وكيل الأزهر لـ"العين": الإمام الأكبر وجه بالتصدي لمحاولات إيقاع الفتن
وكيل الأزهر الشريف قال لبوابة "العين" الإخبارية إن الإمام الأكبر وجّه بشكل حاسم بالتصدي لأي محاولة لإيقاع الفتن بين أبناء الوطن
قال وكيل الأزهر الشريف، عباس شومان، لبوابة "العين" الإخبارية، إن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين، وجّه بشكل حاسم بالتصدي لأي محاولة لإيقاع الفتن بين أبناء الوطن، في ضوء الأزمة الطائفية الأخيرة التي شهدتها مدينة الأقصر جنوب البلاد.
وخلال حوار عبر الهاتف، الإثنين، أوضح المسؤول الأزهري أن الأزهر يبذل قصارى جهده لوأد الفتنة الأخيرة؛ حيث إن هناك وفدا من الأزهر بصدد التوجه لمدينة الأقصر لمشاركة وعاظ الأزهر الموجودين في قلب المدينة، لمتابعة الأزمة الطائفية والعمل على حلها في أسرع وقت ممكن.
ووقعت، الخميس الماضي، اشتباكات بين محتشدين وقوات أمن على إثر أزمة طائفية في مدينة الأقصر جنوبي مصر، أسفرت عن إصابة العشرات بعد مطالبة أحدهم بإنقاذ فتاة قبطية قال إنها تعذب على يد أهلها بعد اعتناق الإسلام. وتدخلت قوات الأمن وألقت القبض على المتورطين في الاشتباكات، فيما أمرت النيابة المصرية بحبس 11 بينهم الشاب صاحب التدوينة.
وكشف وكيل الأزهر عن أن الأزهر الشريف يبحث حاليا إنشاء فروع لكيان "بيت العائلة المصري" في الخارج للعمل بشكل فاعل على وأد الفتن الطائفية، على غرار الداخل.
و"بيت العائلة المصري" كيان مكون من الأزهر الشريف والكنيسة القبطية وهيئات أخرى، دعا إليه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف بعد مجموعة حوادث اعتداء على كنائس مطلع عام 2011، بهدف الحفاظ على النسيج الوطني الواحد في مصر.
وفيما يلي نص الحوار:
* ما مساهمتكم في التصدي للأزمة الطائفية التي شهدتها مدينة الأقصر مؤخرا؟
إن قواعد شرعنا الحنيف تقضي بتبني ما يجمع الناس ولا يفرقهم ويعزز وحدتهم ويقوي نسيجهم ليقف الجميع صفا واحدا من أجل الدفاع عن وطنهم ودفع عجلة تنميته، فإن هُدد الوطن في أمنه وحدوده تسابق الجنود من المسلمين والمسيحيين لدحر عدوهم ورده خائبا.
نحن لا نتحدث هنا عما ينبغي أن يكون، بل حدث هذا مرارا وتكرارا، وحروب الكرامة التي وقعت على أرض سيناء وغيرها خير دليل على ذلك؛ فقد اختلطت فيها دماء المسيحيين والمسلمين، ولم تمنع مسيحية المسيحيين من دخولهم الجامع الأزهر وخروجهم مع علمائه هاتفين باسم الوطنية، ولم يمنع إسلام العارفين بديننا الإسلامي حق المعرفة من تأسيس "بيت العائلة المصرية" الذي يتناوب على رئاسته شيخ الأزهر وبابا الكنيسة في قلب مشيخة الأزهر، وهي تجربة فريدة تغبطنا عليها كثير من دول العالم وتفكر بجدية في نقل التجربة إلى بلادها.
وعند وقوع أي حدث أو خلاف بين أفراد أو عائلات مسلمة ومسيحية يقف وعاظ الأزهر الشريف في قلب المشكلة لحلها ووأد الفتنة في مهدها، وهو ما حدث في الأقصر وغيرها، وتوجيهات فضيلة الإمام الأكبر حاسمة في هذا الأمر بالتصدي لأي محاولة لإيقاع الفتن بين أبناء الوطن، وقد وجه فضيلته بوجود الوعاظ وشكل لجنة فورية لمتابعة الحادث والذهاب لحله. نحن نبذل قصارى جهدنا لوأد هذه الفتنة، وستنتهي إن شاء الله.
* لكن هناك من يزايد على دور الأزهر في مجال مواجهة الفتن الطائفية داخل مصر؟
قيَّض الله عز وجل الأزهر الشريف بعلمائه الأجلاء لينفوا عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وليقوموا بدورهم الوطني من خلال الوقوف سدا منيعا أمام الأخطار التي تهدد أمن الأمة فكريا وثقافيا، ومحاولات النيل من نسيج المجتمع ووحدته واستقراره، وما ذاك إلا لإيمان الأزهر المطلق بالتعددية الفكرية والمواطنة والعيش المشترك وقبول الآخر المختلف لغة وفكرا وثقافة وعقيدة، وهذه طبيعة إنسانية مشتركة ومبدأ مقرر في الشريعة الإسلامية السمحة.
