قطار بغداد المعلق.. هل تحقق 4 ملايين دولار حلما عمره نصف قرن؟
في سبعينيات القرن الماضي، ترقب العراقيون من أهالي بغداد مشروعا نوعيا بوسعه تغيير شكل المواصلات العامة في مدينتهم التاريخية.
آنذاك طُرح للعلن مشروع إنشاء قطار سريع تحت اسم "المترو"، وشرعت الجهات المسؤولة بالاتصال بجهات أوروبية تمثلت في شركات الفرنسية متخصصة بهذا المجال.
لاحقا، تمّ تنفيذ تصاميم المشروع وحصر البنى التحتية اللازم توفرها، إلا أن اندلاع الحرب العراقية الإيرانية 1980، دفن المشروع في غياهب المجهول.
محاولة ثانية فاشلة
وفي 2010، عاد المشروع مرة أخرى تحت اسم "قطار بغداد المعلق"، إذ سعى مجلس محافظة بغداد لإيجاد اتفاق مع شركات فرنسية، لوضع تصاميمه الأساسية وعقد التفاهمات الأولية بشأن آليات التنفيذ.
ورغم تبادل الزيارات بين الوفدين العراقي وشركة "ألستوم الفرنسية" عام 2012، لم يكتب لتلك التحركات تجاوز العقبات البيروقراطية والروتينية التي وقفت حجر عثرة في تدشين قطار بغداد المعلق.
عودة الحلم
وفي أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2020، ظهر المشروع إلى العلن مرة أخرى لدى زيارة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي إلى العاصمة الفرنسية باريس.
وشهدت الزيارة توقيع مذكرة حسن نوايا بين وزير النقل العراقي ونظيره الفرنسي تتعلق بإنشاء القطار المعلق في العاصمة بغداد ليتحول إلى أهم ملف اقتصادي بين البلدين.
وفي ختام يناير/ كانون الثاني الماضي، أكدت وزارة التخطيط، عن التوقيع الأساسي لمشروع القطار المعلق، ونقله لوزارة النقل ومحافظة بغداد وتم رصد مبالغ له في موازنة 2020-2021.
وأكدت حينها أن أولى خطوات العمل بالمشروع ستبدأ في شهر أبريل/ نيسان 2022 وستشمل مناطق الكرخ والرصافة.
وقالت إن المشروع قابل للتوسيع من مدينة الشعب إلى حي أور إلى القاهرة وبعدها إلى مركز المدينة وللعلاوي ثم إلى الكاظمية ومن ثم التوسع إلى مناطق البياع والجادرية.
وأكدت وزارة النقل أنه تم التوقيع على الاتفاقية الأولية لمشروع القطار المعلق مع تحالف شركتي (ألستوم) و (هيونداي اليابانية).
صدمة الموازنة
لكن الحالمين بتنفيذ المشرع أفاقوا على صدمة المخصصات المالية التي خصصتها حكومة العراق لتنفيذ المشروع.
ففي موازنة البلاد الاتحادية لعام 2020 بعد إقرارها قبل نحو ثلاثة أشهر، وجد أن ما خصص لمشروع القطار لا يتجاوز 50 مليار دينار عراقي أي ما يعادل 4 ملايين دولار فقط.
ويعد هذا مبلغا هزيلا بل وهزليا مقارنة بقيمة المشروع التي تبلغ نحو 2.5 مليار دولار.
وإثر تلك الصدمة، أعلن وزير النقل العراقي، ناصر حسين الشبلي، تعليق مشروع قطار بغداد المعلق.
"الأماني ممكنة"
ورغم ذلك يؤكد الشبلي أن تنفيذ المشروع ما زال ممكنا عبر الاقتراض.
وأوضح: "تجري مناقشات مع كبار المسؤولين في الوزارة للمضي بتوقيع العقد مع شركتي (هيونداي) الكورية و(ألستون) الفرنسية بتلك التخصيصات، كون المشروع ينفذ على شكل قرض للمشروع من قبل الشركتين المنفذتين اللتين لم تبديا ممانعة في تنفيذه".
أبواب خلفية للفساد
ويحذر خبراء من الأزمة المالية المتعلقة بمخصصات المشروع قد تكون "مصطنعة" لفتح أبواب يتسلل منها الفساد إلى شرايين المشروع.
ويفترض هذا السيناريو اعتماد نظام الإحالة بطريقة الأجزاء إلى الشركات المنفذة أو ما يسمى بنظام "المقاولة".
وقال جاسم البخاتي، في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن هذا السيناريو يعني نقل المسؤولية عن التنفيذ من الشركة المصممة والمنفذة إلى الدائرة القطاعية في وزارة النقل.
وقال مصدر مسؤول، كان قد التقى بعدد من الشركات الأجنبية المختصة بتنفيذ هكذا مشاريع، إن هنالك "جهات فساد تسعى لسرقة الأموال المخصصة"، للقطار المعلق.
ويؤكد المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "من يعطل البدء بمشروع قطار بغداد المعلق إرادات فاسدة تحاول أن تكون لها أرباح ونسب لا تستطيع الحصول عليها في حال صدقت الإحالة إلى شركات أجنبية استثمارية".
ويشير المصدر، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "هنالك متنفذين في وزارة النقل يسعون إلى تحويل قطار بغداد المعلق من الاستثمار إلى المقاولة بهدف التكسب من قيمة الأموال المخصصة التي تطلق على شكل دفعات مالية".
من جانبه يحذر الخبير الاقتصادي مازن الأشيقر، من المساومات غير المشروعة على مشاريع حيوية مهمة مثل قطار بغداد المعلق، مؤكداً على أهمية أن يبقى "فرصة استثمارية دون الذهاب إلى تنفيذه بطريقة المقاولة".
ويبين الأشيقر، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أنه جلس مع شركات رائدة في مجال تنفيذ سكك الحديد، بينها ماليزية ويابانية، وقد تحدث معهم حول مشروع بغداد المعلق وقد أبدوا استعداداً لتنفيذه.
ومع الشركة الفرنسية التي قدمت دراسة متكاملة حول مشروع قطار بغداد المعلق، يؤكد مازن الأشيقر أن "ألستوم" لديها الاستعداد وهي قادرة على تنفيذ المشروع ولها سيرة إنجازات كبيرة في هذا المجال ولكن ذلك لا يكفي إن لم تتحرك بغداد لرفع العراقيل وإيجاد التخصيصات اللازمة.
قطار بغداد في أرقام
ويستغرق تنفيذ المشروع مدة أقصاها 5 سنوات بحسب تقارير رسمية.
وسيخدم القطار العاصمة بغداد التي تحتضن أكثر من 8 ملايين نسمة، ويبلغ طول مسار القطار المعلق بحسب التصاميم الأساسية نحو 21 كم يمر من خلالها بمناطق عدة في العاصمة.
وسيكون مقره الرئيسي عند محطة السكك الحديد في بغداد التي أنشأتها الشركات البريطانية في مطلع خمسينيات القرن الماضي.