النظام العالمي المالي والاقتصادي والسياسي قال كلمته وهي أنّه لن يسمح لإيران بأن تحكم خارج حدودها.
لطالما تباهى القادة الإيرانيون بأنّهم سيطروا على أربع عواصم عربية، هي بغداد والشام وبيروت وصنعاء.
بدأت بيروت بالانتفاض على "النظام" و"السلطة" تحت شعار "كلهم يعني كلهم". وليس خافياً على أحد أنّ "النظام" في لبنان بات ممسوكاً بالكامل من حزب الله. فرئيس الجمهورية هو مرشّح حزب الله الذي عطّل الانتخابات الرئاسية قرابة ثلاثة أعوام رافضاً انتخاب غيره. ورئيس مجلس النواب هو الحليف الشيعي لحزب الله. ومجلس النواب تفاخر قاسم سليماني بأنّ أكثريته حليفة له، مع 74 نائباً من أصل 128، كما أنّ الحكومة المستقيلة التي كان يرأسها سعد الحريري، لحزب الله وحلفائه أكثرية الثلثين فيها.
للمرّة الأولى في تاريخ لبنان، ثورة من أقصى شمال لبنان إلى أقصى جنوبه، في كل المناطق والزواريب، وداخل كل الطوائف، حتى داخل الطائفة الشيعية، وحتى داخل جمهور حزب الله. الجغرافيا السياسية تهتزّ و"السلطة" تقف عاجزة عن فهم ما يجري، وبالتالي عاجزة عن "ردّة الفعل" المناسبة؛ لأنّها لم تفهم حقيقة ما يجري.
الأجيال الجديدة في بيروت وبغداد وطهران لا تريد أن يحكمها الإيرانيون، وأن تأكل "الكرامة" الموهومة بدلاً من الخبز، وأن تذلّ على أبواب المصارف والمستشفيات والزعماء المحليين، في حين تعوم على بحور من النفط والخيرات التي يريد الإيراني التصرّف بها واستثمارها في مشروع الكبير التوسّعي في الدول العربية.
في بغداد انتفاضة أيضاً، نواتها شيعية، ضدّ "النظام"، الذي أيضاً تمسك به إيران، وتعيّن حكوماته وتمسك بأكثرية مجلس نوابه، وتمسك بأمن العراق كلّه، بعد "القضاء" على "داعش" من خلال الحشد الشعبي.
وليس خافياً على أحد أنّ حرب اليمن أثبتت فشل إيران في حكم صنعاء، وأنّ "دمشق الصغرى" التي يحكمها بشّار الأسد، لا تحكم سوريا. فسوريا باتت "شركة مساهمة"، فرنسية أمريكية تركية إيرانية...
انتفاضتان في بيروت وبغداد وبخلفية مطلبية معيشية مالية اقتصادية، واستطراداً انتفاضتان في وجه "الحاكم"، الذي هو إيراني. وما هي إلا أسابيع على بدء الانتفاضتين، حتى خرجت جموع جائعة وغاضبة ومفلسة في طهران، على خلفية مطلبية ومالية واقتصادية أيضاً.
وإذا كانت إيران هي "قلب" المشروع الإيراني وعاصمته، فإنّ بغداد هي الجزء الأكبر من جسده، وبيروت هي ذراعه اليمنى. فهل هي صدفة أن تخرج الجماهير الجائعة والغاضبة في طهران وبيروت وبغداد في لحظة واحدة؟
بالطبع لا.
ما يجري هو إعلان لا لُبسَ فيه، عن فشل المشروع الإيراني. فبعد الحروب الأهلية التي دشّنتها طهران ووزّعتها على الدول العربية، وكانت لها محاولات في الكويت والبحرين والسعودية، إلى جانب لبنان والعراق وسوريا واليمن وفلسطين (غزّة)، ها هي الشعوب تعلن أنها لا تريد أن تخوض حروباً بالوكالة عن إيران، بل تريد أن تأخذ حقوقها الأساسية في الأكل والشرب وفرص العمل.
هي الشعوب وقد خرجت إلى الشوارع لتعلن فشل نظام "ولاية الفقيه" الإيراني في إدارة العواصم الواقعة تحت سيطرته، وفي إدارة "المنطقة" بشكل عام. فشلٌ لن يعترف به هذا النظام الأمني العسكري العقائدي، بل سيكابر، بالدم والعنف ولغة الأمن.
لكنّ الفشل وقع، فالشعوب جاعت، وحلفاء إيران وصلوا إلى قعر الحقيقة: الأجيال الجديدة في بغداد وبيروت، وفي طهران، ليست موافقة على ما وافق عليه آباؤهم وأمهاتهم، من استسلام لحكم "المرشد" الإيراني.
هذه الأجيال الجديدة، وإن لم تعلن صراحةً في بيروت أنّها خرجت بوجه "إيران"، إلا أنّ السياسة الإيرانية في السنوات الأخيرة هي التي تسبّبت بخنق النظام المالي والمصرفي والاقتصادي اللبناني، على سبيل المثال.
وبالتالي فإنّ العقوبات الأمريكية والانفضاض العربي، والتريّث الأوروبي (إن لم نقل "الامتناع") عن مساعدة لبنان من خلال تنفيذ مقرّرات مؤتمر "سيدر"، هو الذي أوصل لبنان إلى هذه المرحلة من الصعوبات المالية، والتي يشارف البلد معها على الإفلاس الكبير.
الأجيال الجديدة في بيروت وبغداد وطهران لا تريد أن يحكمها الإيرانيون، وأن تأكل "الكرامة" الموهومة بدلاً من الخبز، وأن تذلّ على أبواب المصارف والمستشفيات والزعماء المحليين، في حين تعوم على بحور من النفط والخيرات التي يريد الإيراني التصرّف بها واستثمارها في مشروعها الكبير التوسّعي في الدول العربية.
هي الحقيقة العارية، تقف في هذه العواصم الثلاث بين فم المواطن وبين معدته. المعدة الخاوية تطلق الصراخ، والجوع يدفع الناس إلى الخروج في وجه "الحاكم"، والحاكم هو إيران.
النظام العالمي، المالي والاقتصادي والسياسي، قال كلمته، وهي أنّه لن يسمح لإيران بأن تحكم خارج حدودها، ودون ذلك العقوبات والجوع، والشعوب فهمت الرسالة، وتريد تغيير النظام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة