عبدالرازق بلعقروز: جائزة الشيخ زايد للكتاب منارة الثقافة العربية
الباحث الجزائري عبدالرزاق بلعقروز يشيد بمشروع "كلمة" في دولة الإمارات، الذي ترجم نصوص الفيلسوف الألماني هيجل من اللغة الألمانية مباشرة.
قال الباحث الجزائري عبدالرزاق بلعقروز، الفائز مؤخراً بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع المؤلف الشاب، عن كتابه "روح القيم وحرية المفاهيم نحو السير لإعادة الترابط والتكامل بين منظومة القيم والعلوم الاجتماعية"، إن الجائزة أصبحت المنارة التي تشع نوراً ومعرفة في سماء الثقافة العربية.
وأشار "بلعقروز" -في حواره مع "العين الإخبارية"- إلى أنه في الآونة الأخيرة تحركت عجلة الترجمة في الوطن العربي، والتي باتت ميزتها أنها ترجمة من النصوص الأصلية وليست ترجمة متناقلة بين اللغات، مثمناً دور مشروع "كلمة" بدولة الإمارات، الذي ترجم نصوص الفيلسوف الألماني هيجل من اللغة الألمانية مباشرة، من غير مرور على الوسيط الناقل.
بداية أريد أن أبدأ بسؤال يخص عملك كأستاذ للفلسفة.. هل نعاني من ندرة في تأليف كتب الفلسفة ونشرها؟
نحن في أمس الحاجة إلى الارتقاء من مستوى الكتابة في الفلسفة إلى مستوى الإبداع، إذ إن تداول النصوص الفلسفية لا يعني أن ثمة إبداعا وتجديدا، والقسم الثاني من الكتاب في صميمه مرافعة عن منهج علمي يأخذ بأيدينا إلى الإبداع الفلسفي، وهو منهج يُفَكّكُ ويُشَرّح العناصر التي يتركّب منها القول الفلسفي في مبانيه الـ5: الترجمة والمفهوم والتعريف والدليل والسيرة الفلسفية. لذا فإن سؤال غياب الفلسفة يسبقه سؤال آخر: كيف نبدع في الفلسفة؟.. كيف نخرج من مضمون الفلسفة إلى امتلاك أدوات التفلسف؟ كيف ننزل من رتبة استعمال الفلسفة ونرتفع إلى رتبة استعمالها؟.. إنها الأسئلة التي يجب أن نبدأ بها.
ولماذا نحن مقلون هكذا في ترجمة الكتب الفلسفية والفكرية للغة العربية؟
فعلاً نحن مقلون في الترجمة، وهذا أمر واقع، إلا أنه في الآونة الأخيرة تحركت عجلة الترجمة التي باتت ميزتها أنها ترجمة من النصوص الأصلية وليست ترجمة متناقلة بين اللغات، كما حدث مع الموروث الفلسفي اليوناني، الذي نقل من اللغة اليونانية إلى اللغة السريانية فإلى اللغة العربية، فجاء النص مقطع الأوصال وحاملاً لمضامين اللغات التي عَبَرَ عن طريقها.
وأمام هذا، فبقدر حاجتنا للترجمة، فإن الحاجة ماسة إلى إتقان منهج في الترجمة يراعي عادات العربي في التعبير والتبليغ، كي يتحرر النص المنقول من الرطانة، ومن قلق العبارة كما لاحظ ذلك الفارابي قديماً، وفي الفكر الفلسفي المعاصر ما يعكس الوعي بقيمة الترجمة من النصوص الأصلية: مثل مشروع كلمة بالإمارات العربية المتحدة، الذي ترجم نصوص الفيلسوف الألماني هيجل من اللغة الألمانية مباشرة من غير مرور على الوسيط الناقل.
وهل للجماهيرية العالية للرواية سبب في ذلك.. أم أن الناشر العربي لا يؤدي دوره كما ينبغي؟
لا توجد قطيعة بين الفلسفة والرواية، والأكثر وَجَاهَة هنا أن الفلسفة في موروثنا العربي هي التي افتتحت الرواية الفلسفية، من خلال الرائعة الخالدة لابن طفيل "حي بن يقظان"، التي قال عنها فرونسوا دورتي إنها تمثيل طريف عن الفيلسوف العصامي، وتعبير عن تكامل الدليل البرهاني والدليل الخيالي في الفلسفة، وتعبير عن ترقي الوعي الفلسفي من المستوى الحسي إلى المستوى العقلي الروحي.
وقال "دورتي" إنه صنّف "الرواية الفلسفية" التي لم يكن يعرف عنها الغرب شيئا. لذا فالرواية الخالدة هي تلك التي تحمل في مضامينها أفكاراً فلسفية قوية، وأمام هذا لا عجب أن يكون الأدب هو المحضن الأصلي للتأملات الفلسفية عبر التاريخ.
وماذا عن كتابك الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب "روح القيم وحرية المفاهيم نحو السير لإعادة التّرابط والتكامل بين منظومة القيم والعلوم الاجتماعية" من حيث موضوعه ومنهجه؟
موضوع الكتاب وخيطه الهادي هو إعادة بناء العقل والعقلانية، حيث إنني قلت إنه إذا كان ديكارت قد أسس العقل على النموذج الرياضي في التفكير، ونيتشه على إرادة القوة، وكانط على إرادة الإيمان، فإنه من حقنا الفلسفي أن نؤسس التعقل على القيمة الأخلاقية في عمقها الروحي، وهذا لأجل أن نفتح للفكر انفراجات جديدة بعد العقلانية الرياضية التي حصرته ضمن منظومة الانفصال والاختزال، وينفتح العقل على أفق التعقلية الروحية التي تعطي القيمة للوجدان والعاطفة والروح في تأسيس العلوم الاجتماعية، وهنا تَشَكل النموذج المعرفي الذي يعطي للقيمة دور المؤسس ودور المبدع لإنسان جديد مياسمه الكبرى هي: الحرية والعدل والصلاح، كما أنني بلورت مفهوما واصفا للإنسان الذي استغرقته الثقافة الاستهلاكية، هو الإنسان الوَقَّافْ، الذي يقف مع فكره ووعيه أمام زحف الثقافة السَّائلة التي تذيب القيم والمعاني الإنسانية السامية.
ما تقييمك للتأثير الثقافي لجائزة الشيخ زايد للكتاب بعد سنوات من إقرارها؟ وهل أحدثت حراكاً في المشهد الثقافي العربي؟
أتوجه بجزيل الشكر إلى جائزة الشيخ زايد للكتاب، لأنها باتت المنارة الأقوى في سماء الثقافة العربية، إنها بحرصها على الإبداع والعلمية وخدمة المعرفة الإنسانية جعلت الباحثين في العالم يحرضون على القراءة العميقة والمبدعة، وبالتالي فهي أشبه بمؤسسة علمية كبرى لتكوين الباحثين وفق معايير العلمية وخدمة الإنسانية والإبداع، إنها ترسم في الثقافة العربية لوحة جديدة عنوانها: اجتهد تجد، وتواصل تتجدّد، وانفتح تنمُ. ولهذه الأسباب، فإني تقييمي للجائزة هو إيجابي وتجربتي الشخصية هي أقوى شاهد على ذلك، فقد وصلت إلى القائمة القصيرة سنة 2013، بكتابي "المعرفة والارتياب"، ولم أفز بالجائزة حينها، لكنني لما شرعت في رسم خطاطة كتاب "روح القيم وحرية المفاهيم" كنت حريصاً جدا على تقوية نصوصي بالتفكير الجديد، وبالاطلاع على ما كتب في الموضوع، وبناء النصوص بناءً مرصوصاً، وموجب هذا الإقرار، هو أن أثر الجائزة على شخصي كان جلياً، ومن ثمة تأثيرها على شكل الثقافة الذي كان نوعيا، لأن مطلبها هو الاحتفاء بالمؤلفين الشباب في العالم العربي ودعمهم وتشجيعهم كي يواصلوا مسيرة القراءة والتَّجديد والإبداع والإنتاج المفاهيمي النَّوعي.
وتقديري إن الجائزة ترسم معالم التميز للمؤلفين الشباب في العالم العربي، وباحتضانهم وتشجيعهم وتكريمهم، فإنها تُشَكّل في منهج الثقافة العربية الذي سينحو نحو إنسان القيمة والعمران وإنسان المعرفة والتواصل الكوني مع الثقافات الأخرى، وثمرة هذا أن تكون صورة الثقافة العربية في تكاملها مع الثقافة الإنسانية عبارة عن فسيفساء ذات بهجة تستمد جماليتها من اختلاف ألوانها وليس من هيمنة لون واحد.
aXA6IDE4LjIyMi4yMC4zMCA=
جزيرة ام اند امز