ومن أجل ذلك دعا الأزهر الشريف لإنشاء "بيت العائلة المصرية" بعد حرق عدة كنائس على أيادٍ خبيثة، وسرعان ما استجابت الكنائس المصرية فتشكَّل هذا الكيان الفريد في قلب مشيخة الأزهر، وهو يجمع عددا من رجال الكنائس المصرية مع علماء الأزهر الشريف، ويتناوب على رئاسته شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذكسية، وسرعان ما انتشرت فروعه في أنحاء البلاد.
وما الأهداف التي يعمل بيت العائلة المصرية على تحقيقها على أرض الواقع؟
بيت العائلة لديه جهود كبيرة يقوم بها على أرض الواقع تهدف في مجملها إلى استعادة منظومة الأخلاق في المجتمع سواء من خلال إقامة الندوات أو بث رسائل مستمرة تستعيد هذه المنظومة وتعيدها لسابق عهدها وتذكر الناس بالنماذج المميزة في هذا الشأن، وإطلاق مجموعة من البرامج الحوارية والتثقيفية والوجود في مختلف المناسبات الاجتماعية والثقافية والتقاء الشباب في الجامعات والطلاب في المدارس والمعاهد.
باختصار; يمكن أن نقول إن رسالة بيت العائلة وضع هموم الناس في الاعتبار والعمل المستمر على تخفيف آلامهم، وحثهم على العمل والإنتاج ونصرة هذا الوطن وتقوية النسيج الوطني، ويسعى للنيل من استقراره وزعزعة وحدة أبنائه.
إذا كانت هذه هي جهودكم في الداخل، فما الذي ستفعلونه حيال مثل هذه الفتن في الخارج؟
نحن بالفعل نبحث إنشاء فروع له في الخارج للعمل بشكل فاعل على وأد الفتن الطائفية التي يحاول بعض أصحاب المصالح والأهواء في الداخل والخارج إشعالها واستغلالها في تحقيق مآربهم الخبيثة.
كرر شيخ الأزهر في أكثر من مناسبة، رفضه لمصطلح (الأقليات)، هل يوجه فضيلته رسالة بعينها للمتطرفين؟
هي لطمة شديدة، إن صح التعبير وجهها الأزهر الشريف للمتطرفين المغالين، خاصة بعد الاعتداءات المتكررة على إخواننا شركاء الوطن، بإعلانه إلغاء مصطلح (الأقليات) الذي يحلو للبعض إطلاقه على الفئة ذات العدد الأقل في مجتمعها كالمسيحيين في بلادنا والمسلمين في بلاد الغرب.
وسبب رفض الأزهر استعمال مصطلح (الأقليات) ما يصاحبه من دلالات تحمل في مضامينها الشعور بالتهميش والدونية وهضم الحقوق والتأخر في الترتيب بعد الأغلبية، فضلا عن أنه مصطلح وافد على ثقافتنا وليس في تراثنا الإسلامي ما يدل عليه، بل فيه ما يدل على بطلانه.
ولذا، فإن إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك الذي توج أعمال مؤتمره الذي جمع الكنائس الشرقية وبعض الغربية وتوافد عليه المسيحيون قبل المسلمين من نحو 50 دولة، قد نص على إحلال المواطنة الكاملة محل الأقليات ليسوي بذلك بين المسلمين والمسيحيين في الحقوق والواجبات تصحيحا لمسار خاطئ وعُرف فاسد وَفِدَ إلينا من دول تدعي التقدم والتحضر.
في رأيكم لماذا يلجأ المتطرفون لاستخدام هذا المصطلح؟
غالب الظن أنهم اخترعوا هذا المصطلح للإضرار بالمسلمين في بلادهم غير عابئين ببني أديانهم في بلاد المسلمين، أو أن ذلك يدخل في إطار سياسة الكيل بمكيالين التي يتقنونها خير إتقان.
في مقابل التطرف، هناك رسالة تسامح وتعايش يعمل عليها الأزهر، فما جهودكم في هذا الصدد؟
الأزهر الشريف يقوم بجهود حثيثة على الأصعدة كافة داخل مصر وخارجها يضيق المقام عن سردها، ومنها جهود بيت العائلة المصرية لوأد الفتن، وخير أمثلة ما حدث في المصالحة التاريخية بين فرقاء إفريقيا الوسطى. كما تمكن الأزهر من جمع الفرقاء من أبناء ميانمار هنا في الأزهر الشريف لأول مرة منذ نشوب الأزمة، بالتنسيق مع مجلس حكماء المسلمين، وقد جرى الاتفاق على مواصلة الجهود حتى المصالحة.
ومن جهود الأزهر كذلك ما يقوم به "مركز الأزهر لحوار الأديان" الذي يعمل على إرساء دعائم المواطنة والتعددية الفكرية وتبني ثقافة الحوار والتعايش مع الآخر في العالم كله.
ولا ننسى حوار الأزهر والفاتيكان في قلب مشيخة الأزهر، ومن قبله حوار شباب الأزهر مع شباب مجلس الكنائس العالمي، فضلا عن حوارات وجولات الإمام الأكبر شيخ الأزهر شرقا وغربا، بالإضافة إلى جهود مرصد الأزهر باللغات الأجنبية في رصد أنشطة الجماعات المتطرفة وتحليل أفكارهم المنحرفة وفتاواهم الشاذة وتفنيد مزاعمهم التي تزعزع أمنَ المجتمعاتِ واستقرارَها.