صباح بيروت.. "أطفأت مدينتي قنديلها"
بيروت المنكوبة، الثكلى، تستيقظ اليوم على رائحة الموت والدمار، وتنشد البلسم الشافي
انجلى ليل بيروت الدامي، وأطلّ الصباح الركامي برائحة الموت والدمار تنبعث في الطرقات، وتعيد اللبنانيين بالذاكرة إلى كابوس الحرب المشؤومة، ولسان حالها يقول: أطفأت مدينتي قنديلها.
تحت وطأة الصدمة التي واكبتها "العين الإخبارية" استفاق اللبنانيون على ركام انفجار ضخم هز العاصمة بيروت وسُمع صداه في قبرص، موقعا أكثر من مئة قتيل وإصابة الآلاف، وفقدان آخرين تحت ركام المرفأ والمباني المدمرة.
فما إن تسير في شوارع بيروت وأحيائها وأزقتها، حتى تتراءى سيارات محطمة متروكة على جانبي الطريق، وجرحى تكسوهم الدماء، وناجين تعلو جباههم الصدمة، وزجاجا تناثر في كل حدب وصوب.
انفجار هائل وكأنه زلزال حوّل باريس الشرق إلى "بيروتشيما" تيمنا بهيروشيما اليابانية التي تعرضت لقنبلة نووية أمريكية خلال الحرب العالمية الثانية.
عينة روايات
مفرقعات نارية في العنبر رقم 12، استهداف إسرائيلي لأسلحة تابعة لـ"حزب الله"، عمل إرهابي وسط حديث إعلامي عن وقوع الانفجار قرب "بيت الوسط" مقر إقامة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري.. تلك كانت عينة من سيناريوهات تفسر هول المشهد.
خرج الحريري ومعه اطمأن اللبنانيون أنه بخير، لكن الغموض ارتفع منسوبه مع تعدد التكهنات لطوفان النار والدمار الذي لحق بمرفأ بيروت الحيوي.
في هذه اللحظة، يطل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم من موقع الانفجار، نافيا أن يكون ناجما عن مفرقعات، "بل مواد شديدة الانفجار كانت مصادرة منذ 2014"، لتتبعه تعزيزات عسكرية للجيش تخمد النيران أرضا وجوا، قبل أن تتوالى التصريحات على أعلى مستوى في هرم السلطة التي دعت إلى اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للدفاع.
أطنان الأمونيوم
من ذلك الاجتماع، أعلن رئيس الحكومة اللبناني حسان دياب، أن 2750 طنا من "نيترات الأمونيوم"، موجودة في مستودع بمرفأ بيروت، وراء الانفجار الضخم.
وقال دياب: "من غير المقبول أن تكون هناك شحنة من نيترات الأمونيوم تقدر بـ2750 طناً موجودة منذ ست سنوات في مستودع من دون اتخاذ إجراءات وقائية"، متعهدا بمحاسبة المسؤول عن هذه الكارثة.
ما هي نيترات الأمونيوم؟
هي عبارة عن ملح أبيض لا رائحة له، يستخدم كأساس للعديد من الأسمدة النيتروجينية على شكل حبيبات.
كما تعتبر من مكونات الأسمدة التي تسمى الأمونترات، والتي يشتريها المزارعون في أكياس كبيرة أو بالوزن.
وهي أيضا، منتجات غير قابلة للاشتعال لكنها مؤكسدات، أي أنها تسمح باحتراق مادة أخرى مشتعلة.
وأدت هذه المادة التي تسببت في انفجار بيروت، إلى العديد من الحوادث الصناعية منها مصنع "إي زد إف" بمدينة تولوز الفرنسية سنة 2001.
جيمي أوكسلي، أستاذة الكيمياء بجامعة رود آيلاند، تقول إنه "من الصعب جدا إشعال هذه المادة" كما أنه "ليس من السهل تفجيرها".
ووفق مذكرة فنية لوزارة الزراعة الفرنسية، فإنه لا يمكن إحداث انفجار لهذه المادة إلا عبر التماس مع مادة أخرى غير متوافقة أو مصدر شديد للحرارة.
وبالتالي لا بد أن يخضع تخزين نيترات الأمونيوم، لقواعد من أجل عزلها عن السوائل القابلة للاشتعال، والسوائل المسببة للتآكل، والمواد الصلبة القابلة للاشتعال والأخرى التي تبعث حرارة عالية.
عاصفة وباء وبلاء
"في عاصفة وباء كورونا أتانا هذا البلاء".. كلمات اختصرت المشهد الذي تحدث عنه وزير الصحة اللبناني حمد حسن.
الوضع "معقد". هكذا وصفه الوزير، "هناك 3 مستشفيات خرجت عن العمل"، أما الحالات الحرجة فتوزعت على المستشفيات البعيدة بعد أن فاضت القريبة بالضحايا.
حداد وتآزر
نداءات الاستغاثة من المسؤولين والمستشفيات والأهالي تتعالى، والحداد على الضحايا يُعلن، والأعلام تُنكس، والتآزر من القريب والبعيد يتدفق من هنا وهناك.
بالمدينة "الثكلى" وصفها رئيس الحكومة حسان دياب، وبـ"هيروشيما وناجازاكي" شبهها محافظ بيروت مروان عبود، ليأتي البلسم الذي نشده لبنان يداوي جرحه النازف.
بلسمٌ تدفق من الجسد العربي والغربي، يواسي "المحنة" ويداوي "الألم" ويعزي "الروح" ويساند الوطن، من الإمارات لمصر للأردن لفلسطين للبحرين للكويت للسعودية، لفرنسا للولايات المتحدة، إلى باقي الجسم العالمي.