خلافات عسكريي السودان.. حوار "غير مشروط" يطفئ لهيب الأزمة
"منعطف خطير" يبدو أن السودان تجاوزه، بعد إعلان الجيش السوداني، استعداده لأي خطوة لحل المشكلة مع قوات الدعم السريع.
ففي أعقاب اجتماع للقوى الموقعة على الاتفاق الإطاري مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان ونائبه قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، أكد الطرفان استعدادهما لاتخاذ خطوات لتهدئة التوتر بين قواتهما.
جاء ذلك بمبادرة من مجموعة من الوسطاء، لمناقشة نزع فتيل الأزمة وإخماد التوتر والقضايا الخلافية في الإصلاح الأمني والعسكري.
وقالت مجموعة من الوسطاء بينهم قادة لجماعات شبه عسكرية في بيان في وقت مبكر من يوم السبت إن رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان مستعد "للإقدام على أية خطوة تعين على حلحلة الإشكال الطارئ بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وإعادة الأمور نصابها الطبيعي".
انفراجة وحلحلة المواقف
وقال عضو مجلس السيادة مالك عقار إير وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي ووزير المالية الدكتور جبريل إبراهيم ونائب حاكم إقليم دارفور محمد عيسي عليو، في بيان مشترك: خرجنا قبل قليل من لقاء مثمر مع الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام لقوات الشعب المسلحة.
وأضاف البيان: "وجدنا عند الأخ الرئيس روحًا إيجابية معهودة واستعدادًا للإقدام على أية خطوة تعين على حلحلة الإشكال الطارئ بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وإعادة الأمور نصابها الطبيعي".
وقال البيان: "بعد حوار صريح وجاد، أكد لنا الأخ القائد (دقلو) التزامه التام بعدم التصعيد واستعداده للجلوس مع أخيه رئيس مجلس السيادة وإخوته في قيادة القوات المسلحة السودانية في أي وقت ومن غير قيد أو شرط بغية الوصول إلى حل جذري للأزمة يحقن الدماء ويحقق الأمن والطمأنينة للعباد والبلاد".
ووجه السياسيون الأربعة رسالة إلى السودانيين، قائلين: نطمئن المواطنين بأن الأزمة في طريقها إلى زوال، وأن قيادتنا أوعى من أن تقود البلاد إلى حرب أهلية المنتصر فيها خاسر لا محالة.
ونقلت وكالة "رويترز"، عن مصادر بالجيش قولها، إنه من أجل تهدئة التصعيد، يجب على قوات الدعم السريع سحب أفرادها المتمركزين قرب مطار عسكري في مدينة مروي الشمالية وأن تكون تحركاتها بالتنسيق مع الجيش وضمن الحدود القانونية، فيما قالت مصادر من قوات الدعم السريع إن التحركات جاءت بالتنسيق مع البرهان.
وقالت مصادر مقربة للبرهان ودقلو يوم الجمعة إنهما ما زالا على خلاف حول من سيتقلد منصب القائد العام للجيش خلال فترة الاندماج التي ستمتد عدة سنوات. وتقول قوات الدعم السريع إن القائد ينبغي أن يكون الرئيس المدني للدولة وهو ما يرفضه الجيش.
مخاوف في الشارع
قال عدد من المواطنين لـ"رويترز" إنهم باتوا يشعرون بالخوف مع الحديث عن مواجهة محتملة بين الجيش وقوات الدعم السريع ومشاهدة العربات المدرعة والشاحنات العسكرية في شوارع الخرطوم.
وألقى كثيرون منهم باللوم على كلا الجانبين. وقالت نفيسة سليمان وهي تجلس في محل لبيع الخضروات "ديل بيتصارعوا في السلطة وفي نهب الدولة نحن بنتصارع في الأكل والشراب والتعليم والعلاج".
وقال عصام حسن (35 عاما) "نحن نعيش في حالة خوف من التوتر بين العسكريين هم يحموا المواطن أصبحوا أكبر خطر على المواطن. يجب وقف هذه المهزلة. الجيش هو جيش السودان مفترض الدعم السريع يكون تحت سيطرته لا يوجد بلد فيها أكثر من جيش".
