التربية الفنية على طاولة نقاش "الشارقة للنقد التشكيلي"
جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي في دورتها السابعة ركزت على أطروحات رصدت مناهج التربية الفنية في المدارس والمعاهد.
تعد الفنون بأشكالها البصرية والسمعية كافة أولى اللغات التي يتلقاها الإنسان قبل أن يدرك مكامن ودلالات لغته الكلامية، حتى أثبتت بعض الدراسات أن استماع الطفل للموسيقى والقصص وهو جنين يؤثر في تكوينه الحسي والنفسي، وهو ما ينعكس بجلاء في تكوين الذوق العام للفرد، ومن ثم الذوق العام الجمعي للمحيط ككل، جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي في دورتها السابعة ركزت على هذا المحور من خلال أطروحات رصدت "مناهج التربية الفنية في المدارس والمعاهد ودورها في خلق فنان تشكلي مميز في الوطن العربي"، وقد كان لـ"العين" لقاء خاص مع الفائزين بالمراكز الثلاث حيث أعرب الفنان التشكيلي والناقد د.كاظم نوير الأستاذ في كلية الفنون الجميلة بجامعة ببابل بأنه قام بتوظيف مناهج التربية وعلم النفس وفلسفة الفن وجماليات الفن المعاصر في الكتابة عن كيفية خلق فنان مبدع، وأساليب التعامل مع طلبة المدارس في سبيل نمو ذائقتهم الفنية. وتطرق إلى مفهوم الخبرة الفنية وعملية بنائها ومهاراتها ومستوياتها والظروف كافة التي تحيط بهذه المسألة. وهو ما دفعه إلى الاهتمام بنظريات علم النفس وعلاقتها ببناء إنسان مبدع، والتعمق في مفهوم الموهبة الفنية وكيفية اكتشافها ورعايتها خاصة في مرحلة الطفولة والمراهقة باعتبارها إحدى المراحل الأساسية في التربية، في هذا الصدد يقول الباحث: "عنوان المسابقة يتطلب رؤية ومنهج قابل للتطبيق، خاصة أننا نتحدث عن خلق الفن في المدارس والمناهج الدراسية، من هذا المنطلق جعلت الدراسة قابلة للاستخدام من قبل العاملين في التربية والمناهج الدراسية والأساتذة ومدرسي التربية الفنية، بهدف مساعدتهم على فهم الطلبة، مما يساهم في استيعابهم للمعلومة بغية تحقيق الأمل المنشود في بناء أجيال ذات ذائقة فنية".
ويضيف د. نوير أن البحث الذي قدمه تناول العديد من القضايا والإشكاليات، أهمها أن الإنسان وليد بنية مجتمعية وثقافية وحضارية، وتلك العناصر أساس العوائق في تبني مناهج تربوية فنية مبدعة في عالمنا العربي. إضافة إلى وجود عدد من العوائق التي تمس ذوات الأشخاص مثل تركيباتهم النفسية واستعداداتهم لتقبل الفن والإبداع.
أما الفنان التشكيلي موسى الخميسي، فقد ذهب في بحثه إلى أنه ليس من الضروري السعي لخلق فنان عربي عبر منهاهج التربية الفنية للطفل والناشئة في المدارس، بل الأهم يكمن في خلق الذائقة الجمالية لدى الأطفال ما لها من أثر إيجابي على السمات الشخصية المستقبلية للطفل، معرباً بقوله: "إن المناهج الدراسية فيها مطبات كثيرة، ومعالجتها تحتاج متابعة مستمرة من قبل المختصين، والتجديد في المناهج بما يتوافق مع متطلبات العصر والتطورات الحاصلة والوسائل الجديدة المعتمدة هو الحل، ويجب أن تتم عملية ملاحقة لفرز الظواهر السلبية في المناهج الدراسية، وللأسف هذا الأمر غير معتمد في بلدانا العربية، فلا مسايرة للمتغيرات التي يفرضها الواقع الحضاري مما يجعل مناهج التربية الفنية في العالم العربي متأخرة بعقود".
ويتفق الفنان والباحث في مجال الفنون الأدائية والبصرية يوسف الريحاني مع زملائه الباحثين على تعدد إشكاليات منهاج التربية العربية، لكن الريحاني ذهب إلى تحليل ذلك بأن أزمة التعليم في معظم الدول العربية ناجمة عن غياب التربية الفنية، مؤكداً أن التربية الفنية في العالم شهدت تطورات ملحوظاً، حيث بتنا نعيش في عصر التوحيد العالمي للإبصار، وبأن غياب التربية البصرية يشكل صعوبة حقيقة في التعامل مع الصورة في عصر يوصف بأنه عصر الصورة.
ويؤكد الباحث "من خلال عملي مديراً لأحد أعرق معاهد الفنون الجميلة في المغرب تمكنت من الإطلاع على تجارب أوروبية وعربية عديدة، ووجدت أن عوائق التربية العربية في العالم العربي متشابهة مع اختلافات بسيطة، ويتمثل أهم عائق يواجه التربية الفنية في العالم العربي بأنها ما زالت مرتبطة بقيمة الفنون التشكيلية حيث إنها تطرح المواد التقليدية التي نعرفها من رسم وصباغة، بينما الفن على مستوى العالم تطور في الجانب التشكيلي إلى ما يسمى بالفنون البصرية، مما ساهم بظهور تخصصات أخرى، وطبيعة المعارف التي نشاهدها في العالم مختلفة كلياً، ونلاحظ وجود أعمال فنية يصعب تصنيفها بالشكل التقليدي، وإذ ما بقي الحال على ما هو عليه مقتصراً على الفنون البسيطة دون إحلال وتجديد المناهج سنجد أن طلبتنا لن يتمكنون من العرض في المعارض الدولية مستقبلاً، وإذ ما أردنا أن ندرس الفنون الجديدة لا بد من تطوير آليتنا العلمية والبحثية بما يتوافق مع تطور وحركة العصر، ولنا عبرة في المدرسة الفرنسية والإطالية، والتي حاولت استجلاب نماذجها للاستفادة منها في إطار خصوصيتنا، ففي المجال الفني نتسخدم المفاهيم ذاتها إلا أننا نبحث عن التفرد والذاتية".
هذا وتعد جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكلي النقدي واحدة من أبرز الجوائز العربية حيث تمكنت الجائزة خلال السبع سنوات السابقة أن تبرز مجموعة من الباحثين والنقاد، وأن تغني المكتبة العربية بعشرات الكتب في مجال الفن التشكيلي. وقد اختصت دورة هذه السنة في مجال التربية الفنية، وتختلف موضوعة كل دورة عن سابقتها لكن في إطار تكاملي يربط مجالات الدورات بعضها ببعض، فكل ثيمة تفضي إلى ثيمة أخرى.
aXA6IDMuMTQ4LjEwOC4xNDQg جزيرة ام اند امز