إسرائيل ونتنياهو مع الحرب، مع ضرب إيران وحلفائها وضد أي مهادنة أو صفقة أو تخفيض لمنسوب التوتر.
من هو بنيامين أو "بيبي نتنياهو"؟
طرحت هذا السؤال على محررة الشؤون الإسرائيلية في صحيفة "النيويورك تايمز" حينما التقيتها على عشاء في نيويورك: "ابتسمت الزميلة المخضرمة التي قضت معظم حياتها في متابعة ملف الصراع العربى - الإسرائيلي، وعملت مراسلة متجولة في أنقرة وبيروت ثم استقرت في تل أبيب لسنوات، وقالت: "إذا كانت هناك مسابقة أوسكار عالمية للكذب السياسي، فإن بيبي نتنياهو سوف يفوز بها دون منافس ودون جدال".
عادت وقالت وهي تبدي الحزن:
"ما دام هناك رجل اسمه بيبي نتنياهو على رأس الحكم ويقود حزب الليكود، فلن يكون هناك أدنى أمل للسلام".
قالت السيدة هذا الكلام في صيف 1999، وبعد 20 عاماً أثبتت الأحداث مصداقية ما قالت.
وسبق لي أن أجريت خمس مقابلات تلفزيونية مع نتنياهو، وكانت لي حوارات جانبية معه قبل وبعد المقابلات أو في أوقات فواصل اللقاء.
واكتشفت - ببساطة - أن ما يقوله الرجل طوعياً خارج الهواء يختلف تماماً مع ما يقوله داخل المقابلة!
وكأن الرجل مصاب بانفصام سياسي في الشخصية!
ويقول أحد كبار المعلقين السياسيين في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن سر نجاح نتنياهو المستمر في الحياة السياسية منذ ربع قرن هو قدرته الدائمة على أن يبيع لكل تيار في إسرائيل ما يريد أن يسمعه.
يدرك نتنياهو أن "صفقة القرن" مشروع يصعب تسويقه ويستحيل تحقيقه في القريب العاجل لكنه يطرحه كخارطة طريق وعرض واحد وحيد على الطاولة.
خبرة نتنياهو بالاستراتيجية والعسكرية ليست بسيطة أو محدودة
تعلم الصبي "بيبي"، الذي ولد في 1949 في تل أبيب، من والده تاجر الأدوات الكهربائية في منطقة "بروكلين" الشعبية، فن "البيع الشخصي" لأبناء الطبقة المتوسطة والقدرة على عقد الـ«deal» أي الصفقة مع الزبائن بإقناعهم بأنهم يحصلون على أفضل سعر لأفضل منتج وأعظم بضاعة.
يعيش نتنياهو بالدعاية السياسية والتسويق السياسي القائم على مدرسة "اكذب ثم اكذب ثم اكذب" واستمر في إصرارك على رأي واحد دون تراجع حتى يصدق الجميع ما تقول.
لا يرضى نتنياهو بأي فعل ضد إرادته أو رغبته إلا إذا كان "السيف على الرقبة".
بمعنى أنه لا يفعل الشيء إلا مرغماً تحت ضغط هائل من واقع الحال.
يعلم الجميع أن الرجل منذ أن دخل لعبة السياسة عام 1988 قادر على أن يتحالف مع الجميع ليضرب الجميع، وصفه معلق إسرائيلي بأنه "يبدل تحالفاته مثلما يبدل جوارب حذائه".
تحت الضغط تزوج من زوجته الحالية "سارة" عام 1991 بشروط عقد تشبه عقد الإذعان، وأصبح ذلك المحامي الذي سطر لهما بنود العقد هو مستشاره القانوني.
يدرك نتنياهو أن تهم الفساد الشخصي تحيط به من كل الجوانب ويحاول استغلال كل نفوذه داخل مراكز السلطة للإفلات من نتائج ساعات التحقيق المطوّل الذي أجرى معه في وقائع فساد تم اتهامه فيها هو وزوجته.
قوة الرجل في الداخل فيما يعرف في إسرائيل بجمهور "اليمين السياسي واليمين الديني" فالرجل هو الذي حقق الكثير من أحلام الدولة العبرية منذ المؤتمر الصهيوني الأول في "بازل" منذ أكثر من مائتي عام.
في عهد نتنياهو تم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وتمت الموافقة الأمريكية على اعتبار الجولان المحتل جزءاً من أراضي الدولة العبرية.
وينتظر في القريب جداً إعلان ضم المستوطنات الإسرائيلية الموجودة في أراضي الضفة الغربية والتي تضم قرابة 350 ألف مستوطن، يمثلون 11% من أراضي الضفة المتنازع عليها.
