هجوم هاله بألمانيا.. ما حقيقة الإرهاب الجديد؟
الأيديولوجية اليمينية المتطرفة أضحت السمة المميِّزة للموجة الجديدة للإرهاب في العالم الغربي.
جاء حادث إطلاق النار، الذي استهدف كنيسا يهوديا في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إبَّان الاحتفالات بيوم كيبور "يوم الغفران" بمدينة هاله القابعة في شرق ألمانيا، ليضيف حلقة جديدة إلى سلسلة حوادث اليمين المتطرف في العالم الغربي.
واضطلع بهذا الهجوم شتيفان ب. وهو شاب عشريني يبلغ 27 عاما استهدف بالأساس الكنيس بدافع معادته السامية. بيْدَ أنّ فشل مخطط اقتحام الكنيس دفعه لإطلاق النار وسط الشارع وعلى أحد المطاعم التركية بالمدينة؛ ما أسفر عن وقوع قتيليْن وإصابة آخرين في مشهد أعاد للأذهان ذكرى هجوم مسجدي نيوزيلندا الذي جرى بثه عبر خدمة البث المباشر لموقع فيسبوك؛ إذ إن ستيفان سار على خطى منفذ هجوم نيوزيلندا، وبث مقطع فيديو مباشرا عبر منصة تويتش "Twitch".
وفي هذا الإطار، يسلِّط مقال نُشِر على موقع مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations تحت عنوان "إطلاق النار بهاله: حقيقة الإرهاب الجديد" للخبير بالمركز "بروس هوفمان"، والباحث "جاكوب وير" الضوء على أبرز السمات التي أضحت تميِّز الموجة الجديدة للإرهاب في العالم الغربي، واخْتُتِم المقال بتقديم توصيات لمواجهة ظاهرة الإرهاب بصورة عامة، والإرهاب اليميني على وجه الخصوص.
موجة الإرهاب اليميني
ارتأى الباحثان أنَّ الأيديولوجية اليمينية المتطرفة أضحت السمة المميِّزة للموجة الجديدة للإرهاب في العالم الغربي؛ فالغالبية العظمى من الجرائم التي ارْتُكبت في الولايات المتحدة العام الماضي، وهو العام الأكثر دموية وعنفا في تاريخ الولايات المتحدة منذ عام 1982، كانت ذات دوافع يمينية متطرفة.
ووفقا للإحصائيات المتضمنة في قاعدة بيانات مركز STATR، وهو مركز بحثي يقع مقره الرئيسي في جامعة ميرلاند بالولايات المتحدة ومعني بدارسة دوافع الإرهاب ومسبباته وعواقبه في الولايات المتحدة وفي العالم أجمع، ارتكب اليمينيون المتطرفون العديد من الجرائم الإرهابية، التي تركَّزت في بريطانيا وألمانيا بشكل ملحوظ، وكانت غالبية هذه الجرائم، خصوصا الجرائم الإرهابية التي شهدتها ألمانيا، وثيقة الصلة بدوافع تتعلق بمعاداة السامية؛ إذ شهدت ألمانيا في العام الماضي نحو 1800 جريمة كان دافعها الرئيسي معاداة السامية ليسجِّل عام 2018 أعلى معدلات هذه النوعية من الجرائم منذ عام 2006.
وأشار الباحثان إلى سمة أخرى غدت تميِّز الحوادث الإرهابية في العالم الغربي؛ ألا وهي غياب القيادة والإطار الأيديولوجي الحاكم لتحرُّكات أولئك الإرهابيين؛ فالمتأمِّل للصفحات الشخصية لأمثال أولئك على صفحات التواصل الاجتماعي، يجد أنَّهم هم من يقومون بنشر الوثائق والبيانات التي تكشف بصورة جلية عن ميولهم العدوانية والأسلحة التي سينفذون بها جرائمهم فضلا عن المستهدفين.
وبالتالي، أولئك الإرهابيون لا يتلقُّون الأوامر أو التعليمات من قيادات أو أشخاص آخرين يعتنقون أفكارا راديكالية دموية؛ فمرتكب هجوم هاله، على سبيل المثال لا الحصر، نشر قبل أيام من الحادث وثيقة أو بيانا، في حدود 10 صفحات مكتوبة باللغة الإنجليزية، على الإنترنت. وقد تحدَّث مرتكب الهجوم في هذا البيان عن هدفه الذي تمحور حول قتل أكبر عدد ممكن من المعادين للبيض لا سيما اليهود فضلا عمَّا تضمَّنه البيان من صور للأسلحة والذخائر التي كان يعتزم استخدامها في الحادث.
استهداف الأماكن المقدَّسة
وأشار المقال إلى طابع آخر يميِّز الموجة الجديدة للإرهاب؛ ألا وهي استهداف الأماكن المقدَّسة ودور العبادة منذ الهجوم الذي استهدف معبدا للسيخ في بلدة أوك كريك بولاية ويسكونسن، الواقعة شمال وسط الولايات المتحدة، وذلك في عام 2012. وقد أخذت الهجمات على الأماكن المقدَّسة، لا سيما دور العبادة الخاصة بالديانات السماوية الـ3، منحى تصاعديا خلال السنوات القليلة الماضية. وفي هذا الصدد، أشار الباحثان إلى العديد من الحوادث التي استهدفت دور العبادة، أو التي تُعْرف بالأهداف الناعمة soft targets للإرهاب، وأبرزها الهجوم على كنيسة تشارلستون، وهي كنيسة للسود، بولاية ساوث كارولينا بالولايات المتحدة في 2015، والهجوم مسجد كيبيك بكندا في 2017، وكذا الهجوم الذي استهدف مسجدين في كرايستشيرش، جنوب نيوزيلندا، في مارس/آذار المنصرم.
خدمة "البث المباشر"
وارتأى الباحثان أنَّ خدمة "البث المباشر" على الإنترنت أضحت سمة أخرى تقترن بالموجة الجديدة للإرهاب اليميني؛ إذ بات مرتكبو الجرائم الإرهابية يبثون فيديوهات أثناء تنفيذهم الهجوم مباشرة، هذا الأمر يجعل من إمكانية تقليد الهجوم ومحاكاته أمرا سهلا؛ فالمتابع لتفاصيل هجوم هاله الذي استهدف كنيسا يهوديا وكذا الهجوم على مسجدي نيوزيلندا؛ يجد تشابها واضحا من حيث الوثيقة أو البيان المنشور على الإنترنت قبيْل الحادثيْن، وكذا استخدام خدمة البث المباشر لنقلهما؛ ففي هجوم نيوزيلندا، نُشِر على موقع فيسبوك عبر خدمة Live مقطع فيديو يظهر فيه رجل أبيض البشرة بشعر قصير يصل بالسيارة إلى مسجد النور في كرايستشيرش، ثم يبدأ بإطلاق النار لدى دخوله إليه. وفي هجوم هاله، أوضح موقع SITE Intelligence Group الذي يختص برصد وتحليل البيانات المتداولة بشأن التنظيمات الجهادية التكفيرية أنَّ منفِّذ هجوم هاله قد بثَّ مقطع فيديو، مدته 35 دقيقة نُشِر عبر منصة تويتش Twitch، يظهر فيه رجل يافع حليق الرأس يطلق صيحات معادية للسامية. وقال بالإنجليزية إنَّ "المحرقة لم تقع أبدا".
وختاما، أكدَّ المقال أنَّ عملية مواجهة الإرهاب اليميني ليست بالأمر الهيِّن خصوصا أنَّ هذا الإرهاب يُمَارس بشكل فردي؛ فلا توجد جماعة منظمة يمكن إخضاعها للمراقبة الأمنية أو قائد يمكن تعقُّبه ورصد تحرُّكاته كما أنَّه من الصعوبة بمكان إخضاع كل محتوى وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية قاطبة للمراقبة لتفادي تلك الحوادث الإرهابية قبيْل وقوعها. ومن ثم تحتاج المواجهة إلى جهود دؤوبة ومخلصة من قِبل أجهزة ووكالات الاستخبارات على المستوى المحلي فضلا عن ضرورة التنسيق والتعاون في مجال تبادُل المعلومات والبيانات بين أجهزة الاستخبارات على مستوى العالم.
ومن الضروري أيضا لاحتواء ظاهرة الإرهاب بصورة عامة والإرهاب اليميني على وجه الخصوص والحيلولة دون تفاقُم معدلات الهجمات الإرهابية سن التشريعات وتغليظ عقوبة مرتكبي مثل هذه الجرائم، وكذا تدريب الجهات المختصة على إنفاذ تلك القوانين والاستجابة الفاعلة لهذه النوعية من الجرائم. وعلى صناع القرار والمشِّرعين التصدي بكل قوة وحزم للجرائم الإرهابية عبر آليات تأخذ في الحسبان تطويق ظاهرة الإرهاب وحماية البنى الاجتماعية من عواقبها على المدى البعيد وليس التعامل الآني أو الحالي مع الحوادث الإرهابية، الذي عادة ما يغلب عليه الطابع الأمني، فحسب.
aXA6IDMuMTQ3Ljg5LjUwIA== جزيرة ام اند امز