برشلونة بطل الدوري الإسباني.. خطة دخيلة تتحدى طوفان الأزمات
عاد برشلونة إلى عرش الدوري الإسباني مجددا بعد غياب 4 سنوات، بعدما حسم لقب المسابقة في الموسم الحالي قبل 4 جولات من النهاية.
وفاز برشلونة على مضيفه إسبانيول 4-2 (الأحد) في الجولة 34، ليحسم المنافسة على لقب الدوري الإسباني (الليغا) رسميا مع غريمه ريال مدريد، معلنا حصد اللقب الـ27 في تاريخه بالبطولة.
ويدين برشلونة في هذا التتويج بالفضل إلى مدربه الشاب تشافي هيرنانديز، أسطورة الفريق السابق كلاعب، والذي تمكن من إعادة الفريق إلى سدة الحكم في الليغا بعد غياب 3 مواسم، منذ آخر تتويج له في 2018-2019.
وعاد تشافي إلى جدران قلعة كامب نو كمدرب إنقاذ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، ليتولى قيادة الفريق الكتالوني خلفا للهولندي رونالد كومان، وبدأ من وقتها مهمة إعادة بناء برشلونة وإعادته إلى منصات التتويج.
ولم يتحقق لتشافي ما أراد في برشلونة سريعا، حيث فشل في تحقيق أي لقب في موسمه الأول مع الفريق، لكنه وضع خلاله يديه على عدة حقائق بدا معها رسم خطة جديدة للفريق الكتالوني من أجل العودة للألقاب، وهو ما بدأ يؤتي ثماره خلال الموسم الحالي.
برشلونة تشافي.. خطة بديلة دخيلة
أدرك تشافي بعد عدة محاولات مستميتة أن اعتماده على الكرة الهجومية التي تعد من تقاليد برشلونة والتي قادته لصنع تاريخ كبير من البطولات على مر السنوات الماضية أمر لن يحقق الأهداف المنشودة، لعدة أسباب أهمها عدم امتلاك الفريق الحالي العناصر البشرية القادرة على تنفيذ ذلك الأسلوب.
وكان تشافي قال في بداية مهمته إن أسلوب برشلونة الهجومي لا يمكن المساس به، حيث صنع الفريق تاريخا من النجاح بالاعتماد على كرته الهجومية الجذابة، لكن المدرب الشاب وجد نفسه مضطرا بعدها لتغيير عقليته، وهو الأمر الذي لم يكن مريحا له تماما في البداية وأصابه بالإحباط.
وكان تشافي نفسه في فترة لعبه رمزا للكرة الهجومية الممتعة، حيث كان لاعب وسط لامعا قاد برشلونة ومنتخب إسبانيا لتحقيق كل الألقاب الكبرى الممكنة، لكنه في مهمته مع البلوغرانا كمدرب رفع الراية البيضاء، وتحلى بالواقعية، معطيا الأولوية للدفاع عن الهجوم، بسبب تعجل الجميع في عودة النادي لمنصات التتويج.
ونحى تشافي تقاليد برشلونة التاريخية جانبا، وركز في صلابة الدفاع، مستندا على لاعبين يتمتعون بالقوة والصلابة في هذا الصدد، ليحدث تغييرا جذريا في أسلوب اللعب التقليدي للفريق، مما عرضه للانتقادات في بعض الأحيان.
لكن أسلوب برشلونة الدفاعي أتى بثماره وبدا ناجحا رغم كل ذلك، حيث استقبل الفريق 13 هدفا فقط في الدوري الإسباني، وهي أفضل محصلة دفاعية في الدوريات الأوروبية الكبرى، كما بدت أرقامه الدفاعية على أرضه أكثر إبهارا، حيث استقبل هدفين فقط، أحدهما من ركلة جزاء والآخر من نيران صديقة.
واعتمد برشلونة لترسيخ تلك الصلابة الدفاعية على 3 لاعبين قدموا موسما مذهلا، على رأسهم الحارس الألماني مارك أندريه تير شتيجن، ومعه قلب الدفاع الأوروغواياني رونالد أراوخو، والظهير الفرنسي جويل كوندي، والذين لعبوا دورا كبيرا في إفساد هجمات المنافسين وتحطيم أحلامهم في اختراق المرمى الكتالوني.