مشروع نتنياهو الأكبر لكي يصبح أكثر شهرة من المؤسس الكبير ديفيد بن جوريون هو تحقيق مشروع صفقة القرن، والتي تحقق 3 أهداف للحلم الصهيونى، وهي:
1- النقاء الكامل للدولة العبرية بحيث لا يصبح فيها مواطن يحمل الجنسية الإسرائيلية إلا من هو يهودي الأم، وذلك يعنى أنه لن يوجد عربي (مسلم - مسيحي - درزي - من أي طائفة أخرى) حاملاً للجواز الإسرائيلي وبالتالي غير مقيم على أراضي ما يعرف بالخط الأخضر.
يدرك نتنياهو أن "صفقة القرن" مشروع يصعب تسويقه ويستحيل تحقيقه في القريب العاجل لكنه يطرحه كخارطة طريق وعرض واحد وحيد على الطاولة.
خبرة نتنياهو بالاستراتيجية والعسكرية ليست بسيطة أو محدودة، فهو عضو بالجيش الإسرائيلي- فرع القوات الخاصة، شارك في حروب الاستنزاف ضد مصر، وحرب أكتوبر، والمعارك الإسرائيلية في محاولات غزو واحتلال لبنان عام 1968 وعملية مهاجمة طائرة شركة سابينا الرحلة رقم 571 لتحرير الرهائن.
علاقته برئاسة أركان الجيش الإسرائيلي دائماً متوترة لأنه يريد إملاء رؤيته "الدفاعية" على رؤية رئاسة الأركان.
العدو الآن بالمفهوم الإسرائيلي بشكل عاجل هو إيران وامتداداتها في المنطقة.
قبل الانتخابات التشريعية الإسرائيلية كان نتنياهو يخشى أي تطور أو تدهور عسكري مع حماس وصواريخها أو أي مواجهة في المنطقة حتى لا تؤثر على اتجاهات شعبيته.
وتأثر نتنياهو بالصواريخ الفلسطينية البدائية التي "أحرجت نظام القبة الحديدية" الدفاعي حينما أفلتت عدة صواريخ وسقطت على مدن ومستوطنات إسرائيلية.
الآن توقف الخلاف بين نتنياهو وجهاز المخابرات العسكرية الذي كان وما زال يريد ضربة مجهضة للقوات العسكرية لإيران ومخزون صواريخ حزب الله اللبناني.
موقف جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي هو أن دور ما يعرف بجيش الدفاع الإسرائيلي هو تأمين وحماية الدولة العبرية من أي خطر عسكري محتمل مهما كان بعيداً أو مستبعداً.
هذا الموقف راسخ وأساسي في فكر هذا الجهاز، لذلك يمكن فهم ضرب المطارات صبيحة يوم 5 يونيو 1967، وفهم ضرب الوجود الفلسطيني في لبنان، وضرب مفاعل "تموز" الخاص بالتخصيب النووي في العراق، وضرب مشروع كيماوي في سوريا يقال إنه كان يتم إعداده بواسطة جنود وضباط من كوريا الشمالية.
ورغبة نتنياهو في ضرب أي قوة تخصيب إيرانية صريحة ومعلنة لم يخفها الرجل حينما وقف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وأعلن عن مخاوفه منها وأعلن بما لا يحتمل أي تأويل أن جيش بلاده لن يصبر حتى تكون إيران جاهزة لاحتمال إنتاج سلاح نووي.
الخطر الأكبر الذي يتفق فيه نتنياهو مع جهاز استخباراته العسكرية هو صواريخ إيران الباليستية متوسطة وبعيدة المدى.
ورغم قيام طائرات نتنياهو بضرب أهداف إيرانية منتقاة بعناية في سوريا تعدت المائة ضربة - على الأقل - فإن إيران مارست "ضبط النفس" ولم ترد مباشرة على أي أهداف إسرائيلية رغم أن صواريخها المتوسطة المدى وليس الطويلة المدى قادرة على الرد.
ويمكن فهم الموقف الإسرائيلي الذي يتبناه نتنياهو على النحو التالي:
1- إسرائيل مع الحرب وليس التسوية أو الصفقة مع إيران.
2- نتنياهو شخصياً يشحن "الإيباك" في أمريكا وترامب للتصعيد العسكري.
3- هناك خطة إسرائيلية معدة سلفاً لتوجيه ضربات ضد أنصار وحلفاء إيران في المنطقة.
4- تفضل إسرائيل أن تكون الضربة جماعية تقودها أمريكا وتشارك فيها قوى إقليمية.
5- ترغب إسرائيل في أن تكون الضربات على مسرح معارك داخل أهداف في إيران تعتمد على القوة الجوية والصواريخ بعيدة المدى.
إسرائيل ونتنياهو مع الحرب، مع ضرب إيران وحلفائها وضد أي مهادنة أو صفقة أو تخفيض لمنسوب التوتر.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة