في حكم تاريخي كان له أثر الزلزال داخل أمريكا وخارجها، ألغت المحكمة الأمريكية العليا القانون المعروف باسم "رو ضد واد"، الذي صدر عام 1973 مشرّعا حق المرأة في الإجهاض.
هذا الحكم الجديد صدر بتأييد 6 مقابل رفض 3 أعضاء، وعليه تمّ حظر الإجهاض.
الحكم الذي يتوقع أن تطبقه ولايات أمريكية عدة عاجلاً، صدم التيارات الليبرالية والنسوية، متوعدة باحتجاجات ونشاطات ملتهبة في "صيف الغضب" كما وصفوه.
مسألة منع الإجهاض أو السماح به عنوان كبير من عناوين الصراع بين اليسار واليمين في أمريكا، مثل موضوع تشريع المثلية الجنسية، وأيضا قانون حمل السلاح.
الحقيقة أن هذه المسائل ليست وليدة اليوم، وهي تقسم أمريكا انقساما عميقا تنطوي في داخلها على شرايين دينية واجتماعية وقانونية، بكلمة، صارت هذه المسائل من محدّدات التخاطب السياسي مع الجمهور.
لذلك سارعت الرموز السياسية للتيارات الليبرالية "الأوبامية" للردّ على المحكمة العليا حتى إن نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، وأحد صقور الأوبامية، وصفت المحكمة العليا بـ"الراديكالية جدا".
كما أن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، وصف هذا القانون، حين بدأ التسريب عنه، بـ"خطوة متطرفة".
مما يثبت أن هذا العنوان لا علاقة له بمنطلقات دينية، وأنه مسألة ثقافية أكثر منها دينية، هو موقف الدين الإسلامي من الإجهاض.
دار الفتوى المصرية في توضيح لها قالت إنه إذا لم يبلغ عمر الجنين في بطن أمه مائة وعشرين يوما، فإن الفقهاء اختلفوا في حكم الإجهاض، فبعضهم قال بالحرمة، وهو المعتمد عند المالكية والظاهرية، وبعضهم قال بالكراهة مطلقا، وهو رأي بعض المالكية، وبعضهم قال بالإباحة عند وجود العُذر، وهو رأي بعض الأحناف والشافعية.
غير أن الرسالة الكبرى من "نكسة" التيار الأوبامي ومَن معه من النسويات، هو أنه لا يمكن فرض قيم هذا الفريق على العالم كله، ومنه المجتمع الأمريكي، بوصفها قيما "مطلقة" عابرة للثقافات والمجتمعات الأخرى، وأن "فرضها" عبر الضخ الإعلامي وألعاب الأطفال حتى، لن يلغي أنها قيم "نسبية" تعبّر عن فريق معيّن، لا قيما إنسانية عُليا.
وهذا يقودنا لـ"الجهاد" الليبرالي الكبير لفرض القبول والإعجاب حتى بالمثلية الجنسية، وما تفرع عنها من مثليات أخرى، حتى صاروا مجتمعا قائما بذاته، هو مجتمع الميم.
القاضي الأمريكي كلارنس توماس، ذكر، بعد صدور قانون منع الإجهاض، أن المحكمة العليا يمكن أن تعيد النظر في الأحكام التاريخية التي شرّعت زواج المثليين.. وهذا ما سبّب زلزالاً جديدا على أنصار مجتمع الميم!
الخلاصة أن ما تفرضه بقوة إعلامك وساستك وشركاتك، ليس نتيجة تاريخية نهائية مستمرة للأبد، وهو درس آخر حول عدم اليأس في مكافحة الأفكار التي لا نشعر أنها تعبّر عنّا.. مهما ارتفع ضجيج القوم.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة