«الوحش» تعود إلى شرم الشيخ.. أسرار أقوى سيارة في العالم

بعد غياب دام 3 سنوات، عادت سيارة الرئاسة الأمريكية الشهيرة، المعروفة باسم "الوحش" (The Beast)، لتلفت الأنظار مجددا في شوارع مدينة شرم الشيخ المصرية.
هذا الظهور الجديد أعاد إلى الأذهان أول مرة شاهدها فيها المصريون خلال مشاركة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في مؤتمر المناخ COP27 عام 2022، حين جذبت الأنظار بقوامها المهيب وتجهيزاتها التي تجعلها بحق قلعة متحركة على 4 عجلات.
ورغم مرور السنوات، فإن رؤية السيارة الضخمة مجددا في شوارع المدينة السياحية الهادئة أثارت موجة من الفضول والإعجاب، وفتحت باب التساؤل حول أسرار تلك المركبة التي تعد من أكثر سيارات العالم أمنا وسرية، بل ومن رموز القوة الأمريكية ذاتها.
تعرف سيارة الرئاسة الأمريكية رسميا باسم “Cadillac One”، وهي ثمرة تعاون طويل بين شركة جنرال موتورز وجهاز الخدمة السرية الأمريكية. وقد وصفتها صحيفة “أوتوويك” بأنها “تحفة تكنولوجية ودفاعية بكل المقاييس”.
ظهرت السيارة لأول مرة عام 2018، لتُقدَّم بوصفها نسخة مطورة ومحصنة من طرازات “كاديلاك”، تجمع بين الفخامة والدروع الثقيلة والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة.
وتتمتع “الوحش” بهيكل خارجي مصنوع من الفولاذ والألومنيوم والتيتانيوم والسيراميك، ومدعوم بصفائح فولاذية أسفلها لمقاومة الألغام والقنابل، في حين يبلغ وزنها الإجمالي نحو 9 أطنان نتيجة تجهيزاتها الدفاعية المعقدة.
يقال إن تصميم “الوحش” يخضع لمعايير أمان تفوق ما يوجد في الدبابات العسكرية، فالنوافذ مكونة من 5 طبقات من الزجاج والبولي كربونات، لا تفتح سوى نافذة السائق لمسافة لا تتجاوز 3 بوصات، بينما تصل سماكة الأبواب المدرعة إلى 8 بوصات، تكفي لتحمل انفجارات وغازات سامة وهجمات كيماوية محتملة.
وتحتوي السيارة على نظام أكسجين احتياطي في حال التعرض لهجوم بيولوجي، فضلا عن هاتف متصل بالأقمار الصناعية لربط الرئيس مباشرة بالبنتاغون والبيت الأبيض. أما الإطارات، فهي من نوع خاص مقاوم للثقب والانفجار، قادرة على مواصلة السير حتى في حال التلف الكامل.
ولأن الحذر لا يترك شيئا للصدفة، تضم السيارة أيضا أكياس دم من فصيلة الرئيس نفسه تحسبا لأي طارئ طبي أثناء التحركات أو الحوادث.
تعتمد “الوحش” على محرك V8 قوي، ويبلغ طولها 5.5 أمتار، وعرضها 1.7 متر، بينما تتسع المقصورة الخلفية لخمسة ركاب بمن فيهم الرئيس الأمريكي. ويقدر سعرها بنحو 1.5 مليون دولار أمريكي.
داخل المقصورة، يفصل حاجز زجاجي محكم بين السائق والرئيس، لا يمكن التحكم فيه إلا من جانب الأخير. أما المقصورة نفسها فهي محكمة الإغلاق بالكامل، ومجهزة بأجهزة اتصال وتكييف وتنقية هواء وأنظمة تحكم متطورة، تجعل منها غرفة عمليات متنقلة قادرة على الصمود في أي سيناريو أمني محتمل.
لم تكن “الوحش” مجرد وسيلة تنقل، بل شاهدا على عصور متعاقبة من الرؤساء الأمريكيين، حملت أسرارهم وتحركاتهم وقراراتهم في أحلك اللحظات.
ففي عهد الرئيس دونالد ترامب، احتوت السيارة على ثلاجة صغيرة مملوءة بأكياس دم من فصيلته الخاصة، تحسبا لأي طارئ طبي. وصممت نسختها لتشبه سيارة كاديلاك XT6، معززة بحماية استثنائية لترامب ومستشاريه المقربين.
ويقال إن وزن السيارة في نسختها تلك بلغ نحو 20 ألف رطل، بينما تميزت بقدرات دفاعية متقدمة تشمل أنظمة إطلاق غاز مسيل للدموع وستائر دخانية ووسائل تشويش إلكتروني، بل وحتى مقابض أبواب قادرة على صعق المتسللين بالكهرباء.
ووفقا لتقارير أمريكية، فإن السيارة كانت تضم مصدر أكسجين خاصا لتأمين المقصورة المغلقة في حال وقوع هجوم، إضافة إلى معدات طبية متنوعة تُتيح التعامل الفوري مع أي إصابات محتملة أثناء السفر.
لطالما ارتبط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعلامة “كاديلاك”، إذ تحدث عنها مرارا بوصفها رمزا للرفاهية الأمريكية. ففي خطاب له بولاية ميشيغان، قال إن والده كان يعتبر اقتناء كاديلاك “أكبر متعة في حياته”، مضيفًا: “كان يعشق كاديلاك أكثر من أي سيارة أخرى، وكان يشتري واحدة جديدة كل عامين، وقد ورثت عنه هذا الشغف”.
هذه العلاقة العاطفية انعكست في تصميم نسخة “الوحش” الخاصة بعهد ترامب، التي جمعت بين الهيبة والفخامة والردع، لتصبح تجسيدا لصورته السياسية التي تميل إلى القوة الصريحة والاستعراض الواضح.
في عام 2009، كشف الرئيس باراك أوباما عن نسخة جديدة من “الوحش”، أطلق عليها اسم “كاديلاك وان”، وصممت خصيصا بمعايير الخدمة السرية مع الحفاظ على لمسات الفخامة في التصميم المستوحى من “كاديلاك DTS”.
أما النسخة الحالية، التي ظهرت في شرم الشيخ، فقد تم الكشف عنها لأول مرة عام 2018 خلال رحلة ترامب إلى نيويورك، وصُممت على طراز كاديلاك CT6، لتكون الجيل الأحدث والأكثر تطورا في تاريخ سيارات الرئاسة الأمريكية.
يرتبط تاريخ الرؤساء الأمريكيين مع سيارات كاديلاك بعلاقة تمتد إلى أكثر من 100 عام، ففي عام 1919، استخدم الرئيس وودرو ويلسون سيارة “كاديلاك سيريز 53” خلال عرض عسكري في بوسطن احتفالا بانتهاء الحرب العالمية الأولى.
وتتابعت الأجيال بعده، إذ استخدم روزفلت وترومان وأيزنهاور سيارتي كاديلاك مكشوفتين أطلق عليهما اسم “الملكة ماري” و“الملكة إليزابيث”، تيمنا بالسفن البريطانية العملاقة، وكانتا مجهزتين بأجهزة اتصال ولاسلكي ومعدات دفاعية متقدمة نسبيا لعصرهما.
وفي حقبة لاحقة، استخدم الرئيسان ريغان وكلينتون سيارات من طراز “فليتوود”، قبل أن يُعتمد مصطلح “الوحش” رسميًا عام 2001 مع دخول الرئيس جورج دبليو بوش إلى البيت الأبيض.
منذ ذلك الحين، أصبحت السيارة رمزا ملازما للرئاسة الأمريكية، تصمم خصيصًا لكل رئيس جديد بمعايير أمان لا تعلن بالكامل، وتحمل دائمًا الاسم نفسه: “The Beast”.
ورغم تكتم جهاز الخدمة السرية عن جميع تفاصيل السيارة لأسباب أمنية، إلا أن ما يعرف عنها كاف لتأكيد أنها ليست مجرد وسيلة نقل، بل رمز متحرك لهيبة الدولة الأمريكية.
إنها ليست مجرد “كاديلاك” فاخرة، بل حصن متكامل، يجمع بين العلم والدفاع والتاريخ.
وعندما تظهر في أي مدينة، كما حدث مؤخرا في شرم الشيخ، فإنها لا تثير الإعجاب فحسب، بل تذكر العالم بأن التكنولوجيا والسياسة يمكن أن تجتمعا في قطعة معدنية تتحرك بثقة وسط العيون.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز