إيران لم تدخر يوماً وسيلة لتصدير حكم المرشد إلى جيرانها بمشروعها الذي لم يجر إلا الخراب والدمار والصراعات وزعزعة أمن البلدان
لم تدخر إيران يوماً وسيلة لتصدير حكم المرشد إلى جيرانها في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، مستندةً إلى ثلاث دعائم أساسية لمشروعها الذي لم يجر إلا الخراب والدمار والصراعات وزعزعة أمن البلدان في محيطها، ضاربةً بحسن الجوار والسعي للأمن والاستقرار عرض الحائط، وذلك من خلال شراء الأحزاب السياسية وتجنيد العملاء السياسيين في كل بلد عربي، مستندة إلى الدعامة الثانية التي عنوانها دعم حزب بعينه على حساب الأحزاب الأخرى على أساس طائفي –تتبرأ منها الطائفة كقيم عقدية وروحية براءة الذئب من دم يوسف- بعيدا عن الصفة الوطنية لذلك الحزب كدعمها لحزب الله اللبناني والعديد من التيارات السياسية في العراق، والتي تتحول تلقائيا إلى مليشيات مسلحة، وغيره من البلدان العربية، والتي تغلفها بالدعامة الثالثة لتسوق تلك الأحزاب داخل البلد، وذلك من خلال اللعب على أوتار العاطفة والتمترس وراء أقنعة مناصرتها كالقضية الفلسطينية والمقاومة العربية ومحاربة الإرهاب وغيرها.
في الواقع باتت هذه الأدوات التي تخفي وراء ملمسها الناعم أنياب الغدر والدم مكشوفة للشباب العربي الذي ضاق ذرعاً بسياسة تلك الأحزاب المدعومة من "المرشد" ليحطم التفاخر الإيراني المتبجح بسيطرة "طهران" على السياسة والقرار في عدة عواصم عربية، فعلت أصوات العروبة والوطنية صادحة في ساحات بغداد وبيروت ضد إيران وعملائها، منطلقين من دافعين رئيسيين باتا عنوان معاناة العربي في وطنه المحكوم بساسة متسلطين مدعومين من "طهران" وهما:
أولا: الواقع الاقتصادي: ففي مقارنة بسيطة بين البلدان العربية البعيدة عن المد الإيراني ومشروع المرشد السلطوي القائم على ربط مصير العواصم العربية بمصير طهران، نجد أن تلك البلدان التي تتسلط فيها الأحزاب المدعومة إيرانيا ذات واقع اقتصادي متدهور عنوانه الفقر والعجز والبطالة، على الرغم من امتلاك تلك الدول ثروات ومقومات اقتصادية من شأنها أن تجعلها تنعم بالرفاهية كالعراق الغني بالنفط والثروات الباطنية، عدا عن كونه بلداً زراعياً وسياحياً، ولكن ثرواته مهدورة منهوبة بسبب الخلافات السياسية والتحزب لإيران التي دعمت الأحزاب السياسية العراقية، وأنشأت العديد منها لتدين بولائها لها والامتثال لأمرها على حساب العراق وشعبه والسيطرة على الموارد لتمويل أذرعها العسكرية وتجنيد العملاء، حتى بات العراق دولة مليشيات لا دولة مؤسسات؛ إذ تقف الحكومات المتعاقبة عاجزة عن احتواء الأمر الواقع لتنفجر صدور المواطنين حنقاً على ضياع البلد في غياهب الولاءات المظلمة وتحويل بلاد الرافدين لدويلة تابعة، وهي التي كانت في يوم من الأيام من حضارات العالم النادرة، لتجد العراقيين ضاربين عن الولاءات السياسية والدوائر الطائفية الضيقة والتسييس المذهبي صفحاً لنصرة العراق، والمطالبة بحرية قراره واستقلاليته، وقد عبروا عن ذلك بإنزال العلم الإيراني عن القنصلية الإيرانية في "كربلاء" ورفع العلم العراقي، كما عبروا عنها بهتافاتهم الداعية للتحرر من سلطان المرشد الذي لا يمت للعراقيين والعراق بصلة، لم يكن المشهد مقتصرا على بغداد، فذاته يتكرر في لبنان الذي بات شبه محكوم بالسياسة الإيرانية من خلال تسلط مليشيا "حزب الله" التي تمتلك من السلاح ما لا يمتلكه الجيش اللبناني على حساب قوت اللبناني وحقوقه في التوظيف والتعليم والطبابة، واقع دفع الشعب اللبناني إلى الساحات متحرراً من الأعلام الحزبية هاتفاً للبنان واللبنانيين بعيداً عن أي ارتباط خارجي يُضاف إلى كل ذلك، ارتباط البلد بالسياسة الاقتصادية الإيرانية القائمة على دعم المليشيات التي تتعرض لعقوبات صارمة من الاقتصاد العالمي، فينعكس ذلك على البلدان المرتهنة بها.
ارتباط المواطن العربي بوطنه وبمشروعه العربي الموحد من المحيط إلى الخليج وإدراكه لسمو المشروع الوطني والعربي جعل الهتافات تعلو ضد "طهران" التي سيطرت من خلال عملائها السياسيين على القرار السياسي لربطه بمصير إيران ففسدت البلاد
الواقع الأمني: من الواضح لكل مراقب وبكل بساطة أن الدول العربية التي دخلها النفوذ الإيراني لم تهدأ يوماً ولم تعرف الأمن ولا الاستقرار، والنماذج على ذلك كثيرة كالعراق وسوريا ولبنان، وذلك لاعتماد المشروع الإيراني على تسلط الأذرع السياسية التي يدعمها والعمل على تسليحها بحيث يفوق سلاحها سلاح الجيوش الوطنية، والعمل على ضرب الاستقرار على المستويين السياسي والأمني، لتغدو البلاد محكومة بالسلاح المليشياوي الموجه من "طهران"، والسلاح المضاد في معركة الوجود لتنفيذ أجنداتها السياسية والأمنية، ولكن عجز السياسيين الوطنيين عن تصحيح مسار السياسة العامة للدولة جعل الشعوب العربية أمام طريق مسدود وأمل واهن في أن تتغير السياسات وأن يتصحح اتجاه البوصلة السياسية نحو المصلحة الوطنية، فلم يجدوا بدّاً من النزول إلى الشوارع والهتاف باسم الوطن وإعلاء الراية الوطنية على أي راية سياسية أو طائفية أو أي راية ترتبط بقرار خارج إطار الوطن الواحد، لنجد الساحات اللبنانية والعراقية تتزين بالرايات الوطنية، والحناجر تصدح بالهتاف ضد أي عمالة سياسية مهما كان الشعار الذي يسوّقها .
وفي نهاية المطاف، لا بد من الإشارة إلى أن الأوضاع الاقتصادية والوهن السياسي للأحزاب وعدم قدرتها على حل القضايا العالقة التي تمس كل مواطن في حريته وكرامته ولقمة عيشه هي المحرك الأول والأساس، ولكن ارتباط المواطن العربي بوطنه وبمشروعه العربي الموحد من المحيط إلى الخليج وإدراكه لسمو المشروع الوطني والعربي جعل الهتافات تعلو ضد "طهران" التي سيطرت من خلال عملائها السياسيين على القرار السياسي لربطه بمصير إيران ففسدت البلاد، وما هتاف الساحات العراقية واللبنانية بهتاف "ثورة وحدة ما بتموت من بغداد لبيروت" إلا قرار عربي من الشعب العربي بوضع المشروع الإيراني على مقصلة الساحات العربية كغيره من المشاريع الهدامة والارتباطات الخارجية المخلة بالسلم والأمن والاستقرار ووحدة القرار السياسي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة