دوستويفسكي.. مهندس "المساكين" وأسطورة "الإخوة كارامازوف"
فيودور دوستويفسكي تميز بغوصه العميق في مجاهل النفس البشرية، ليضيء لنا بلغته وشخصياته الكثير من تلك البقاع المظلمة المجهولة
اتخذ من أجواء الجريمة والمطاردات البوليسية إطاراً مشوقاً لأشهر أعماله، ما خلق توازناً نادراً بين عمق الرؤية الفلسفية ومتعة القراءة لأعمال خالدة، إنه الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي.
تميز فيودور دوستويفسكي، الذي كتب "الجريمة والعقاب"، و"الإخوة كارامازوف" و"الأبله" و"الشياطين"، بغوصه العميق في مجاهل النفس البشرية، ليضيء لنا بلغته وشخصياته الكثير من تلك البقاع المظلمة المجهولة.
"هو عالم النفس الوحيد الذي كان لي أن أتعلم منه شيئاً".. هكذا وصفه فردريك نيتشه، فيلسوف القوة، المتمرد على كل شيء، والكاره للضعف البشري، الذي لا يعترف لأحد بفضل عليه.
ولد دوستويفسكي بموسكو 11 نوفمبر عام 1821، حيث تفتح وعيه على عالم الأدب العالمي، وتحديداً القصص الخيالية والأساطير من أدباء روس وأجانب.
توفّيت والدته عام 1837، عندما كان عُمره 15 عاماً، وفي الوقت نفسه ترك المدرسة والتحق بمعهد الهندسة العسكرية.
وبعد تخرج دوستويفسكي، عمل مهندساً واستمتع بحياة مرفهة، حتى أنه كان يعمل بالترجمة في ذلك الوقت أيضاً، بحثاً عن عمل إضافي.
وفي منتصف الأربعينيات، صدرت روايته الأولى "المساكين" التي نال من خلالها اعتراف الوسط الأدبي بموهبته.
كان نحيلاً للغاية، شاحب الوجه، معتل الصحة على الدوام، إلا أن والده الذي كان طبيباً عسكرياً لدى القيصر، كان يشكو من عناده الشديد وتمرده المستمر.
وحين تعرف أن أعماله تُرجمت لأكثر من 170 لغة حول العالم، ويكتب اسمه بأحرف من نور إلى جوار شكسبير في سجل الأدباء الخالدين عبر التاريخ، يصعب عليك تصور كيف انتهى به الحال متسولاً، ولو لمرحلة معينة من حياته، وذلك بعد إدمانه القمار.
حين توفي والده في 16 يونيو/حزيران 1939، ساءت حالة دوستويفسكي النفسية للغاية خاصة بعد شائعات أنه مات نتيجة مؤامرة.
وأصيب دوستويفسكي لأول مرة بالصرع الذي عانى منه مرة أخرى بعد فترة، وسافر إلى بلدان أوروبية عديدة ليمارس تلك العادة الكارثية التي تعرف عليها عبر مجموعة من أصدقائه المقربين الذين أرادوا الترفيه عنه.
وحين التقى ماريا دميتريفنا إيساييفا في منتصف الخمسينيات، وقع في حبها على الفور، فهي جميلة ذات شخصية عادية، لها ابن من زواج سابق.
ولم يكن زواجهما سعيداً، بسبب أوضاعه المالية السيئة، وحين تزوجا بالفعل، لم تحتمل نوبات صرعه المتكررة، والمدهش أنه يصف زواجهما المضطرب وصفاً قد يبدو للوهلة الأولى متناقضاً، إذ قال: "بسبب شخصيتها الغريبة والمرتابة والرائعة، لم نكن سُعداء معاً، ولكن لم يتوقف الحب بيننا، وكلّما كنا أكثر تعاسة، كان الحب بيننا يزداد قوة".
وفي زواجه الثاني، كان أكثر حظاً رغم صغر سن الزوجة حين التقاها، فلم يكن عمرها يزيد على 20 عاماً، إنها آنا جريجوري سينتكينا التي التقته كسكرتيرة خاصة بناءً على نصيحة صديق مقرب وكتبت عنه كتابين بعد رحيله.
وتبقى في النهاية الإشارة لوجود كمية غير العادية من أقواله المأثورة التي تدعو للتأمل، أبرزها "إن أفضل طريقة لمنع سجين من الهروب أن نتأكد أنه لا يعلم أنه في سجن".
aXA6IDMuMTUuMTQ1LjUwIA== جزيرة ام اند امز