الذكاء الاصطناعي يحيي صوت «رجل ميت»

لم يتوقع دييجو فيليكس دوس سانتوس أن يسمع صوت والده الراحل مجددا، إلى أن أتاح له الذكاء الاصطناعي ذلك بشكل مبهر جعله يصف الأمر قائلا "نبرة الصوت مثالية للغاية، كما لو أنه هنا، تقريبا".
بعد أن توفي والده على نحو مفاجئ العام الماضي، سافر دوس سانتوس (39 عاما) إلى موطنه الأصلي البرازيل ليكون مع عائلته.
وبعد عودته إلى منزله في إدنبره باسكتلندا، قال إنه أدرك أنه ليس لدي أي شيء "يذكرني حقا بوالدي".
لكن كانت بحوزته رسالة صوتية أرسلها له والده من على سرير المرض في المستشفى.
وفي يوليو/تموز، لجأ دوس سانتوس إلى تلك الرسالة الصوتية وبمساعدة من شركة إليفن لابز، وهي منصة لتوليد الصوت بالذكاء الاصطناعي تأسست عام 2022، قام بتحميل الصوت وإنشاء رسائل جديدة بصوت والده، ومحاكاة المحادثات التي لم يتسن لهما إجراؤها قط، مقابل رسوم شهرية تبلغ 22 دولارا.
ويصدر صوت والده من التطبيق تماما كما كان يحدث في مكالماتهما الأسبوعية المعتادة قائلا "مرحبا يا بني، كيف حالك؟".
ويضيف "أرسل لك قبلاتي. أحبك يا متسلط"، مستخدما اللقب الذي أطلقه عليه والده عندما كان صغيرا.
وكانت لدى عائلة دوس سانتوس المتدينة تحفظات في البداية على استخدامه للذكاء الاصطناعي للتواصل مع والده الراحل، إلا أنه يقول إن أفراد عائلته وافقوا لاحقا على قراره.
وتعكس تجربة دوس سانتوس اتجاها متزايدا لاستخدام الذكاء الاصطناعي ليس فقط لابتكار شخصيات رقمية تشبه الأشخاص الحقيقيين، ولكن لمحاكاة من ماتوا أيضا.
ومع تزايد الاحتياجات الشخصية المبتغاة من هذه التكنولوجيا وانتشارها على نطاق واسع، يحذر الخبراء من مخاطر أخلاقية وعاطفية تحملها ويشيرون إلى ضرورة الحصول على موافقة من يتم تجسيدهم وحماية البيانات والنظر في العوامل المحفزة تجاريا وراء تطويرها.
ونمت سوق تقنيات الذكاء الاصطناعي المصممة لمساعدة الناس على التعامل مع ألم فقد الأحبة، والمعروفة باسم "تكنولوجيا الحزن"، بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية.
وبفضل شركات أمريكية ناشئة مثل ستوري فايل، وهي أداة لصنع مقاطع الفيديو مدعومة بالذكاء الاصطناعي تتيح للأشخاص تسجيل مقاطع لأنفسهم لإعادة تشغيلها بعد الوفاة، وهير أفتر إيه.آي، وهو تطبيق يعتمد على الصوت ويصنع صورا تفاعلية للمتوفين، يجري التسويق لهذه التكنولوجيا على أنها وسيلة للتعامل مع الحزن وربما حتى منعه.
وأسس روبرت لوكاسيو شركة إتيرنوس في عام 2024 بعد أن فقد والده. وهذه شركة ناشئة مقرها بالو ألتو تساعد الناس على تطوير توأم رقمي بالذكاء الاصطناعي.
ويقول لوكاسيو إن أكثر من 400 شخص استخدموا المنصة منذ ذلك الحين لإنشاء صور تفاعلية بالذكاء الاصطناعي تجسدهم، باشتراكات تبدأ من 25 دولارا لإنشاء حساب يسمح بأن تظل قصة حياة الشخص متاحة لأحبائه بعد وفاته.
وكان مايكل بومر، وهو مهندس وزميل سابق للوكاسيو، من أوائل من استخدموا إتيرنوس لإنشاء نسخة رقمية طبق الأصل من نفسه بعد أن علم أنه مصاب بمرض السرطان في مراحله الأخيرة. وقالت أنيت زوجة بومر، الذي توفي العام الماضي، لرويترز في رسالة بالبريد الإلكتروني عن النسخة الرقمية لزوجها "إنها تجسد جوهر شخصيته جيدا".
وأضافت أنيت التي تعيش في برلين "أشعر أنه قريب مني في حياتي من خلال الذكاء الاصطناعي لأنه كان آخر مشروع نابع من قلبه والذي أصبح الآن جزءا من حياتي".
ومن أكبر المخاوف المتعلقة باستخدام تكنولوجيا الحزن هي الموافقة، إذ يُطرح تساؤل ماذا يعني التجسيد الرقمي لشخص لا يمكنه التحكم في كيفية استخدام صورته بعد وفاته.
وفي حين أن بعض الشركات مثل إليفن لابز تسمح للعملاء بإنشاء صور رقمية لأحبائهم بعد وفاتهم، تفرض بعض الشركات الأخرى قيودا على ذلك. ويقول لوكاسيو من شركة إتيرنوس إن سياسة الشركة تمنعهم من إنشاء صور تفاعلية لأشخاص غير قادرين على إعطاء موافقتهم.
ويشعر البعض بالقلق أيضا بشأن الآثار العاطفية لهذه التكنولوجيا.
ويقول آندي لانجفورد المدير في جمعية كروز الخيرية المعنية بمواساة من فقدوا أحبتهم ومقرها في بريطانيا، إن من السابق لأوانه التوصل إلى استنتاجات ملموسة حول تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الحزن، إلا أنه من المهم ألا "يَعلق" مستخدمو هذه التكنولوجيا في حزنهم، "فنحن بحاجة إلى الاثنين معا - الحزن والحياة".