قطر في أمسّ الحاجة للبيت الخليجي الآمن المستقر الدافئ، ولن ينفعها الارتماء في الحضن الإيراني أو التركي
القاعدة الذهبية والقانون الأمثل الذي ترتكز عليه الإنسانية في كل علاقاتها الفردية والجماعية، الأسرية والمجتمعية والدولية، هي أنك حر للحد الذي لا تمس به هذه الحرية حقوق الآخرين أو تعتدي عليها وتشكل خطرا يهددها.
يبدو لنا أن السلطة القطرية من الصعب عليها أن تعي هذا الدرس وترضى به وتطبقه، وإلا كانت وفرت على نفسها وشعبها ودول المنطقة أذى وعنتا كبيرين. هذا الأمر الذي قد يكون مرده لسببين؛ إما لأن القيادة القطرية مغيبة فكريا منذ سنوات بتأثيرات الفكر "الإخواني"، الذي تبنّته ودعمته عقودا طويلة بالخفاء قبل أن تجاهر بذلك، وإما أن تكون الأنانية لديها مفرطة للحد الذي لا يجعلها ترى وتفكر وتعمل إلا لأجل أهوائها وما تراه في مصلحتها فقط.
والحقيقة أن المصالح التي لا تراعي حقوقا وحرمات للآخرين لا يمكن أن تكون مَصالح مهما بدا ظاهرها غير ذلك ومهما طال الأمد.
بدأت القيادة القطرية تلوّح في الأفق عبر إعلامها ومواقع التواصل الاجتماعي بأن الأفضل لها هو الخروج من مجلس التعاون الخليجي، وبدأت بتعبئة مواطنيها بهذا الهدف الذي يمزق كل الروابط التاريخية الإنسانية المشتركة بين الدوحة وجيرانها
يبدو جليا أن أهل الخليج لم يعد لديهم بارقة أمل في تغيّر نهج القيادة القطرية وسياستها الخطرة على الجميع، إلا أن الحكاية كلها تكمن في أن شعوب المنطقة وقادتها لا تتمنى لأهل قطر الأشقاء إلا ما تتمناه لنفسها من خير وسلام وأمن واستقرار.
غير أن مؤشرات التوتر والخطر على أهلنا في قطر ازدادت في الفترة الأخيرة حينما بدأت القيادة القطرية تلوّح في الأفق عبر إعلامها ومواقع التواصل الاجتماعي بأن الأفضل لها هو الخروج من مجلس التعاون الخليجي، وبدأت بتعبئة مواطنيها بهذا الهدف الذي يمزق كل الروابط التاريخية الإنسانية المشتركة بين الدوحة وجيرانها.
وبصراحة لا يمكنني كإنسان قبل كل شيء وكمواطن إماراتي وخليجي وعربي إلا الشعور بالأسى العميق لما آلت إليه العلاقات بين قطر ودول الجوار والعالم العربي؛ فالهوة تزداد اتساعا والصدع يكبر، والخوف تجسد جليا في مشاعر أهل قطر مهما حاولت الحسابات الوهمية لمرتزقتها وأتباع عزمي بشارة بإيهام الشعب القطري والشعوب الأخرى بعكس ذلك. إلا أن أيا من مشاعر الأسى والقلق والتوتر التي يشعر بها الكثيرون من أهل الخليج على علاقاتهم بأهلهم في قطر لن تجدي شيئا ما لم يزامن هذه المشاعر تحركات شعبية من القطريين ليمارسوا حقهم الطبيعي في اختياراتهم الحرة التي لا تخضع لأية ضغوط يمارسها النظام عليهم، والتي كثرت في الآونة الأخيرة وبلغت ذروتها بالتهديدات التي أطلقها هذا النظام على الحجاج القطريين!
يبدو لي مؤثرا الآن الدرس الذي تعلمناه في صغرنا عن حزمة الأعواد التي يصعب كسرها مُجتمعة ويسهل ذلك حينما تتفرق، وقطر هي التي بدأت واختارت هذه الفرقة، وها هي تسعى للمزيد منها غير آبهة بقيمة تجربة سياسية نادرة وناجحة ومهمة خاصة في هذا الوقت تسمى مجلس التعاون الخليجي، حيث شنت حملة مشككة في قيمة هذه التجربة ومدى جدواها كعادة قطر في هدم كل ما لا يتناغم ومزاجها السياسي ورغباته.
قطر لا تلبث بعزف لحنها الشاذ بأن المقاطعة كانت نتيجة رفضها التدخل في سياستها أو فرض الوصاية عليها، غير مُعترفة بتاتا بأن هذه المقاطعة جاءت نتيجة للدعم السافر الذي تقدمه للجماعات المتطرفة والإرهابية؛ ما يشكل خطرا جسيما على المنطقة برمتها. ورغم كل ذلك نتمنى لو تزول هذه السحابة السوداء عن سماء خليجنا والمنطقة العربية، لعل شمس السلام تشرق من جديد وتتفرغ المنطقة وشعوبها للعمل والسعي لبناء الأوطان بدلا من هدمها لإشباع رغبات تحركها مجموعة من المرتزقة والأشرار.
وأخيرا، فإن قطر في أمسّ الحاجة للبيت الخليجي الآمن المستقر الدافئ، ولن ينفعها الارتماء في الحضن الإيراني أو التركي، لكنها للأسف تمضي نحو بوابة المغادرة، بوابة الاتجاه المعاكس.
نقلا عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة