فات وزير النفط الإيراني أن اتفاق "أوبك" وحلفائها لا يستهدف سعرا محددا، بل يستهدف خفض حجم المخزونات لدى المستهلكين.
تعلو تدريجيا خلال الأسابيع الأخيرة موجة من التحليلات التي تشير إلى قرب سقوط اتفاق "أوبك" وحلفائها في تحقيق هدفه في خفض المخزون لدى الدول المستهلكة إلى ما لا يتجاوز متوسط هذا المخزون خلال الخمسة أعوام الأخيرة.
وتشير هذه التحليلات إلى انهيار منتظر في أسعار النفط، ليكون سعر برميل برنت أقل من 60 دولارا، بل يصل به البعض إلى أقل من 50 دولارا. ومن المنتظر أن تستمر هذه الموجة حتى انعقاد المؤتمر نصف السنوي العادي لمنظمة "أوبك" خلال شهر يونيو المقبل.
وتستند التحليلات المذكورة في تأكيد صحتها إلى الارتفاع الحادث في إنتاج النفط الصخري الأمريكي، حيث ارتفع مستوى إنتاج الولايات المتحدة من النفط التقليدي والصخري خلال الأسبوع المنتهي يوم الجمعة 9 مارس/آذار إلى 10.38 مليون برميل يوميا (من بينها نحو 6.95 مليون برميل من النفط الصخري)، وهو أعلى مستوى للإنتاج منذ عام 1970. ويشير البعض إلى أن هيئة معلومات الطاقة الأمريكية كانت قد توقعت أن يبلغ مستوى الإنتاج نحو 10.3 ملايين برميل في المتوسط خلال العام الحالي، وهو ما تجاوزه الواقع الآن، وعادت لرفع توقعاتها إلى مستوى 10.7 مليون برميل يوميا خلال العام الحالي، ونحو 11.3 مليون برميل يوميا خلال العام القادم.
فات وزير النفط الإيراني أن اتفاق أوبك وحلفائها لا يستهدف سعرا محددا، بل يستهدف خفض حجم المخزونات لدى المستهلكين، وهو ما لم يتحقق كاملا بعد.. وإذا كانت إيران أو غيرها من أعضاء أوبك ترى تغيير الهدف فينبغي طرح ذلك إبان اجتماع يونيو القادم، وليس على صفحات الصحف والتأثير سلبا من ثم على الأسواق
وتستند تلك التحليلات أيضا إلى ما حدث من عكس للاتجاه فيما يتعلق بالمخزون؛ فقد حدث انخفاض كبير في المخزون من النفط الخام لدى الولايات المتحدة على مدى زمني قد يتجاوز العام بتأثير من خفض "أوبك" وحلفائها إنتاجهم بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا. إلا أن الولايات المتحدة عادت مرة أخرى لملء هذا المخزون، وآخرها زيادة هذا المخزون بمقدار 5 ملايين برميل في الأسبوع المنتهي يوم 9 مارس/آذار. وهو ما يعني أن "أوبك" وحلفاءها في سبيلهم لخسارة الهدف الرئيسي لهم.
ولا يمكن بالقطع إنكار أن الزيادة في الإنتاج -وهو ما يرجع بالدرجة الأولى لزيادة إنتاج النفط الصخري- تؤثر حتما على مستوى الأسعار؛ لكونها تزيد من المعروض العالمي من النفط. إلا أن هذا يظل جانبا واحدا من الصورة؛ إذ ينبغي أن يقابل ذلك في الحقيقة بمستوى الطلب في الأسواق وغيرها من الوقائع. وهنا نشير إلى الحقائق التالية:
1. ارتفاع الطلب بشكل ملحوظ خلال العام الحالي مقارنة بالعام الماضي في البلدان المستهلكة الرئيسية مع ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي. وتشمل الظاهرة غالبية هذه البلدان بما فيها الولايات المتحدة. فإذا كان الإنتاج الأمريكي قد ارتفع في المتوسط بمقدار 1.116 مليون برميل يوميا خلال الفترة من بداية هذا العام وحتى 9 مارس/آذار مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، نجد أن الاستهلاك قد ارتفع أيضا خلال نفس فترتي المقارنة بمقدار 0.968 مليون برميل في المتوسط، أي أن الزيادة الصافية لا تتجاوز 168 ألف برميل يوميا مقارنة بالعام الماضي.
وفي نفس السياق تشير البيانات الصينية إلى انخفاض مستوى الإنتاج إلى نحو 3.7 مليون برميل يوميا خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين، إلا أن الاستهلاك ارتفع في نفس الوقت إلى ما يقدر بنحو 11.5 مليون برميل يوميا، وهو ما يعني زيادة حاجة الصين للاستيراد. وتقدر بعض الجهات العاملة في الصناعة أن الزيادة في الطلب الهندي والصيني مجتمعَيْن قد تبلغ هذا العام نحو 1.1 مليون برميل يوميا. ومن المنتظر مع انتهاء موسم صيانة مصافي التكرير والعودة لزيادة طاقتها الإنتاجية زيادة الطلب على الخام مقارنة بالفترة الماضية. وإذا استمرت معدلات النمو الاقتصادي في الدول المستهلكة مرتفعة فقد يرتفع الطلب العالمي بأكثر من 1.5 مليون برميل يوميا، بينما كانت وكالة الطاقة الدولية التي تضم كبار الدول المستهلكة تتوقع زيادة الطلب هذا العام بأقل من 1.3 مليون برميل يوميا.
2. يتم في الغالب التعامل مع قضية المخزون بشكل مبتسر دون استجلاء كل التطورات التي تُلمُّ به. فعلى حين جرى التركيز على زيادة المخزون التجاري من النفط الخام في الولايات المتحدة خلال الأسابيع القليلة الماضية، نجد أنه يتم في الوقت نفسه تجاهل انخفاض المخزون الإجمالي من الخام والمنتجات النفطية. فقد ارتفع المخزون التجاري مؤخرا بمقدار 5 ملايين برميل كما سلفت الإشارة، إلا أن إجمالي المخزون من الخام والمنتجات انخفض بمقدار 4.5 مليون برميل، وهو ما يعود لانخفاض مخزون المنتجات بمقدار 9.5 مليون برميل. ما يجري إذاً هو في الحقيقة إعادة هيكلة للمخزون بين الخام والمنتجات وليس ارتفاعا في المخزون. والمعيار الرئيسي المتعارف عليه هنا هو ضرورة تغطية المخزون لفترة لا تقل عن 90 يوما من الاستهلاك كحد أدنى. وإذا ما وُضع هذا المعيار في الاعتبار فسنجد أن المخزون الإجمالي في الولايات المتحدة والبالغ مؤخرا 1863.5 مليون برميل يكفي لاستهلاك نحو 91 يوما وفقا لمتوسط الاستهلاك المسجل خلال الفترة الماضية من هذا العام، أي أن مستوى المخزون قريب جدا من مستوى الحد الأدنى اللازم الحفاظ عليه.
الخلاصة إذاً هي أنه يتم التركيز على زيادة مستوى الإنتاج الأمريكي بما يحمله من آثار، ويتم تغييب الزيادة الحادثة في جانب الطلب في الولايات المتحدة وفي العالم أجمع. كما أنه بينما يتم التركيز على زيادة المخزون من النفط الخام، فإنه يتم تجاهل الانخفاض في المخزون الإجمالي من النفط والمنتجات. ولذا نرى أن الموجة الكاسحة من التبشير بقرب سقوط اتفاق "أوبك" وحلفائها تعلو؛ بهدف الضغط من أجل التخلي عن هذا الاتفاق في أقرب وقت ممكن.
والمؤسف أن بعض دول "أوبك" تعين الدول المستهلكة في سعيها. ويأتي في هذا السياق الحديث الذي أدلى به منذ عدة أيام وزير النفط الإيراني لجريدة "وول ستريت جورنال"؛ حيث قال: إن الوقت قد حان للتخلي عن الاتفاق وزيادة الإنتاج؛ لأنه يرى أن سعر 60 دولارا للبرميل وليس 70 دولارا هو السعر الأنسب لبرميل النفط من نوع برنت؛ إذ سيحول هذا السعر في رأيه دون استمرار زيادة الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري، وفات وزير النفط الإيراني أن اتفاق "أوبك" وحلفائها لا يستهدف سعرا محددا، بل يستهدف خفض حجم المخزونات لدى المستهلكين، وهو ما لم يتحقق كاملا بعدُ. وإذا كانت إيران أو غيرها من أعضاء "أوبك" ترى تغيير الهدف، فينبغي طرح ذلك إبان اجتماع يونيو/حزيران القادم، وليس على صفحات الصحف والتأثير سلبا من ثم على الأسواق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة