ياسر عرمان.. عدو الإخوان ينضم لمطبخ القرار السوداني
عُرف بمعارضته الشرسة للإخوان، وبمواقفه الصلبة أيضاً، صفاتُ أهلت السياسي السوداني المخضرم ياسر عرمان لدخول "مطبخ صناعة القرار" ببلاده.
"عرمان" الذي يشغل منصب نائب رئيس الحركة الشعبية، ويمتاز بذكاء سياسي خارق، كما يصفه مؤيدوه، سوف يجلس بجوار رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك مستشاراً سياساً بعد أن جرى تعيينه ضمن 3 مستشارين آخرين لرئيس الحكومة الانتقالية.
الخطوة التي جاءت وفق توازنات متصلة بإشراك قادة الحركات المسلحة الموقعة على السلام في السلطة، وفق مراقبين سيكون لها مردود إيجابي كبير وستسهم في تخطي العقبات التي تعتري مسيرة الانتقال في السودان لما يمتاز به عرمان من حنكة سياسية تناسب تعقيدات المرحلة.
قضى عرمان حياته متنقلاً في منفاه مناضلاً وعاد للخرطوم عقب توقيع اتفاق نيفاشا بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة الراحل جون قرنق عام 2005 والتي أنهت عقدين من الحرب الأهلية، قبل أن يغادر البلاد 2011 في رحلة كفاح جديدة عاد بها للوطن عقب نجاح الثورة في الإطاحة بالبشير في أبريل 2019.
وللرجل مسيرة سياسية حافلة بالنضال ضد الأنظمة الشمولية وحمل لواء الديمقراطية والتحرر من خلال مشروع "السودان الجديد" الذي طرحه الراحل جون قرنق مع تأسيسه للحركة الشعبية بجنوب السودان التي قاتلت السلطة المركزية بالخرطوم لأكثر من عقدين.
تدرج عرمان (60 عاماً) في العمل السياسي والعسكري وتقلد مناصب رفيعة في تنظيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، وكان من ألد خصوم الإخوان الذين جعلوه بمثابة عدوهم الأول من بين معارضيهم المدنيين والمسلحين ووصل الأمر بهذه الجماعة الإرهابية لإصدار حكم غيابي بالإعدام في حقه هو ورفيقه مالك عقار عام 2014م.
وكان واثقاً من سقوط ما يصفه بنظام الطاغية عمر البشير لامحال، ومع اندلاع حركة الاحتجاجات ارتفع حماسه وعمل على بث روح الصمود في المتظاهرين بكلماته المأثورة التي ما تزال باقية في مخيلة الكثيرين "نظام الإخوان ميت سياسياً وسوف يزول".
وما يزال عرمان الذي كان هدفاً لأبواق نظام الإخوان الدعائية، بالنقد والتجريح بسبب مواقفه الصلبة، يوجه سهامه النضالية ضد هذه الجماعة الإرهابية، إذ أكد في تصريحات مطلع الأسبوع الجاري أن المؤتمر الوطني (الذارع السياسية للحركة الإسلامية) بلا رصيد سياسي وعودته للمشهد مستحيلة.
شمالي بأحراش الجنوب
يقول المحلل السياسي الدكتور عباس التجاني إن عرمان شكل نقطة اهتمام بالمشهد السوداني نظراً لتجربته الفريدة كونه عربيا شماليا ينخرط في صفوف الحركة الشعبية التي يقودها جنوبيون انفصاليون، لكن الرجل كان أكثر إيمانا بالوحدة في إطار فكرة "السودان الجديد" مثل زعيم الحركة الراحل جون قرنق.
يشير التجاني في حديثه لـ"العين الإخبارية" "مشروع السودان الجديد الذي يتمحور في المواطنة أساسا للحياة واحترام التنوع وفصل الدين عن الدولة، ربما حفزته للخروج والالتحاق بالحركة الشعبية فهي ذات المبادئ التي كان يكافح لأجلها عندما بدأ مسيرته السياسية في جامعة القاهرة فرع الخرطوم عبر بوابة الجبهة الديمقراطية أحد واجهات الحزب الشيوعي".
تزوج من ابنة السلطان دينق مجوك ناظر عموم قبيلة دينكا نقوك التي تقطن منطقة أبيي الغنية بالنفط.
واشتهر الناظر مجوك بتمسكه بوحدة الشمال والجنوب، ومن أبنائه المسؤول الأممي الكاتب فرانسيس دينق والقيادي في الحركة الشعبية لوكا بيونغ.
ولد ياسر عرمان في قرية أولاد سعيد في ولاية الجزيرة وسط السودان عام 1961م من عائلة تنتمي إلى قبيلة الجعليين العربية.
درس مراحله الابتدائية بالجزيرة والتحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة فرع الخرطوم وتخرج فيها عام 1986، وكانت الجامعة انطلاقته السياسية الفعلية إذ كان قياديا في التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي وكادرا خطابيا لا يشق له غبار من خلال مناظرات تعرف محليا بـ"أركان النقاش".
كفاح مسلح
وفي نفس العام الذي تخرج فيه من الجامعة، غادر عرمان الخرطوم وانضم إلى صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان التي أسسها جون قرنق في جنوب السودان سنة 1983، وكان ذلك بعد مضي عام واحد على نجاح الثورة الشعبية في الإطاحة بنظام الرئيس الراحل جعفر نميري.
وكان عرمان مكسبا سياسيا للحركة، كونه من الشماليين القلائل الذي انضموا إليها، سرعان ما كسب ثقة قرنق، فأسند إليه العديد من المهام السياسية المرتبطة بالتنظيم.
وعمل ياسر مذيعا في القسم العربي للإذاعة التي أطلقتها الحركة الشعبية وقتها في إثيوبيا، مستفيداً من قدراته الخطابية التي كونها في العمل التنظيمي الجامعي، كما ابتُعث ممثلا للحركة في إريتريا.
وعقب ذلك، انضم للجناح العسكري للحركة، الذي حمل اسم "الجيش الشعبي لتحرير السودان"، وذلك في خضم الحرب التي استمرت بين شمال السودان وجنوبه لمدة عقدين.
كما تولى مناصب قيادية، من بينها الناطق الرسمي باسم الحركة، ونائب الأمين العام لقطاع الشمال.
أحد منهدسي نيفاشا
كان ياسر عرمان أحد مهندسي اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل التي تم توقيعها بين حكومة المعزول عمر البشير والحركة الشعبية قيادة الراحل جون قرن في عام 2005م وساهم في صياغة هذه الوثيقة التي أنهت عقدين من الحرب الأهلية.
وجرى اعتقاله ضمن قيادات للحركة الشعبية في عام 2009، بتهمة تنظيم احتجاجات ضد تأخر تمرير قوانين "التحول الديمقراطي"، كما دفعت به الحركة منافسا للبشير في منصب رئيس الجمهورية في انتخابات 2010م قبل أن تعلن انسحابه.
رحلة نضال جديدة
وعقب انفصال جنوب السودان عام 2011، أسس عرمان مع عبدالعزيز الحلو ومالك عقار والآلاف من مقاتلي الجيش الشعبي، الحركة الشعبية قطاع الشمال والتي قادت حربا ضد حكومة المعزول عمر البشير في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وكان عرمان رئيسا لوفد مفاوضات الحركة الشعبية، مع حكومة البشير خلال سلسلة من الجولات جرت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لم تسفر عن أي اتفاق.
لكن سرعان ما دبت الخلافات في صفوف هذا التنظيم وانقسم إلى فصيلين، الأول بقيادة الحلو ما زال محاربا، والثاني يتزعمه عقار وعرمان واللذين وقعا اتفاقاً مع الحكومة الانتقالية وعادا على إثره للخرطوم.
تجربة ثرة
صديقه بهرام عبدالمنعم يقول إن "عرمان يعتبر من الشخصيات السياسية ذات الوزن الثقيل في البلاد، وله تجربة ثرة منذ انخراطه في الكفاح المسلح داخل صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان، تحت قيادة الراحل المفكر جون قرنق دي مبيور".
ويضيف لـ"العين الإخبارية" أن "الرجل ناضج فكريا بمعنى الكلمة، وعركته التجارب خلال السنوات الماضية، ولديه القدرة على السباحة عكس التيار في ظل الأوضاع السياسية المتقلبة والمتأرجحة التي أعقبت ثورة ديسمبر المجيدة".
ويشدد على أن "تعيين عرمان مستشارا سياسيا لرئيس الوزراء، سيساعد في تهيئة المشهد السياسي، وترتيب قواعد اللعبة للعبور بالفترة الانتقالية إلى شواطئ الأمان، بعد أن شهدت خلال الفترة تعقيدات كادت أن تنسفها من جذورها".
يشير عبدالمنعم إلى أن الرجل لديه قدرات اكتسبها بالتجربة والمراس والخبرات المتراكمة في صناعة التحالفات والتشبيك السياسي بين مختلف القوى السياسية.
ولفت إلى أن "ياسر عرمان أيضا جاء من الأحراش وأجواء الحرب والبارود ، فلديه ما يقدمه لبلاده لتعيش السلام والأمن والطمأنينة".
وليس ببعيد عن عبدالمنعم، يقول السكرتير السياسي بالحركة الشعبية شمال الرضي ضو البيت إن "عرمان شخص تنعكس في تصرفاته روح السودان الجديد والتزامه التام بالرؤية التنظيمية ودقيق في خطواته وذو تأثير عال على حلفائه السياسيين".
وأضاف الرضي في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن الرجل يمثل أحد الرموز السياسية والوطنية وتعيينه مستشاراً لرئيس الوزراء مكسب كبير لعملية الانتقال.
وشدد على أن الرجل بخلاف حنكته السياسة فله جوانب غير منظورة فهو مطلع ومثقف وطيب الخلق ومتواضع وحكيم في تصرفاته، تلك الصفات تحتاجه المرحلة بكل تأكيد.