثناء انعقاد قمة آبيك (منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي)، خلال الفترة 16-17 نوفمبر، حيث هاجم مايك بنيس نائب الرئيس الأمريكي ما وصفه بممارسات تجارية غير عادلة من جانب الصين، وحذر دول العالم وخاصة النامي من توريط الصين لها بالديون، بالمقابل حذر الرئيس الصيني من أن سياسة الحماية التجارية تعوق النمو العالمي، وأن هذه المواجهة التجارية لن تسفر عن فائز، وانتهى الأمر إلى عدم صدور بيان ختامي عن القمة لأول مرة على مدى تاريخها الذي يبلغ نحو 30 عاما نتيجة لهذا الخلاف.
وتؤكد مثل هذه الخلافات على تباين المنهجين الأمريكي والصيني في التعامل مع خلافهما التجاري وفي قضية التجارة الدولية والتعاون الاقتصادي الدولي عموما، إذ تمضي الولايات المتحدة على أساس من شعار ترامب الذي رفعه إبان سباق انتخابات الرئاسة "أمريكا أولا"، وهو ما يبدو معه أن الإدارة الأمريكية أقل اهتماما بالتعاون الدولي وبالنظام التجاري المتعدد الأطراف المستند إلى قواعد تجارية واضحة، بل وبالمؤسسات المسؤولة عن هذا النظام مثل منظمة التجارة العالمية، وتبدو تحركات الإدارة خلال الفترة الماضية مؤكدة على ذلك، إذ لم تقدم أبدا أي حلول وسط أو تبدي أي ميل نحو التهدئة ليس فقط في مواجهة الصين، بل وفي مواجهة كافة بلدان العالم، خاصة تلك التي تحقق فوائض تجارية معها.
فقد أشار الرئيس الأمريكي إلى أنه يمكن أن يصدر الأسبوع القادم قرار بفرض رسوم جمركية على السيارات التي تستوردها بلاده، والقرار سيضر بشكل خاص بلدان أوروبا، وعلى رأسها ألمانيا التي تشكل صادراتها من السيارات أهم بند في صادراتها للولايات المتحدة، وعلى الرغم من انخفاض الفائض التجاري الألماني مع الولايات المتحدة من ذروة بلغت نحو 75 مليار دولار في عام 2015 إلى نحو 63.7 مليار دولار في العام الماضي، إلا أن كل ما حدث من تصرفات حمائية يبدو أنه لم يؤثر على هذا الفائض في العام الحالي، حيث سجلت ألمانيا فائضا في تجارتها السلعية مع الولايات المتحدة بلغ 50.3 مليار دولار خلال الشهور التسعة الأولى من هذا العام؛ مما يعني أنها في سبيلها لتحقيق فائض يماثل، بل وربما يزيد عما حققته في العام الماضي إذا ما مضت الأمور في نفس الاتجاه، وألمانيا هي المصدر الأول للسيارات عالميا، حيث بلغت قيمة صادراتها في العام الماضي 157.4 مليار دولار، بما يمثل نحو 21.3% من إجمالي قيمة صادرات السيارات عالميا.
وكان الرئيس الأمريكي قد هدد بفرض رسوم جمركية على واردات الولايات المتحدة من السيارات الأوروبية تبلغ 20% ارتفاعا من 2.5% فقط حالي، وقد بلغت مبيعات شركات السيارات الألمانية 1.35 مليون سيارة في الولايات المتحدة خلال عام 2017، وهو ما يبلغ نحو 8% من إجمالي مبيعات السيارات في السوق الأمريكي، ومن بين هذه المبيعات هناك 494 ألف سيارة تم استيرادها من ألمانيا مباشرة للولايات المتحدة، بينما بقية السيارات أتت من مصانع ألمانية في الولايات المتحدة نفسها وفي المكسيك التي تجمعها اتفاقية للتجارة الحرة مع أمريكا، إضافة لذلك فما زالت رسوم جمركية قدرها 25% على واردات الولايات المتحدة من الصلب و10% على واردات الالومنيوم من مختلف دول العالم معمول بها، بما في ذلك كندا والمكسيك اللتان تضمهما اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، أي أن الرئيس الأمريكي سيدخل لاجتماعات القمة في ظل خلافات تجارية محتدة مع الكثير من دول مجموعة العشرين.
على الناحية الأخرى، تحاول الصين التأكيد مرة بعد الأخرى على أنها مع الانفتاح التجاري، وأنها لا ترى رابحا في أي حرب تجارية، وقد أكدت على ذلك بحديثها أمام قمة الآبيك، ثم بمحاولة الوصول إلى تهدئة وتعاملات تجارية مكثفة حتى مع دول لديها خلافات تاريخية معها مثل الهند، إذ تدخل الصين حاليا في مفاوضات مع الهند لاستيراد بعض السلع الزراعية وعلى رأسها السكر، حيث يشاع أن المفاوضات تتناول واردات تصل إلى 2 مليون طن من السكر الهندي، خاصة مع الزيادة الكبيرة في مخزون السكر لدى الهند التي يُتوقَّع لها أن تحتل المركز الأول عالميا في إنتاج السكر لتحل محل البرازيل خلال العام الحالي، كما أن الرئيس الصيني سيوقع على هامش قمة العشرين نحو 20 اتفاقية للتعاون الاقتصادي بين بلاده والدولة المضيفة للقمة الأرجنتين، والتي تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، وتتناول هذه الاتفاقيات التجارة والاستثمار وعدم الازدواج الضريبي وغيرها من المجالات.
قمة العشرين، وفي قلبها قمة الاثنين، ربما تكون إذن كما يأمل البعض فرصة لحل الخلافات التجارية، خاصة بعد أن وصل الجانبان إلى حافة الهاوية في إجراءاتهما وتهديداتهما المتبادلة، والتوصل لحل هذه الخلافات سيفتح الطريق أمام استعادة الأمل في عودة العالم لتسجيل معدلات نمو اقتصادي مقبولة بما يعنيه ذلك من فرص للنمو في جميع أرجاء العالم المتقدم والنامي على السواء، خاصة البلدان المصدرة للسلع الأولية وعلى رأسها النفط، التي أضيرت بشدة مع انخفاض أسعار صادراتها جزئيا بسبب توقع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة