آسيا تنتفض في وجه نفايات الدول الغنية
كندا وافقت بعد ضغوط استمرت سنوات على استعادة النفايات، بعدما صدرتها إلى الفلبين وهي تحمل تصنيفاً زائفا يصفها بأنها "مخلفات بلاستيكية"
عندما أبحرت سفينة الشحن "إم في بافاريا" من أحد موانئ الفلبين في مايو/أيار الماضي، وعلى متنها 69 حاوية من القمامة الكندية التي أصابها العفن، لم تضع حدا لخلاف دبلوماسي معقد بين الدولتين فحسب، بل كانت بمثابة مؤشر على حدوث تغيير جوهري في نظام عالمي لعمليات إعادة تدوير المخلفات.
ووافقت كندا بعد ضغوط استمرت سنوات على استعادة النفايات، بعدما صدرتها إلى الفلبين بداية من 2013، وهي تحمل تصنيفا زائفا يصفها بأنها "مخلفات بلاستيكية".
وهذه الشحنات كانت جزءاً من عملية استمرت على مدار عقود اعتادت من خلالها دول غنية، بينها الولايات المتحدة، أن تبعث بمواد بلاستيكية مستخدمة إلى آسيا لتخضع لعمليات إعادة تدوير.
وعادة ما كانت هذه الشحنات تحتوي على مخلفات ملوثة لا يمكن إعادة تدويرها، لكنها كانت تخضع للتفتيش الجمركي على أي حال، ولم تكن الدول الآسيوية تملك سبلا قانونية لإعادتها من حيث أتت.
ولكن هذه الممارسة بدأت تتغير خلال الـ18 شهرا الماضية، عندما حظرت الصين، وهي أكبر مستهلك لنفايات البلاستيك، جميع واردات المخلفات من أجل وقف تهريب مواد لا يمكن إعادة تدويرها، لكن تجارة المواد البلاستيكية المستخدمة سرعان ما عرفت طريقها إلى دول جنوب شرقي آسيا التي تفتقر إلى وجود منشآت لإعادة التدوير، وقوانين للتخلص منها، وهو ما أدى إلى أن تذهب هذه المواد إلى محارق أو أن تُلقى في المجاري المائية، لتخلق مخاطر صحية وبيئية جسيمة، وجاء اليوم الذي أوصدت فيه هذه البلدان أبوابها في وجه مخلفات الأغنياء.
وفي خضم تحرك عالمي ضد نفايات البلاستيك غير القابلة لإعادة التدوير، أعلنت فيتنام وتايلاند عدم استقبال أي من هذه المخلفات خلال السنوات المقبلة، وقالت تايلاند إنها ستقبل فقط مخلفات البلاستيك بعد فرزها ووضعها في تصنيف واحد، ما يسهل إعادة تدويرها.
وتبحث الفلبين وماليزيا إصدار حظر صريح في هذا الشأن، وقادت الدولتان سبيل المطالبة بأن تقبل الدول المصدرة للنفايات عودة المخلفات التي دخلت البلدين عبر طرق غير قانونية، وعادة من خلال وثائق مزيفة.
وقالت إندونيسيا، الأسبوع الماضي، إنها أرسلت 5 حاويات من المخلفات الورقية من كندا إلى مدينة سياتل الأمريكية، التي كانت نقطة إعادة الشحن، بعدما اكتشفت جاكرتا أن الشحنة اكتظت بمخلفات بلاستيكية وخشبية وحفاضات أطفال وأحذية قديمة.
ووضعت "اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها" 1989 قيودا رئيسية على شحن المخلفات الخطرة إلى الدول الفقيرة، لكنها رغم ذلك تضمنت ثغرة بشأن المواد المخصصة لإعادة التدوير، خاصة البلاستيك، فالولايات المتحدة، وهي واحدة من دول قليلة لم توقع على الاتفاقية، تستطيع تصدير مخلفات خطرة، ولكن فقط عبر اتفاقيات ثنائية، إحداها مع الفلبين.
وتمثل هذه الخطوة إقرارًا جاء متأخرًا بحقيقة أنه رغم التسويق للبلاستيك منذ زمن طويل على أنه مادة يمكن إعادة استخدامها فإنه لا يمكن إعادة تدوير معظم المواد البلاستيكية، لأنها مصبوغة أو لأنها تحتوي على بقايا طعام أو سوائل، أو لأنها مخلوطة بمخلفات غير قابلة للتدوير.
وفي الوقت الذي ارتفع فيه استهلاك العالم من البلاستيك إلى 400 مليون طن سنويا، ويتوقع له أن يتضاعف خلال 15 عاما، لم يكن أحد ليباري منشآت إعادة التدوير المحلية في الصين التي اتسمت بكفاءة نسبية، أو حتى القاعدة الصناعية الضخمة في البلاد التي حولت مخلفات البلاستيك إلى منتجات جديدة.
وأظهرت قضية النفايات بين الفلبين وكندا أن الدول لا تجد سبيلا كافيا، في ظل قواعد التجارة القائمة، لتعيد شحنات البلاستيك التي تأتيها عبر قنوات غير شرعية.
وقال المستوردون في الفلبين إن ما يقرب من مئة حاوية وصلت إلى البلاد منذ البداية في 2013، والمفترض أنها كانت تحتوي على مخلفات بلاستيك من أجل إعادة تدويرها، لكن عمليات التفتيش التي نفذتها سلطات الجمارك كشفت أن الحاويات اكتظت بمخلفات منزلية، تشمل زجاجات وأكياسا بلاستيكية وجرائد وقمامة وحفاضات بالغين مستخدمة.
وفي أبريل/نيسان، هدد الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي، المعروف بلهجته الصارمة، بـ"إعلان الحرب" على خلفية هذه المسألة، واستدعى سفير الفلبين في أوتاوا، كما أعلن حظرا على سفر مسؤولي بلاده إلى كندا، وحدد الخامس عشر من مايو/أيار موعدا نهائيا لإعادة الحاويات، وأتى تحرك دوتيرتي الهجومي ثماره، فقام رئيس وزراء كندا بالاتفاق مع شركة شحن لاستعادة 69 حاوية من الفلبين.
وفي ماليزيا، التي صارت في 2018 أهم مقصد في العالم للتخلص من المخلفات البلاستيكية، أغلق المسؤولون 150 من الشركات التي تعمل بدون ترخيص في مجال استيراد النفايات، كما أعلنت الحكومة في مايو/ آيار أنها ستعيد حوالي 3 آلاف طن من مخلفات البلاستيك الملوثة إلى دول تشمل الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا، رغم أنه لم يتم الافصاح عن تفاصيل مثل هذه الشحنات، ومن سيدفع تكاليف إعادتها.
وقامت وزيرة البيئة في ماليزيا، ييو بيي يين، مؤخرا بتفتيش إحدى الحاويات القادمة من أستراليا، وعثرت فيها على زجاجات ألبان قديمة صارت تعج بالديدان.
وقالت الوزيرة في مقابلة: "هذه قمامة يدرك المرء أنها غير قابلة لإعادة التدوير، ويتملكني الغضب، لأن بلادنا لا تستطيع التعامل مع ذلك"، وتابعت: "عندما اكتشفنا مشكلة النفايات في البلاد، تحدثنا عنها كمعضلة عالمية، وأدركنا أنه يجب علينا أن نكون صوتا للدول النامية، إن لم يتخلصوا منها في بلدنا فسيفعلون في مكان آخر.. يجب إيقاف ذلك".
aXA6IDMuMTQ3Ljc2LjE4MyA= جزيرة ام اند امز