محاولات أردوغان للاستثمار دفعة واحدة في علاقاته مع واشنطن وموسكو وطهران في الملف السوري لم تعد مجدية.
تتعدى المعركة العسكرية المشتعلة حول محافظة إدلب ومحيطها حسابات الربح والخسارة في ميدان القتال، ولا تنتهي عند معادلة منتصر ومهزوم على المستوى السوري الداخلي، فالقوى الإقليمية والدولية التي تقف خلف هذه المعركة لها دوافعها ومصالحها الخاصة. أردوغان الذي ناور كثيرا مع الروس بشأن وضع إدلب وتملص من كثير من تعهداته للروس لتنفيذ تفاهمات واتفاقات سوتشي وآستانة، يجد نفسه في مأزق جدي ليس أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فحسب بل وأمام تعهده لمسلحي هيئة تحرير الشام (ذراع القاعدة في بلاد الشام) والفصائل المسلحة المتحالفة معها المسيطرة على إدلب ومحيطها، فهو الذي وفر لهم السلاح وخطوط الإمداد والدعم اللوجستي في مواجهة الجيش السوري على مدار السنوات السبع المنصرمة ولايزال، وهو الذي راهن منذ خروج إدلب عن سيطرة الدولة السورية عام 2012 على اقتطاع هذه المحافظة من سوريا وتحويلها إلى إمارة إسلامية إخوانية بإشرافه وإدارته وجعلها منطقة نفوذ متقدم تمنحه مقعدا مهما على طاولة الكبار المعنيين بالشأن السوري وعموم الإقليم المجاور لتركيا من جانب، ومن جانب آخر تطلق يده ضد المشروع الكردي.
محاولات أردوغان للاستثمار دفعة واحدة في علاقاته مع واشنطن وموسكو وطهران في الملف السوري لم تعد مجدية لأن الاستحقاقات على الأرض فرضت تكتيكا مغايرا عززه أمران، أولهما الإعلان عن تفاهم أمريكي تركي لتشكيل غرفة تنسيق تمهيدا لإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، والثاني إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الإرهابيين يسيطرون على تسعين بالمئة من محافظة إدلب وموسكو تدعم بشكل مباشر عمليات الجيش السوري لطرد الإرهابيين منها.
ليس من شك في أن أكثر اللاعبين حرجا في هذا المشهد هو أردوغان؛ خياراته تتقلص في هذه المعركة إلى حدود الدعم العسكري لهيئة تحرير الشام مما يطيل أمد المعركة، مناوراته السياسية مع الروس باتت محكومة بمنطق الميدان العسكري من جانب مثلث دمشق موسكو طهران
طهران التي تعاني وضعا عصيبا لا تبدو في وارد التفريط بمكاسبها على الأرض السورية أو التراجع عن تحالفها العميق مع دمشق رغم استفادتها من البوابة التركية في كثير من أساليب وطرق الالتفاف على العقوبات، ولربما وجدت في لعبة الازدواجية هذه مكاسب متعددة يتعلق بعضها بالانسجام التام مع موسكو ودمشق وبعضها الآخر مع تقليص نفوذ تركيا على الأرض السورية عبر استنزافها في معركة إدلب.
أما موسكو، التي تعد من أبرز اللاعبين المعنيين بإنهاء ملف هيئة تحرير الشام في إدلب ومحيطها المتاخم لقرى وبلدات ريفي حماة واللاذقية، فقد ضاقت ذرعا رغم نفسها الطويل بمناورات الرئيس التركي وانتهازيته السياسية، وتجد نفسها مدفوعة بتعهداتها السياسية والعسكرية لاستعادة بسط سيطرة الدولة السورية على كامل تراب البلاد.. موسكو لها أيضا مصلحة بالمحافظة على علاقات متوازنة مع تركيا الأطلسية، بل وتعميقها كلما لاحت الفرصة، وأردوغان من مصلحته ومصلحة بلاده أن يلوح للغرب ولواشنطن بورقة علاقاته مع روسيا.. دمشق تريد استعادة إدلب للبرهنة على نجاح استراتيجيتها طويلة الأمد الهادفة إلى إنهاء الوجود المسلح تدريجيا على كامل أراضيها مستندة إلى حليفيها الروسي والإيراني.
ليس من شك في أن أكثر اللاعبين حرجا في هذا المشهد هو أردوغان؛ خياراته تتقلص في هذه المعركة إلى حدود الدعم العسكري لهيئة تحرير الشام مما يطيل أمد المعركة، مناوراته السياسية مع الروس باتت محكومة بمنطق الميدان العسكري من جانب مثلث دمشق موسكو طهران.. واشنطن التي تراقب ستجد في كل ذلك فرصة مهمة لفرض تصورها على الجانب التركي للمنطقة الآمنة المزمعة بحيث لا تبقى حكرا على رؤية الأتراك.. معركة إدلب بمساراتها ومآلاتها ستكون الاختبار الأكثر جدية وصعوبة لعلاقات موسكو وأنقرة على جميع المستويات وأعقدها المستوى الثنائي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة