هجوم المسيرات على موسكو.. ما سرّ صمت "القيصر"؟
بين حين وآخر تتعرض العاصمة الروسية لقصف بطائرات مسيرة، ما تنفك موسكو تحمل مسؤوليته لكييف، لكن الردّ عليه ببرودة يثير الغموض.
وقد شنت قوات، الأسبوع الماضي، غارة عبر الحدود على منطقة بيلغورود الروسية، والآن تتعرض موسكو نفسها لهجوم من طائرات مسيرة، ومع ذلك لا يبدو أن أيا من هذا يستدعي ردا علنيا.
وبينما تسببت تلك الهجمات في إلحاق أضرار بعدة مبانٍ في العاصمة، نفت كييف قصف موسكو، فمن المُهاجم؟ ولماذا لم ترُد القوات الروسية على مصدر الهجوم؟
رد غير عادٍ
وتصف الباحثة تاتيانا ستانوفايا، خبيرة الشأن الروسي في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، رد فعل الحكومة الروسية أو عدمه على ما يبدو أنها هجمات أوكرانية جريئة على موسكو والأراضي الروسية بـ"غير العادي".
وتستغرب ستانوفايا من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صامت كالمعتاد، فيما يحيل المتحدث باسم الكرملين الأسئلة بشأن الهجمات إلى وزارة الدفاع، التي ترد بتقارير حول نجاحاتها.
وتضيف الباحثة أنه من المثير للاهتمام أن نلاحظ كيف تطورت تفسيرات السلطات الروسية لتختصر في عبارة مقتبسة من عبارة لبوتين من اجتماعه مع البرلمانيين في 7 يوليو/تموز الماضي، هي: "نحن نبدأ للتو".
لكن بعد كل هذه الشهور التي مرت، أصبحت الهجمات جريئة بشكل متزايد -وفقا لستانوفايا-، التي توضح أن دخول القوات شبه العسكرية إلى منطقة بيلغورود على متن مركبات مدرعة والهجمات بطائرات مسيرة في ضواحي موسكو المرموقة هو مستوى جديد تماما من الخطر.
خطر يشكل تهديدا ماديا لعامة الأشخاص، ناهيك عن أن خطورة هذه الهجمات تتعارض تماما مع رد الفعل اللامبالي للحكومة الروسية، التي تواصل التصرف وكأن شيئا لا يحدث، بغض النظر عن أي شيء.
وتفتح لجنة التحقيق بشكل روتيني قضايا جنائية جديدة، وفي اليوم نفسه الذي وقعت فيه هجمات الطائرات المسيرة الأخيرة على موسكو كانت تعليقات وزير الدفاع سيرغي شويغو خلال مؤتمر عبر الهاتف مع الصحفيين لافتة للنظر، بسبب محتوى التهنئة الذاتية.
وهذه هي الطريقة التي يعمل بها النظام الروسي، حيث إن كل موارده لا تتركز على صد الهجمات أو تقييم مستوى الخطر.
أما عمدة موسكو سيرغي سوبيانين فتحدث عن "أضرار طفيفة"، بينما أشاد المتحدث باسم بوتين ديمتري بيسكوف بالجيش الروسي، حيث قال إن "كل شيء سار كما ينبغي".
وحتى في الوقت الذي تعج فيه وسائل الإعلام الروسية بتقارير عن طائرات مسيرة تلحق أضرارا بالبنية التحتية المدنية وتصيب أشخاصا، مما يستلزم عمليات إجلاء، فإن وزارة الدفاع تتحدث ببساطة عن عدد الطائرات المسيرة التي أسقطتها أو اعترضتها.
لكن الحل الذي اقترحه نائب مجلس الدوما أندريه جوروليوف هو جعل التقاط الصور ولقطات الفيديو للطائرات المسيرة أمرا غير قانوني.
بوتين و"سياسة الصمت"
ولم يدل بوتين نفسه بأي تعليقات علنية على هجمات الطائرات المسيرة حتى بعد الظهر، وعندما سئل خلال مؤتمره الصحفي الصباحي مع الصحفيين عن خطط الرئيس لهذا اليوم، أجاب بيسكوف "القضايا الاقتصادية والتحدث مع رواد الأعمال، مع التركيز على الهندسة المعمارية والعمران والتعليم وغيرها من مجالات الاقتصاد الإبداعي".
بعبارة أخرى، لا يوجد فهم لحجم ما يحدث، أو أي تعاطف مع الروس العاديين، بما في ذلك أولئك الذين وقعوا ضحايا في الهجمات، وبدلا من ذلك كانت الرسالة واضحة وهي أن الرئيس يعمل بجد، والكرملين لا يعتبر الهجمات حالة طارئة.
وترى ستانوفايا أن ما يخشاه بوتين هو التهويل، لأنه إذا أصبح الشعور العام بالخطر قويا للغاية، فسيتعين على السلطات تعبئة الموارد للرد، وهذا لا يتناسب مع تكتيك الكرملين الذي اختاره للانتظار بوقته.
ومن هنا رأت السلطات الروسية أن من الأفضل التزام الصمت حيثما أمكن، وعدم الإسهاب في الهجمات، وعندئذ لن تكون هناك حاجة للرد أو تقديم الأعذار.
وفي تعامله مع المؤسسات المحلية والنخبة كان بوتين يسترشد منذ فترة طويلة بنفس شعار "لا تجعل الأمر كبيرا".
وتقول ستانوفايا إن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لرد فعل "القيصر الروسي"، على هجمات الطائرات المسيرة هي: إيمان بوتين بقدرة الشعب على التحمل، وتركيز السلطات على إظهار "نجاحاتها"، وافتقار روسيا الموضوعي إلى الاستعداد العسكري للرد بفعالية على مثل هذه الهجمات.
وتخلص الباحثة إلى القول إنه في النظام الروسي يتم تحميل اللوم لأول شخص يدق ناقوس الخطر، ومن الأسهل إسكات كل شيء بدلا من الاعتراف بالضعف.