"بن بيه" يدعو إلى اعتماد "وثيقة المدينة" كصيغة للمواطنة
عضو مجلس حكماء المسلمين يعرب عن شكره وتقديره للإمارات
الدكتور عبد الله بن بيه عضو مجلس حكماء المسلمين قال إن الرسول والخلفاء احترموا التعدد والتنوع العقائدي، ونظروا إليه نظرة تقديس واحترام.
أكد الدكتور عبد الله بن بيه، عضو مجلس حكماء المسلمين رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، أن الحوار واجب ديني وضرورة إنسانية، وليس أمراً موسمياً، وهو من أصل الدين ومن مقتضيات العلاقات البشرية.
وأضاف، في كلمته خلال فعاليات الجولة الرابعة من الحوار بين الشرق والغرب المنعقدة حاليًا بأبوظبي تحت عنوان «التعددية الدينية وحرية الاعتقاد»، الأربعاء، أن التعدد والتنوع دليل على قدرة الله وحكمته، مستشهداً بقول الله تعالي (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين).
وتابع "كما أن ضمائر الناس لا يملكها إلا رب الناس، وهو الذي يقول لنبيه الكريم (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر)، (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)، (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر)، (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين)".
ودعا عبد الله بن بية إلى دعم الصيغ والمبادرات الهادفة إلى توطيد أواصر التفاهم والتعايش بين الطوائف الدينية في البلاد الإسلامية، من خلال فهم نصوص الشريعة ومقاصدها وسياقاتها الزمنية، ودراسة تغيرات البيئة العالمية، وواقع المجتمعات المسلمة والمحافظة على السلم الاجتماعي. مستدركاً "في تلك اللحظة يمكن اللقاء مع إخواننا من المسيحيين وغيرهم، وفي مقدمتهم الكنيسة، لتقديم نتائج عملنا ولنشاطرهم حكمتهم في السلام والحرية المسؤولة التي هي وحدها السبيل إلى الوئام".
ولفت رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة إلى أن تلك هي المنهجية هي التي اتبعها العلماء مؤخراً لتقديم (إعلان مراكش)، الذي أعلن فيه العلماء الحقوق المتساوية والمواطنة الكاملة وحرية الممارسة الدينية للطوائف غير المسلمة في البلاد الإسلامية.
وساق عبد الله بن بية، في كلمته، بعض الفقرات من "إعلان مراكش" قائلاً، إنها تخدم حرية المعتقد للطوائف كلها دون استثناء؛ وفي مقدمتها اعتبار "وثيقة المدينة" الأساس المرجعي المبدئي لضمان حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي، مشيراً إلى ما ذهب إليه المشاركون في الإعلان بأنه لا يجوز توظيف الدين في تبرير أي نيل من حقوق الأقليات الدينية في البلدان الإسلامية.
وأوضح أن "وثيقة المدينة" أقرها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لتكون دستوراً لمجتمع متعدد الأعراق والديانات، كانت تجسيداً للكليات القرآنية والقيم الإسلامية الكبرى، وأن هذه الوثيقة ثابتة عند أئمة الأمة الأعلام.
وقال عضو مجلس حكماء المسلمين، إن «وثيقة المدينة» تضمنت بنودها كثيراً من مبادئ المواطنة التعاقدية، كحرية التدين، وحرية التنقل والتملك، ومبدأ التكافل العام، ومبدأ الدفاع المشترك، ومبدأ العدالة والمساواة أمام القانون، مؤكداً أن مقاصد «وثيقة المدينة» هي إطار مناسب للدساتير الوطنية في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، وينسجم معها ميثاق الأمم المتحدة ولواحقه، كإعلان حقوق الإنسان، مع مراعاة النظام العام.
واستطرد "السياق الحضاري المعاصر يرشح (وثيقة المدينة) لتقدم للمسلمين الأساس المرجعي المبدئي للمواطنة، لأنها صيغة مواطنة تعاقدية، ودستور عادل لمجتمع تعددي، أعراقاً وديانة ولغة، متضامن، يتمتع أفراده بالحقوق نفسها، ويتحملون الواجبات نفسها، وينتمون، على الرغم من اختلافهم، إلى أمة واحدة".
وأشار عضو مجلس حكماء المسلمين إلى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخلفاءه الراشدين من بعده احترموا هذا التعدد والتنوع، ونظروا إليه نظرة تقديس واحترام، متفهمين أن الأديان تتكامل ويتمم بعضها بعضًا كلوحة جميلة إذا ما عبثنا بها ضيعنا جمالها، وإذا تركناها كما هي نشرنا بذلك السلام بين الناس.
وأكد أن الحوار أهم قيمة يمكن أن تكون مفتاحاً لحل مشاكل العالم، من خلال احترام الاختلاف بل حب الاختلاف بحيث ينظر إليه كإثراء كجمال كأساس لتكوين المركب الإنساني.
وقال "إن سلوكنا الفاضل، وتسامحنا، وسخاءنا، وصدقنا، ووفاءنا، وأمانتنا من شأنه أن يقنع الآخر، وهو الإنسان الذي حمل نفس الإعجاب بتلك القيم أن يعاملنا بنفس المعاملة النبيلة، فالخير يدعو للخير، والسخاء يستدعي السخاء، وإن إقناعنا للغير بسلوك سبيل الخير أهم قضية إنسانية، والحوار ينبغي أن يكون أساساً في الانسجام واستيعاب الاختلاف وتحييد أسباب الصراع، ليتحوّل الاختلاف إلى ثراء وليس إلى عداء، ولم ينكر أو يتنكّر الإسلام لإسهام الأديان والحضارات في تشييد العمارة الأخلاقية للبشرية، وهكذا فإن اعتراف الإسلام بالتعددية الدينية ليس مجرد اعتراف بل هو احترام وتقديس".
وأضاف "وجعل الله عز وجلّ البيع والكنائس مقدسة لا يمكن أن تمتد إليها يد الاعتداء، والتاريخ يثبت أنه لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه هدموا كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار، وتلك هي الديانات التي كانت موجودة في المجال الحضاري للإسلام يومئذ، ولذا كان العلماء الربانيون المجددون على منهج النبوة عندما تمتدّ يد العبث والجهل إلى أماكن عبادة غير المسلمين يقفون في وجه ذلك الاعتداء".
ولفت إلى أن "وثيقة المدينة" كانت بياناً لا يرقى إليه شكٌّ وبرهاناً لا تعتريه شبهة على موقف الإسلام من التعددية الدينية، فعندما أسس المسلمون أول تجمع ديني خارجاً عن سيطرة المشركين وعن اضطهادهم فكانت بذلك صحيفة المدينة أول ميثاق إنساني للمواطنة.
وقال "إننا لا نزعم أن تاريخنا الإسلامي ناصع في كل فتراته، فنحن نفخر بصفحات مجده، وفي نفس الوقت نعترف بأنه تاريخ بشري تسري عليه السنن الكونية، فيه فترات إشراق وفترات ظلم فترات قوة وفترات ضعف، مراحل ريادة ومراحل انتكاس وتراجع، لكننا في الوقت نفسه نزعم أنه لم يعرف التاريخ ديناً ولا أمة قبلت بالتعددية الدينية واحتوتها كالدين الإسلامي والأمة المنتسبة إليه".
واستدرك "لذلك كانت روح صحيفة المدينة وكلياتها ومقاصدها حاضرة في فعل الصحابة رضوان الله عليهم وهم يتصلون بالأمم التي كانت في زمنهم بحسب ما اقتضته ظروف الواقع، سواء كان هذا الواقع واقع سلم أو واقع حرب مفروضة استتبعت إجراءات شرعية كنظام الجزية مثلا الذي كان نوعاً من الإجراءات المالية التي لا تجري على المسلمين الذين كانت عليهم الزكاة مفروضة واختُص بها غير المسلمين في ظل الإسلام".
وأشار ابن بية إلى أن التاريخ شهد مآسي ونكبات تعرضت لها الأقليات، نتيجة احتكاكات تاريخية جعلت بعض العلماء يصدرون أحكاماً قاسية على بعض الأقليات، لكنها تبقى استثناء بالنسبة للمسلمين لا يخرم القاعدة العامة، وحتى هذه الاستثناءات وجدت من علماء المسلمين في تلك العصور قوة وصلابة واستماتة في حماية الأقليات من الاعتداءات، لافتاً إلى أن حرية المعتقد قضية ظلت على مر التاريخ وكر الزمان وتنوع المكان مشكلة من مشاكل الإنسان.
وأضاف «من الحكمة أن نعتبر ما قامت به دولة الإمارات في تحريم وتجريم التمييز والكراهية وازدراء الأديان، يمثل إجراء عقلانياً وحصيفاً وحكيماً، في مصلحة الجميع سواء أولئك الذين لديهم الرغبة الجامحة في تحقيق ذاتهم من خلال الإيذاء وإهانة الغير، وفي مصلحة بقية شرائح المجتمع التي تريد أن لا تتعرض مقدساتها لعبث بعواطفها العميقة، حيث أصبح هؤلاء يدركون أن الدولة تتحمل مسئوليتها في الحفاظ على النظام العام وليس عليهم إلا أن يرفعوا الأمر لها».
وأعرب رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة عن خالص شكره وتقديره لدولة الإمارات المتحدة التي هيأت هذا الفضاء المنفتح الذي يسمح بطرح الأفكار النيرة والآراء المتسامية للخروج من الأزمة البشرية، وتقدم بالشكر والتقدير لكل من رئيس مجلس حكماء المسلمين ورئيس الطائفة الأسقفية الإنجليكانية على اهتمامها الرفيع بالحوار في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها الأمة.
aXA6IDE4LjExOC4xNDkuNTUg
جزيرة ام اند امز