سلاسل توريد السيارات في خطر.. ماذا يحدث داخل الشركات الثلاث الكبار بأمريكا؟
أزمة جديدة تهدد سلاسل التوريد بقلب صناعة السيارات العالمية، تنطلق من الولايات المتحدة بقيادة عمال شركات كبرى.
وقد نفذت النقابة الأمريكية للعاملين في قطاع السيارات، الجمعة 15 سبتمبر/أيلول 2023، إضرابا في ثلاثة مصانع مصدرة أوامر بوقف العمل بشكل متزامن في منشآت تابعة لمجموعات ديترويت "الثلاث الكبرى"، في أول تحرك منسق للمطالبة بزيادة الأجور حاز على دعم الرئيس جو بايدن.
وجاء الإضراب الذي تخلله إطلاق لأبواق السيارات وتصفيق خارج مصنع لشركة فورد في ديترويت لدى وصول رئيس نقابة "عمال السيارات المتحدين" United Auto Workers شون فين، بعدما فشل تحرّك في اللحظة الأخيرة من قبل جنرال موتورز وفورد وستيلانتس في التوصل إلى اتفاق قبل انقضاء مهلة حددتها النقابة مساء الخميس.
والإضراب ذو طابع محدود، إذ توقف نحو 12700 موظف عن العمل الجمعة، من بين 150 ألف عامل في قطاع السيارات تمثلهم النقابة. ومع ذلك، فإن قرار التنسيق الذي اتخذه موظفو الشركات المتنافسة وجه رسالة قوية في إطار معركتهم من أجل زيادة الأجور بنسبة 40%.
ويشكل هذا الاضطراب في القطاع الحيوي الذي يشمل علامات تجارية شهيرة مثل جيب، تهديدا للاقتصاد الأمريكي الذي يتأرجح بين النمو القوي ومكافحة التضخم.
لكن بايدن الذي قدم نفسه مؤيدا رئيسيا للنقابات العمالية، أعلن تأييده للمضربين، قائلا إنه يتفهم "شعورهم بالإحباط".
إضراب في 3 مصانع بسبب الأجور
وقبل ساعتين من حلول منتصف الليل، أعلن شون فين رئيس نقابة "عمّال السيارات المتّحدين"، أنّ الإضراب سيبدأ في ثلاثة مصانع، بواقع مصنع من كلّ مجموعة، (جنرال موتورز وستيلانتس وفورد)، داعياً العمّال في بقية المصانع إلى الاستعداد للانضمام إلى هذا الإضراب إذا ظلّت الشركات على رفضها لمطالب النقابة.
وقال "سنضرب عن العمل في (الثلاثة الكبار) في نفس الوقت. نحن نطلق استراتيجية جديدة". وأضاف "سندعو مصانع للإضراب الليلة، سندعو ثلاثة مصانع... إذا لم نتوصّل إلى اتفاق خلال الساعتين المقبلتين".
والمصانع الثلاثة التي حدّدتها النقابة لإطلاق هذا التحرك الاحتجاجي مخصّصة لتجميع السيارات وهي مصنع جنرال موتورز في وينتزفيل (ميسوري) ومصنع ستيلانتيس في توليدو (أوهايو) ومصنع فورد في واين (ميشيغان). ويبلغ إجمالي عدد العاملين في هذه المصانع الثلاثة والمنضوين في النقابة حوالى 12,700 عامل.
وحضّ فين جميع أعضاء النقابة العاملين في الشركات الثلاث الكبرى والبالغ عددهم حوالى 146 ألف عامل على الاستعداد للإضراب عن العمل إذا لم يلبّ أرباب العمل مطالبهم. وحذّر من أنّ النقابة لن تتردّد في توسيع نطاق هذا التحرك الاحتجاجي.
وبدأت المفاوضات بين العمال وأرباب العمل منذ شهرين للتوصل لاتفاقيات عمل جماعية جديدة مدتها أربع سنوات. وتبنّت النقابة بقيادة رئيسها المنتخب مؤخرا شون فين موقفا متشدّدا في محادثات مع شركات تصنيع السيارات، مطالبا بزيادات كبيرة للأجور وإعادة العمل بعلاوات غلاء المعيشة ورفع الحدود التأمينية.
وخلال الأشهر الماضية، طالبت النقابة برفع الأجور بنسبة 36%، بينما عرضت "جنرال موتورز" و"فورد" زيادات بنحو 20%، بينما كان عرض "ستيلانتيس" 17.5% فقط.
- السيارات الكهربائية.. هل بدأت أوروبا حرباً تجارية مع الصين؟
- تعرف إلى أسطول سيارات إيلون ماسك.. أغنى رجل في العالم مغرم بجيمس بوند
تهديد سلاسل التوريد
وتاريخ عمّال قطاع صناعة السيارات حافل بالإضرابات وآخرها في "جنرال موتورز" في العام 2019. لكنها المرة الأولى في تاريخ النقابة الممتد لنحو 88 عاماً، التي يتم فيها التحرك المتزامن ضد كبرى شركات صناعة السيارات في الولايات المتحدة.
وإذا امتد الإضراب لوقت طويل، فقد يسفر عن نقص حاد بالمعروض، وارتفاع أسعار السيارات، بما قد يؤثر على الاقتصاد الأمريكي الكلي الذي يواجه بالفعل معركة شرسة ضد التضخم. ويقول مراقبون إن الموجة قد تمتد إلى عمال في شركات أخرى داخل الولايات المتحدة وخارجها ممن يتابعون المعركة الجارية لتقييم آثارها.
من جانبها، سارعت شركات السيارات الكبرى إلى التنديد بالإضراب. وذكرت شركة "ستيلانتيس"، في بيان بالبريد الإلكتروني، نقلته وكالة "بلومبرغ": "نشعر بخيبة أمل بالغة بسبب رفض رئاسة النقابة الانخراط بشكل مسؤول، للتوصل إلى اتفاق عادل يصب في صالح موظفينا وعائلاتهم وعملائنا".
وأضافت "ستيلانتيس"، بعد بدء الإضراب: "سوف نضع الشركة على الفور في وضعية الطوارئ، وسوف نتخذ جميع القرارات الهيكلية المناسبة لحماية عملياتنا في أمريكا الشمالية".
وقالت شركة "جنرال موتورز" إنها "تشعر بخيبة أمل بسبب أفعال رئاسة النقابة، رغم الحزم الاقتصادية غير المسبوقة التي طرحتها الشركة، بما في ذلك زيادة تاريخية في الأجور، والالتزامات التصنيعية، وسوف نواصل التفاوض بنية حسنة مع النقابة من أجل التوصل إلى اتفاق بأسرع ما يمكن".
من جانبها، ذكرت "فورد"، في بيان، أن "المقترح المقابل من النقابة يعكس تحركاً محدوداً عن مطالبها الأولية"، مضيفاً أن هذه المطالب سوف تعطي دفعة تنافسية إضافية لصالح الشركات المنافسة التي لا تضم عمالاً من أعضاء النقابة مثل "تسلا" و"تويوتا موتور كورب".
وحذّر الرئيس التنفيذي لـ"فورد" جيم فارلي من سيناريو قاتم إذا وافقت الشركة على مطالب النقابات بزيادة الأجور بنسبة 40%، ووضع حد لنظام الأجور المتدرج الذي يدفع للموظفين الجدد رواتب أقل من المحاربين القدامى، والعودة إلى معاشات التقاعد ذات المزايا المحددة. وقال إن مقترحات النقابة "ستخرجنا من العمل".
لكن فين قال إن شركة "فورد" كان بإمكانها تمويل أجور ومزايا أفضل للعمال إذا قلّصت عمليات إعادة شراء الأسهم وأرباح الأسهم للمساهمين. وأعلنت شركة "فورد" عن إعادة 2.5 مليار دولار للمستثمرين في عام 2022.
ومع بدء الإضراب، كان فين وديبي دينغل، الممثل الديمقراطي لولاية ميشيغان، من بين الموجودين في مصنع "فورد"، حيث يقوم نحو 3300 عضو من النقابة بتجميع سيارات برونكو الرياضية متعددة الاستخدامات وشاحنات رينجر الصغيرة الشهيرة.
وقال دينغل: "أنا هنا فقط لدعم العمال... إنهم يريدون أن يروا تعديلات في الأجور تتناسب وتكلفة المعيشة".
وقال أحد مؤيدي العمال المضربين في المصنع، وهو موظف سابق في شركة جنرال موتورز يبلغ من العمر 38 عاماً، رفض ذكر اسمه، إنه لا يعتقد أن الإضراب الصناعي سيتوقف حتى تستجيب شركات صناعة السيارات لمطالب النقابات. وأضاف لوكالة "رويترز": "نحن نستحق ما نستحقه".
بينما يفيد الكثير من العمال الذين يتقاضون أجرا بالساعة بأن على مجموعات صناعة السيارات الكبرى تقديم عروض أفضل للموظفين للتعويض عن الأجور المنخفضة وعن تقليص المزايا التي كانوا يحظون بها بعد أزمة 2008 المالية عندما خضعت جنرال موتورز وكرايسلر (وهما حاليا جزء من ستيلانتس) إلى إعادة هيكلة لتجنّب الإفلاس.
وحققت الشركات الثلاث أرباحا كبيرة في السنوات الأخيرة.
وقال بول سيفرت الذي يعمل في مصنع فورد في واين منذ 29 عاما "تحقق هذه الشركة الأموال على أكتافنا منذ سنوات. أظن أن الوقت حان لنحصل على المقابل".
أكّد فين أنه كان يأمل بتجنّب الإضراب، لكنه حمّل الشركات المسؤولية لانتظارها وقتا طويلا قبل بدء مفاوضات جديّة.
وقال "سنبقى على هذه الحال إلى أن نحصل على حصتنا من العدالة الاقتصادية.. بغض النظر عن المدة التي سيستغرقها ذلك".
تشمل مطالب النقابة زيادة في الأجور نسبتها 40%، وهو أمر شدد فين على أنه ضروري لمواكبة الزيادات التي يحصل عليها الرؤساء التنفيذيون.
أما النقاط الأخرى العالقة فتشمل زيادة الأجور والمخصصات لصغار الموظفين لتقليص الفجوة بينهم وبين أولئك الأكثر خبرة والذين يتلقون حاليا نحو 32 دولارا في الساعة.
وزادت جنرال موتورز عرضها الخميس لترفع الزيادة المقترحة على الأجور إلى 20%، علما بأنه سبق للشركة أن عرضت زيادة نسبتها 18%، بحسب النقابة.
وأعربت جنرال موتورز في بيان في وقت مبكر الجمعة عن "خيبة أملها" حيال الإضراب "رغم العرض الاقتصادي غير المسبوق" الذي طرحته.
وصدر موقف مماثل عن ستيلانتس، فيما اشتكت فورد من تأخر رد النقابة على عرضها الأخير الذي وصل قبل أربع ساعات على انقضاء المدة.
aXA6IDMuMTQ2LjIwNi4yNDYg جزيرة ام اند امز