وبين تحركات مطردة واجتماعات مكثفة، تعكف القوى العسكرية (قوات الجيش وقوات الدعم السريع)، على الوصول إلى منطقة وسط للتوترات التي فجرتها تحركات من "الدعم السريع" على الأرض في مدينة مروي وفي محيط مطارها، أكدت قوات الجيش أنها لم تتم بالتنسيق معها، وقوبلت كذلك برفض شعبي.
وتسعى القوى السياسية للتنسيق مع الجيش لاستكمال العملية السياسية، وتشكيل حكومة انتقالية مدنية، وصولاً إلى تحول ديمقراطي بقيام الانتخابات.
منعطف خطير
وكان الجيش السوداني حذر يوم الخميس من أن البلاد تمر بـ"منعطف خطير" بعد انتشار قوات الدعم السريع المسلحة في الخرطوم والمدن الرئيسية بينما تراوح جهود العودة إلى المرحلة الانتقالية مكانها.
ويشهد السودان حاليا انسدادا سياسيا بسبب الخلاف بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
ومطلع الشهر الحالي، تأجل مرتين التوقيع على اتفاق بين العسكريين والمدنيين لإنهاء الأزمة التي تعيشها البلاد، بسبب خلافات بين البرهان ودقلو.
ومن شأن هذا الاتفاق الجديد الذي لم يوقع، إحياء عملية الانتقال الديمقراطي في السودان أحد أفقر دول العالم، وفتح الباب أمام خروج البلاد من الأزمة، إلا أن السبب الرئيس لعدم توقيع الاتفاق يعود إلى الخلافات بين البرهان ودقلو حول شروط دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
الجيش يحذر
وحذر الجيش السوداني في بيان الخميس من أنه "يقع على عاتق القوات المسلحة دستورا وقانونا، حفظ وصون أمن وسلامة البلاد، يعاونها في ذلك أجهزة الدولة المختلفة".
وأضاف أن "القوانين نظمت كيفية تقديم هذا العون، وبناء على ذلك وجب علينا أن ندق ناقوس الخطر بأن بلادنا تمر بمنعطف تاريخي وخطير وتزداد مخاطره بقيام قيادة قوات الدعم السريع بحشد القوات داخل العاصمة وبعض المدن".
وتابع البيان أن "هذه التحركات تمت دون موافقة قيادة القوات المسلحة أو مجرد التنسيق معها مما أثار الهلع والخوف في أوساط المواطنين وفاقم من المخاطر الأمنية وزاد من التوتر بين القوات النظامية".
وأكد أنه "لم تنقطع محاولات القوات المسلحة في إيجاد الحلول السلمية لهذه التجاوزات وذلك حفاظا على الطمأنينة العامة وعدم الرغبة في نشوب صراع مسلح يقضي على الأخضر واليابس".
وحذر الجيش السوداني من أن هذه التحركات "تخالف مهام ونظام عمل قوات الدعم السريع وفيه تجاوز واضح للقانون (...) واستمرارها سيؤدي حتما إلى المزيد من الانقسامات والتوترات التي ربما تقود إلى انفراط عقد الأمن بالبلاد".
قلق غربي
وكان مبعوثون وممثلون خاصون من فرنسا وألمانيا والنرويج وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أعربوا عن قلقهم العميق إزاء التقارير التي تتحدث عن تصاعد التوترات في السودان وخطر التصعيد بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
وفي بيان مشترك صادر يوم الخميس، قال المبعوثون إن "هذه الإجراءات التصعيدية تهدد بعرقلة المفاوضات نحو تشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية"، داعين إلى "اتخاذ خطوات فاعلة للحد من التوترات".
كما حثوا قادة الجيش و"الدعم السريع"، على "الإيفاء بالتزاماتهم والانخراط بشكل بناء، لحل القضايا العالقة بشأن إصلاح قطاع الأمن لإنشاء مستقبل عسكري موحد ومهني وخاضع للمساءلة أمام حكومة مدنية، مؤكدين أن "الوقت قد حان الآن للدخول في اتفاق سياسي نهائي يحقق التطلعات الديمقراطية لشعب السودان".