"أطفال الاحتلال".. آلاف النمساويين يبحثون عن آبائهم في روسيا
رجل في منتصف العقد الثامن يبحث عن جذوره في روسيا، وسيدة أعياها الانتظار أملا في لقاء أحد أقربائها في الجانب الآخر من العالم.
هذا هو حال آلاف النمساويين الذين يبحثون عن جذور آبائهم في روسيا، رغم مرور أكثر من نصف قرن على وقائع تاريخية صنعت أزمة اجتماعية.
وبعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، ولد ما لا يقل عن 30 ألف طفل يعرفون حتى اليوم بـ"أطفال الاحتلال" نتيجة علاقات الحب بين النساء وجنود الحلفاء وأحيانا الاغتصاب، لكن أكثر من نصف هؤلاء الأطفال ولدوا لآباء روس.
ولسنوات، تعرض "أطفال الاحتلال" للتمييز داخل النمسا، ونشأ أغلبيتهم بدون الوالد البيولوجي في الأراضي النمساوية، فيما سافرت بعض النساء النمساويات مع أزواجهن من جنود الحلفاء كـ"عروس حرب" إلى البلدان الأصلية.
وبعد نهاية الاحتلال مع إعلان الحياد النمساوي في 1955، كان أكثر المتضررين هم أطفال الجنود الروس من أمهات نمساويات، حيث عاد هؤلاء الجنود إلى روسيا وتركوا وراءهم آلاف الأطفال، وفق موقع "بيت التاريخ النمساوي".
لكن البحث عن الأب لا تزال مشكلة كبيرة للعديد من "أطفال الاحتلال" وكذلك أحفادهم حتى اليوم، إذ يسعى هؤلاء لاكتشاف الهوية والجذور الشخصية، ومحاولة سد الفجوة في حيواتهم.
وفي هذا الإطار، تبرز قصصا صعبة؛ فـ"فليكس"، الرجل الذي يبلغ من العمر 75 عاما، أي أنه ولد بعد عام واحد من بداية الاحتلال، لا يزال يبحث عن جذور والده وأقاربه في روسيا حتى اليوم.
القصة بدأت بعد وقت قصير من نهاية الحرب، عندما وقعت والدة فيلكس البالغة من العمر 17 عاما في ذلك الوقت في حب طيار في الجيش السوفيتي كان يخدم في النمسا، لكنه أٌمر بالعودة لروسيا في وقت كانت حبيبته تستعد لوضع مولودهما، وانقطعت أخباره فيما بعد.
ومؤخرا، بدأ فليكس البحث عن جذوره في روسيا، ولجأ إلى ألينوري ديبوس، مديرة منظمة "التوحيد النمساوي الروسي" النشطة في مساعدة "أطفال الاحتلال" في البحث عن الجذور، وفق ما نشرته صحيفة "كرونه" النمساوية "خاصة".
ديبوس التي تعد أيضا أحد "أطفال الاحتلال"، تواصلت على الفور بمؤرخين ومسؤولين روس، وعثرت على والد فيلكس في سجلات الأرشيف الروسي، وباتت قريبة من إيصاله بالجزء الآخر من عائلته، لكنها تقول "هذه هي الحالة الوحيدة التي سارت فيها الأمور بهذه السرعة".
وتابعت: "فليكس محظوظ، فعملية البحث عادة ما تكون صعبة وتستغرق وقتا طويلا"، حتى في حالتها هي شخصيا.
وأوضحت أنه "لم أعثر على جذوري في روسيا بعد"، موضحة "والدي تعرف على أمي في حديقة بمدينة قريبة من فيينا، لكنه اضطر للعودة لروسيا بعد أشهر فقط وانقطعت أخباره".
وأضافت: "لن أستسلم وسأواصل البحث عن أقارب والدي وجذوري".
ومؤخرا، نشرت ديبوس كتابا بعنوان "طفل التحرر" في محاولة لنقد مصطلح "طفل الاحتلال" الذي ترفض استخدامه في وصف الأطفال النمساويين الذين ولدوا لآباء من الحلفاء عقب الحرب العالمية الثانية.
وتساعد ديبوس ومنظماتها نمساويين يبحثون عن جذورهم في روسيا، وروس من أقارب الجنود السابقين في الجيش السوفيتي في فترة الاحتلال، يبحثون أيضا عن أقاربهم في النمسا.
وتقول ديبوس إن هناك عديد الحالات التي انتهى فيها البحث بنجاح واجتمع نمساويون بأقاربهم في روسيا بعد فترة صعبة.
وضربت مثالا بحالة ماريا، ابنة جندي سوفيتي سابق خاضت عملية بحث صعبة، حتى التقت في موسكو بشقيقها الروسي لأول مرة في لقاء عاطفي بشكل كبير.
ولفتت ديبوس إلى إن برنامج توحيد الأقارب في روسيا والنمسا الذي ترعاه منظماتها "يلقى دعما كبيرا من الحكومتين في موسكو وفيينا".
وفي 1955، انتهى احتلال الحلفاء للنمسا وانسحب 700 ألف جندي بينهم 400 ألف روسي من البلاد بعد 10 سنوات من التمركز فيها.