وأدى ذلك الأمر، في وجود الهداف البولندي المخضرم روبرت ليفاندوفسكي، إلى منح برشلونة أسلوبا مميزا، مكنه من تحقيق الانتصارات واحدا تلو الآخر.
وحقق برشلونة 27 انتصارا خلال 34 مباراة بالدوري الإسباني هذا الموسم، مسجلا ثاني أكبر عدد من الأهداف (65)، بينها 21 لليفاندوفسكي، لكن أساس النجاح رغم ذلك كان التألق الواضح للخطوط الدفاعية الكتالونية.
برشلونة صديق أزمات
شهدت حملة برشلونة نحو لقب الدوري الإسباني اضطرابات متكررة خارج الملعب، شملت الأزمة المالية العميقة التي يعاني منها، بجانب فضيحة تحكيمية قد تمتد آثارها وتبعاتها لسنوات مقبلة.
وكان مدعون إسبان قدموا شكوى ضد برشلونة في مارس/ آذار الماضي بزعم قيام النادي بتقديم مدفوعات بإجمالي 7.3 مليون يورو لشركات مملوكة للمسؤول السابق بلجنة الحكام بالاتحاد الإسباني، خوسيه ماريا إنريكيز نيغريرا، في الفترة من 2001 إلى 2018، وهو ما دعا محكمة في برشلونة لفتح ملف القضية.
وسار على النهج ذاته الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) الذي فتح تحقيقا رسميا خاصا في مخالفات النادي، وقرر التدقيق في نفس المدفوعات، ليضطر برشلونة لنفي ارتكاب أي مخالفة، ويؤكد أن تلك المبالغ كانت لأجل استشارات خارجية والحصول على تقارير فنية متعلقة بالتحكيم الاحترافي، وهو أمر تفعله العديد من الأندية.
كما استفحلت أزمات برشلونة المالية بفعل سلسلة الأجور الباهظة وتبعات وباء كورونا ومشروع تطوير النادي مقابل 1.6 مليار يورو، وهو ما وضعه تحت مقصلة قيود اللعب المالي النظيف التي لم بسببها من تجديد التعاقد مع أسطورته الأرجنتيني ليونيل ميسي ليرحل مجانا إلى باريس سان جيرمان الفرنسي في صيف 2021.
ووفقا لرابطة الدوري الإسباني فإن نفقات برشلونة لا تزال تتخطى الحد المسموح به بنحو 200 مليون يورو، مما يجعله عاجزا عن تسجيل عقود جديدة للاعبين تعاقد معهم قبل أشهر، وهو ما يجعل الغموض يحيط بمستقبل الثنائي المؤثر، المدافع رونالد أراوخو ولاعب الوسط جابي، حتى يجد النادي حلال للأمر.
وكان برشلونة يمني النفس بالتأهل لربع نهائي دوري أبطال أوروبا على الأقل، مما كان سيمنحه إيرادات تسهم في حل أزمته المالية وتغطية عجز النفقات، لكن خروجه المبكر من المجموعات، ثم توديع الدوري الأوروبي بعدها أيضا أدى لتواصل الأزمة.
وأجبر ذلك النادي الكتالوني على اللجوء لما يسمى الرافعات الاقتصادية، عبر بيع حصص من حقوق البث التلفزيوني وأقسام إعلامية لمحاولة تحقيق التوازن في الحسابات ما بين النفقات والإيرادات.
بينما تمثلت الأزمة الأخيرة في مشروع تطوير استاد برشلونة، والذي أدت تكلفته الباهظة التي ستتواصل لعدة سنوات تالية إلى زيادة متاعب النادي الكتالوني المالية، وهو ما جعل الفوز بالدوري الإسباني أشبه بشعاع النور الذي أضاء في آخر النفق المظلم من أجل محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه خلال الفترة المقبلة.