«تنازلات مريرة».. برلين تحصد الانتقادات من صفقة الروس والأمريكيين
تواجه الحكومة الألمانية، انتقادات بعد موافقتها على إطلاق سراح عميل لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي مدان بارتكاب جريمة قتل.
وجاء إطلاق سراح العميل الروسي بهدف مساعدة الولايات المتحدة على إتمام عملية تبادل سجناء واسعة وتاريخية مع موسكو.
ودافع المستشار الألماني أولاف شولتز، مساء الخميس، عن موقفه أمام الصحافة، مؤكدا أن هذا "القرار الصعب لم يتخذ باستخفاف" ولكنه "عادل".
وأضاف: "لا بد من القول إن كثيرين كانوا يخشون على صحتهم وحياتهم أيضًا"، وذلك بعدما استقبل خلف أبواب مغلقة مجموعة من السجناء المفرج عنهم، ولا سيما المواطنين الألمان والروس الألمان الخمسة الذين شملتهم عملية التبادل، عقب وصولهم إلى مطار كولونيا قادمين من أنقرة.
بالتزامن، أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن "امتنانه الكبير" لشولتز على "التنازلات المهمة" التي قُدّمت في إطار التسوية الدبلوماسية.
وكشف أن برلين رفضت "في البداية" إطلاق سراح العميل الروسي المدان بالقتل فاديم كراسيكوف، قبل أن توافق في النهاية.
وحكمت ألمانيا على الرجل الذي أقر الكرملين الجمعة، بأنه عضو في الاستخبارات الروسية، بالسجن مدى الحياة لإدانته بقتل جورجي من الأقلية الشيشانية قاتل القوات الروسية بين عامي 2000 و2004، في برلين.
"واجب"
وكان اتخاذ برلين قرار الموافقة على إطلاق سراح كراسيكوف صعبا نظراً لأن عمليات التجسس الروسية تتكرر في ألمانيا خصوصا منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
وقال أولاف شولتز إن في النهاية مُنحت الأولوية لـ "واجب حماية المواطنين الألمان" المسجونين في موسكو "وكذلك للتضامن مع الولايات المتحدة".
ومن بين الألمان المطلق سراحهم، ريكو كريغر المحكوم عليه بالإعدام في بيلاروسيا بتهمتي "الإرهاب" و"الارتزاق".
وكذلك الروسي الألماني كيفن ليك البالغ 19 عاماً والمدان بتهمة "الخيانة العظمى"، وباتريك شوبيل وهو سائح اتهم بتهريب مخدرات، والقانوني الروسي الألماني غيرمان مويزس، والسياسي الروسي الألماني ديتر فورونين.
وأثار إطلاق سراح برلين العميل الروسي المدان بالقتل الجدل داخل الحكومة الألمانية بين المستشارية ووزارة العدل التي تعيّن عليها أن تأمر مكتب المدعي العام بتنفيذ هذا الإجراء، حسبما ذكرت قناة "إن تي في" التلفزيونية الألمانية.
وصرّحت الناطقة باسم وزارة العدل ماري كريستين فوكس، لوكالة "فرانس برس"، بأن المدعي العام المسؤول عن القضية قدّم "حججا مهمة للغاية" لصالح تنفيذ فاديم كراسيكوف عقوبته حتى النهاية.
لكن في نهاية المطاف، قدّر وزير العدل ماركو بوشمان أن استمرار احتجازه كان من شأنه أن "يولد خطر إلحاق ضرر جسيم" بألمانيا "ومصالحها في ما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمن".
كما أشار إلى أسباب "إنسانية" بسبب المخاطر التي تهدد صحة وحياة المحتجزين في روسيا وبيلاروسيا المشمولين بصفقة الخميس، بحسب الناطقة.
وبالتالي، طلب الوزير من المدعي العام، الإثنين، إطلاق سراح كراسيكوف الذي نقل بعد ذلك إلى روسيا حيث استقبله الرئيس فلاديمير بوتين.
وأقر الوزير في بيان بأن هذه "تنازلات مريرة".
وتحدثت صحيفة "إف إيه زد" اليومية، عن شعور "بخيبة الأمل" في مكتب المدعي العام الفدرالي الألماني، حيث ساد انطباع بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جعل السلطة الألمانية ترضخ.
مطالب بوتين
وكان إطلاق سراح فاديم كراسيكوف في صلب مطالب الكرملين خلال المفاوضات.
وفي فبراير/شباط، طالب بوتين شخصيا بإعادة "شخص قتل مجرما في عاصمة أوروبية لأسباب وطنية" إلى وطنه، في إشارة واضحة إلى كراسيكوف.
وأكدت مجلة "دير شبيغل" الألمانية الأسبوعية أن عملية تبادل الأسرى الخميس، هي نتيجة "عدة أشهر" من المفاوضات بين أجهزة الاستخبارات الألمانية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه) والحكومة الأمريكية والكرملين.
وكان التفاوض في البداية يتمحور حول تبادل سجناء يشمل المعارض الروسي أليكسي نافالني لكنه توفي في سجنه في روسيا في فبراير/شباط. واشترطت الصفقة الحالية إفراج الكرملين عن مراسل "وول ستريت جورنال"، إيفان غيرشكوفيتش، وعنصر المارينز السابق بول ويلان.
ورأى الفرع الألماني لمنظمة العفو الدولية أن التنازلات التي قدمتها برلين "مريرة" وتشكل خطوة من موسكو "نحو توسيع نطاق الإفلات من العقاب القضائي".
وتحدثت عائلة المقاتل الشيشاني السابق الذي قُتل في برلين عام 2019 عن قرار "مخيّب" اتخذته الحكومة الألمانية. وقالت "نشعر بخيبة أمل كبيرة عندما نرى أنه لا يبدو أن هناك أي قانون في العالم".
وتحدثت صحيفة "بيلد" اليومية الأكثر قراءة في ألمانيا عن "عودة الحرب الباردة" وعن "رسالة مغلوطة" أُرسلت إلى الشعب الروسي مفادها أن "بوتين هو بطل" عملية تبادل الأسرى هذه وأنه "ينقذ قتلة".
ولكن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الألماني مايكل روث، وهو عضو في حزب أولاف شولتز رأى أنه "في بعض الأحيان يتعين إبرام اتفاق مع الشيطان"، على حد قوله.