دولة الإمارات باتت محطة رئيسية في السياسة الدولية، حيث لم تعد الأحجام هي التي تقرر مدى الفاعلية بقدر ما يمثله "ربط" العلاقات مع الدول
ليس من المستغرب أن يقصد القادة السياسيون المؤثرون في السياسة الدولية والإقليمية أو الباحثون عن دور لبلدانهم دولة الإمارات العربية المتحدة، بعدما رسّخت الإمارات دورها الحضاري العالمي، حيث مزجت المصالح السياسية والاقتصادية بعلاقات إنسانية وثقافية في خدمة البشرية من خلال التركيز على قيم التعايش والتسامح، العام الذي نعيشه، التي تضمنتها وثيقة "الأخوة الإنسانية".
دولة الإمارات باتت محطة رئيسية في السياسة الدولية، حيث لم تعد الأحجام هي التي تقرر مدى الفاعلية بقدر ما يمثله "ربط" العلاقات مع الدول وإدارتها بالشكل الذي يخدم الهدف الأساسي للدولة، فيكفي مراقبة حجم الوفود ونوعيتها التي تزور العاصمة أبوظبي، لتدرك قيمة الدبلوماسية الإماراتية. فعوضاً عن الزيارة التاريخية للرئيس الصيني شي جين بينغ العام الماضي والمتوقعة خلال الفترة المقبلة أيضاً، كان هنا قبل أيام قليلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الحالم بعودة إمبراطورية بلده إلى وضعها الطبيعي في السياسة الدولية، وخلال اليومين الماضيين زار الدولة الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، وهي واحدة من الدول الناشئة اقتصادياً أو ما تعرف بدول "بريكس" (البرازيل، وروسيا، والهند، وكوريا الجنوبية، وجنوب أفريقيا) وهي من الدول الفاعلة إقليمياً من حيث الثقل السياسي والاقتصادي، كما أن هذه القائمة قد زار غالبية رؤسائها دولة الإمارات خلال فترة بسيطة.
هذا كله ليس له تفسير إلا أنه دليل الثقة والمكانة التي تحظى بها دولة الإمارات في السياسة الدولية التي لا تعرف المجاملة بقدر تركيزها على الواقعية السياسية القائمة على المصالح.
بعيداً عن المجاملات أو لغة المزايدات، فإن دولة الإمارات هي نقطة جذب للباحثين عن النجاح الداخلي في بلدانهم وفي السياسة الدولية، وهو حق مشروع للجميع، واللافت أن هؤلاء الباحثين من مختلف المدارس السياسية والاقتصادية
ينبغي ألا نقتصر النظر إلى تلك الزيارات انطلاقاً من موقع تلك الدول في الساحة الدولية من أجل التأكيد على أنها تمثل أهمية للطرف الإماراتي فقط، وإنما لا بد لنا من الانتباه إلى الحقائق السياسية الجديدة المتعلقة بنظرة المجتمع الدولي والرأي العام العالمي إلى دور ومكانة دولة الإمارات، خاصة في الملفات ذات العلاقة بقضايا التنمية والاستقرار في العالم، باعتبارها محل اهتمامهم، خاصة أن قصص النجاح التي تحققها الإمارات ونشاطها الدبلوماسي تتم وهي تحيطها الأزمات والتحديات، ما يعطي انطباعاً بأن هناك أسلوب إدارة يحتاج إلى الاستفادة منه، فالمؤشر التنموي دائما يتجه نحو الصعود.
يبدو أن سياسة دولة الإمارات المتوازنة مع دول العالم منذ تأسيسها في 1971 والمتحيزة دائماً لقضايا الإنسان واستمرارها في الدفاع عنه "رجحت كفتها" السياسية في العالم، وجعلتها محل ترحيب من الجميع، ففي بداية عهدها فاجأت الناس بقصة مختلفة في بناء الدولة أساسها الاستقرار في منطقة ملتهبة أبهرت بها العالم، وقدمت بعدها نموذجا في التنمية أساسها الإنسان، ثم قدمت للعالم تجربة إنسانية عالمية تمثلت في قيم "الأخوة الإنسانية" كتجربة جديدة وجريئة، فكانت أول من تبناها في المنطقة، على الرغم من أنها واحدة من مبادئ الأمم المتحدة، اليوم هي تكسب احترام وتقدير العالم لها وتقطف ثمرة دبلوماسيتها الهادئة لكنها فاعلة، لهذا فإن هذه الزيارات المتعددة والمتكررة لها دلالاتها ومعانيها الاستراتيجية حول مكانة الدولة في المجتمع الدولي وحول تأثيرها الذي يتعدى كونها دولة مستوردة للسلع أو مصدرة للنفط، بل وصل الأمر لأن تكون محركاً أساسياً للأحداث التي تخدم البشرية أجمع.
إن النجاحات التي حققتها دولة الإمارات في الداخل والخارج سمحت لها بأن تتجاوز تسجيل مسألة حضور الفعاليات الدولية التي فيها مصلحة الإنسانية، وتجاوزت بروتوكولات استقبال القيادات السياسية في العالم إلى مسألة التأثير فيها، وهذه إحدى إيجابيات الدبلوماسية الإماراتية التي باتت الدول تحتاج إليها، خاصة مع تنوع علاقاتها الدولية، حتى أصبحت أي زيارة لسياسيي العالم إلى دولة الإمارات هي فرصة لاكتشاف شيء جديد في العلاقات الدولية أو حاجة إلى فعل سياسي للحصول على موقف داعم لقضايا تهم شعوبهم، وتؤكد ذلك طبيعة الاتفاقيات التي يتم عقدها، كما حدث في زيارة الرئيس البرازيلي الذي افتتح منتدى الأعمال الإماراتي-البرازيلي.
بعيداً عن المجاملات أو لغة المزايدات، فإن دولة الإمارات هي نقطة جذب للباحثين عن النجاح الداخلي في بلدانهم وفي السياسة الدولية، وهو حق مشروع للجميع، واللافت أن هؤلاء الباحثين من مختلف المدارس السياسية والاقتصادية، وإذا أضفنا إلى تنوعهم السياسي والاقتصادي الاختلافات الدينية والطائفية تكون الإمارات قد امتلكت مساحة للتفاعل والتأثير المتبادل الثقافي، وهي ميزة سياسية ومهارة دبلوماسية قل من يمتلكها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة