"التراث" و"التجديد" و"الجهاد" في 4 كتب لشيخ الأزهر..
طبعة جديدة لأربعة كتب مهمة لشيخ الأزهر الشريف حول التراث والتجديد وحديث في العلل والمقاصد ومفهوم الجهاد في الإسلام والفكر الأشعري.
حول الجدل الدائر والمحتدم في اللحظة الراهنة حول قضايا تمس الدين والواقع والعلاقة بينهما، وكذلك الفكر الديني بين التراث والمعاصرة، وتصحيح المفاهيم الدينية وتجديد الخطاب الديني ومراجعة التراث.. صدرت عن دار المعارف المصرية، طبعة جديدة لأربعة كتب لشيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، وهي كلها مما صار محل اهتمام ليس فقط المختصين والمثقفين بل أيضا صارت من اهتمامات رجل الشارع العادي والرأي العام.
ويعد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بما تركه من مؤلفات وبحوث ودراسات في العقيدة الإسلامية والفلسفة الإسلامية والفكر الإسلامي عامة، وكذلك ترجماته وتحقيقاته الرصينة لعدد من عيون المؤلفات الفرنسية عن الفرنسية، امتدادا علميا وإنسانيا لأعلام أفذاذ سبقوه بالانتساب إلى الأزهر الشريف، مثل الدكتور محمد يوسف موسى، والدكتور محمد البهي، والدكتور عبد الحليم محمود، وغيرهم.
الكتب الأربعة أصدرها الدكتور الطيب على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، تحديدا عقب سقوط حكم الإخوان، وما تلاها من أحداث عنف وإرهاب، تزامن انفجار موجة إرهابية عاتية ضربت العالم أجمع، وفي القلب منه العالم العربي، تتخذ من الدين غطاء لها وتمارس إرهابها وجرائمها الوحشية بما تتوهمه من فهم مختل للدين ومقاصده.
حول التراث والتجديد.. مناقشات وردود
في هذا الكتاب الذي يتعرض لقضية محورية في النقاش الدائر الآن ليس في مصر فقط بل في عموم العالم العربي والإسلامي، وهو العلاقة بين التراث والمعاصرة، هل هي علاقة تكامل أم تضاد؟ تنافر أم تصالح؟ يطرح شيخ الأزهر رؤيته الكاشفة للعلاقة بين التراث والتجديد، والتي تقف في منطقة وسط تدعو إلى الإفادة من التراث، والتفرقة بين الثابت والمتغير فيه، وإعادة قراءته قراءة جديدة واعية في ضوء معطيات ومكتسبات ومستجدات عصرنا الحاضر، ولا تقبل القطيعة مع الماضي، ولا يمكن أن تتنكر له أو تنسلخ منه، وتدعو إلى نظرة متوازنة تأخذ من الماضي ما تؤسس به للحاضر وتنطلق به في المستقبل، لنصنع في النهاية بناء حضاريًا جديدًا ينطلق بنا إلى مصاف الدولة المتقدمة والراقية من جهة، ويحفظ لنا هويتنا وخصوصيتنا الحضارية والثقافية من جهة أخرى.
نظرات في فكر الإمام الأشعري
الشيخ الطيب هو ابن أصيل ومخلص للمؤسسة الأزهرية التي تتخذ من "الأشعرية" مذهبا رسميا لها، وذلك باعتبار المذهب الأشعري مذهبا يعمل على حفظ المجتمعات، فهو بحسب ما يطرحه الإمام الطيب في كتابه "نظرات في فكر الإمام الأشعري"، دعوة صريحة لأسس التعايش السلمي بين بني الإنسان قاطبة، فضلا عن أنه وجد فيه العلاج الناجح لكثير من الأمراض والعلل التي أصابت الفكر الديني، بسبب فرض المذهب الواحد والرأي الواحد الذي قضى على مكمن القوة في أمة الإسلام ووضعها في ذيل قائمة الأمم.
سيطالع قارئ الكتاب أن هذا المذهب لم يكن أمرا مخترعا أو محدثا في الدين، بل كان انعكاسا صادقا أمينا لما كان عليه النبي وصحابته وتابعوهم من يسر وبساطة في الدين عقيدة وشريعة وأخلاقا، وهذه القضية قد تخفى على كثير ممَّن يكتبون الآن عن المذهب الأشعري، فما فعله الأشعري، بحسب ما يوضح ويكشف الدكتور في كتابه، هو صياغة مذهب عقائدي يوضح أن نصوص الوحي تستقيم على طريق العقل الخالص، إذا تجرد من شوائب الهوى ولجاج الجدل والأغاليط.
مفهوم الجهاد في الإسلام
الكتاب الثالث يأتي ليبدد كثيرا من الأوهام والأغاليط التي دارت حول "الجهاد" في الإسلام، تلك القضية الشائكة والملتبسة في الفكر الإسلامي، والتي ترتب على فهمها بشكل منحرف وقوع مشكلات كبيرة وخطايا بشعة. ويكشف الدكتور الطيب، في كتابه، أن قصر مفهوم الجهاد على القتال خطأ وافتراء علي الإسلام؛ لأنَّ القتال نوع من أنواع الجهاد، وهو تارةً يكون فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وتارةً يكون فرض عين، وذلك إذا هجم العدو على بلدٍ ودخلها، وحينئذ يكون القتال واجبًا على كلِّ فردٍ مكلف من أفراد هذا البلد.
كما أوضح أن المشكلة الرئيسة هي اعتقاد بعض الناس خطأ في أن الجهاد لا يكون إلا بالسلاح، وفي نفس الوقت لا يعلمون أن الجهاد له أنواع أخرى غير قتال العدو، منها، مكافحة المرض لخَلْقِ إنسانٍ مسلمٍ صحيحٍ، ومكافحة الجهل لبناء عقلية مسلمة تفيد مجتمعها، ومكافحة الفقر ليصبح لدينا إنسان مسلم سوي قادر على الارتقاء بوطنه وأمته.
وبين شيخ الأزهر في كتابه أن دعوات الجهاد الحركيِّ الذي انتشر بين الجماعات المسلحة في العصر الحديث كانت دعوات لخروج بعض الناس على المجتمع، وهي التي فلسف لها أبو الأعلى المودودي، ثم من بعده سيد قطب في "معالم في الطريق".
وبين الطيب أن هذه الدعوات لم تُعرف في تاريخ الإسلام، ولم ترد عن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وسَلَّمَ) إطلاقًا، بل إنه خوطب بقوله تعالى: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل: 125)، فالآية تشير إلى أن طرق الدعوة تتمثل في الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وذلك على حسب أصناف المدعوين و الإسلام لا يعترف بالجدال السيِّء الذي يؤدي إلى ضياع الحقيقة والتطاول على الآخر.
حديث في العلل والمقاصد
ويأتي الكتاب الرابع والأخير ليضم بحثين مهمين لشيخ الأزهر حول "مبدأ العلية في النفي والإثبات"، والثاني بعنوان "نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي ومدى ارتباطها بالأصول الكلامية"، نشرهما في مناسبتين مختلفتين، ارتأى أن الجمع بينهما في كتاب واحد أنسب لطبيعة ارتباطهما بوحدة موضوعية.
شيخ الأزهر.. الطيب
الدكتور أحمد محمد أحمد الطيب، هو فضيلة الإمام شيخ الجامع الأزهر الشريف ورئيس مجمع البحوث الإسلامية ورئيس مجلس حكماء المسلمين. تولى منصبه كشيخ للأزهر الشريف منذ 19 مارس عام 2010، وكان قبلها مفتيا للديار المصرية، ثم رئيسا لجامعة الأزهر، وعضوا بمجمع البحوث الإسلامية، قبل أن يتولى رئاسته بحكم منصبه كشيخ للجامع الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية بالتعيين، وشيخ الطريقة الأحمدية الخلوتية، خلفا لوالده مؤسس الطريقة الخلوتية بأسوان، كما يرأس لجنة حوار الأديان بالأزهر.
الدكتور الطيب من مواليد السادس من يناير عام 1946 عام بالمراشدة فى دشنا، إحدى قرى الصعيد في مصر بمحافظة قنا، لأسرة ينتهي نسبها إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، والتحق بالأزهر الشريف حتى حصل على الليسانس من جامعة الأزهر في شعبة العقيدة والفلسفة الإسلامية عام 1969، ثم عين معيدا بالجامعة، وحصل على الماجستير عام 1971، ثم الدكتوراه عام 1977.
الدكتور أحمد الطيب، أستاذ في العقيدة الإسلامية، ويتحدث اللغتين الفرنسية والإنجليزية بطلاقة وترجم عددا من المراجع الفرنسية إلى اللغة العربية، وعمل محاضرا جامعيا في فرنسا. ولديه مؤلفات عديدة في الفقه والشريعة وفي التصوف الإسلامي. وانتدب عميداً لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بمحافظة قنا، ثم انتدب عميداً لكلية الدراسات الإسلامية بنين بأسوان مع منحه بدل العمادة، كما عين عميداً لكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية بباكستان.