إيران الغنية بثرواتها الطبيعية، على رأسها النفط، يعاني شعبها منذ عقود أزمات مالية واقتصادية واجتماعية لا تنتهي
قد لاتكون مصادفة أن تصل إلى وسائل الإعلام العالمية أنباء المظاهرات والاحتجاجات في إيران ضد نظام الملالي بعد احتجاجات العراق ولبنان، وقد لاتكون مصادفة أيضا أن المتظاهرين في الجار القريب على حدودها الغربية والجنوبية، قد رفعوا شعارات مناهضة لنظام الملالي ودور الأحزاب السياسية والميليشيات المسلحة التي تدعمها أو تقودها إيران في العراق، هذه الاحتجاجات التي شهد العالم على سلميتها وشرعيتها، أسفرت للأسف عن سقوط عشرات القتلى ومئات المصابين بين المدنيين العزل، في وقت رفعت فيه السلطات العراقية يديها وصوتها بالحديث عن "طرف ثالث" يقتل المحتجين، في حين أنه من أبسط مهامها حمايتهم.
الأوضاع اليوم في إيران ليست مستبعدة على الإطلاق، واستمرار الوضع المشحون لن يتوقف بسرعة، وامتداد النار التي أشعلتها سياسات الملالي وصل فعلا إلى طهران، ولن يتوقف حتى يترُك ولو بعد حين أثراً كبيراً جداً، لن يكونَ من السهل على النظام السيطرةُ عليه
الوضع في إيران ليس أفضل حالا على الإطلاق، ولو أننا ندرك أن مايتسرب إلى الإعلام ليس سوى القليل من واقع الأمر في دولة تضع على رأس أولوياتها إغلاق وحجب الداخل أمام العالم، ورغم ذلك ومع محاولات نظام الملالي إخفاء فداحة الوضع على الأرض، استطاع العالم أن يشهد ولو جزءا بسيطا من حقيقة الوضع وحساسيته، آلاف المتظاهرين نزلوا إلى شوارع العاصمة طهران ومشهد ومختلف وكبريات المدن في إيران، للمطالبة بأبسط حقوقهم التي سلبها منهم نظام الملالي وفرط فيها في تمويل وإنشاء ودعم وتدريب أحزاب طائفية وميليشيات مسلحة لاهدف منها إلا العبث بأمن المنطقة، وزعزعة استقرارها ونشر الفوضى والخراب والدمار.
إيران الغنية بثرواتها الطبيعية -على رأسها النفط- يعاني شعبها منذ عقود أزمات مالية واقتصادية واجتماعية لا تنتهي، حتى يكاد الشعب أن يعتاد ذلك كأسلوب حياة طبيعية، ومؤخرا أضيفت إلى قائمة الأزمات نزاعات مصالح ونفوذ بين رجال السلطة والسياسة الحكام ضمن نظام الملالي في الداخل الإيراني، ما أدى إلى صدور جملة من القرارات في حالة تنافسية على حساب الشعب المُثقل بالفقر والجوع، فذلك بالتأكيد سيُخرجُ الشعب عن صمته، وهو لم يكن يوما صامتا، بل كان التعتيم عليه هو المسيطر، للمطالبة بأبسط حقوقهم الإنسانية الشرعية في وجه منظومة من الظلم والقمع والاستبداد، طال خرابها كل جيرانها.
المتظاهرون في شوارع إيران اليوم يطلقون هتافات ويرفعون لافتات كتب عليها بوضوح دعوا دول الجوار والتفتوا إلى الداخل، ومن المظاهر التي حاول نظام الملالي حجبها، هو انطلاق هذه المظاهرات من مختلف مدن ومناطق الدولة، بلا تمييز ولا تشرذم طائفي أو عرقي، بل اجتمع الجميع معا لتوجيه رسالة واضحة إلى أركان النظام بأن الفتيل قد اشتعل ولن يتوقف مده بسهولة، وقد آن لمن يسمون بأركان وقادة الثورة الإسلامية أوان التنحي والتخلي عن أحلام وأوهام حملوها لعقود ولم يجن منها الشعب الإيراني سوى الفقر والجوع، ولم تجن منها الدولة إلا سوء السمعة وتراجع المكانة الدولية بين الأمم.
القيادة الإيرانية استنزفت خلال عقودها الأربعة الماضية ثروات الدولة في تنفيذ سياسة التخريب من الداخل في عدد من دول المنطقة والعالم، وعملت على دعم وتشجيع وتمويل وتدريب عشرات الميليشيات الإرهابية المسلحة في دول الجوار، في رغبة منها لتحقيق سيادة فارغة، وإرضاء لعنجهية مُفرطة لدى السلطة الحاكمة هناك، معلقين خططهم على شماعة الدولة العظمى، غير أن كل شيء اليوم ينهار والقلاعُ الهشةُ تتساقط واحدة تلو الأخرى، بداية من سوريا الذي بدأ يضمحل فيها بوضوح الدور الإيراني وميليشياتها بفعل عامل القناعة لدى الدول الكبرى بخطورته، بالإضافة إلى الوعي العربي في عدم ترك المساحة خالية للدور التخريبي الإيراني، ثم العراق الذي كان خلال السنوات التي تبعت الاحتلال الأمريكي ملعبا واسعا للنفوذ الإيراني، وساحة خلفية مُشبعة بالثروات، ولبنان الذي اختطفته ميليشياتُ الملالي وعبثت في أمنه وسيادته، واليمن الذي يشهد في أيامنا هذه انهزام الحوثيين على وقع الضربات الموجعة للتحالف بقيادة السعودية، مع قطع يد الدعم الإيراني عنه; الأوضاع اليوم في إيران ليست مستبعدة على الإطلاق، واستمرار الوضع المشحون لن يتوقف بسرعة ،وامتداد النار التي أشعلتها سياسات الملالي قد وصل فعلا إلى طهران، ولن يتوقف حتى يترُك ولو بعد حين أثراً كبيراً جداً، لن يكونَ من السهل على النظام السيطرةُ عليه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة