النقود الافتراضية: مزايا ومخاطر
تعد مرحلة النقود الإلكترونية المرحلة الأحدث في سلم التطور النقدي، والتي ارتبطت بالتقدم التكنولوجي والطفرة المعلوماتية مؤخراً.
يسود العالم اليوم ثورة تقنية شاملة امتدت إلى كافة مناحي الحياة، وأثرت بشكل كبير على أنماط الحياة المختلفة، ومنها الاقتصادية، حيث ساهمت تلك الثورة في إيجاد مجموعة من الظواهر الجديدة كالتجارة الإلكترونية وظهور وسائل دفع حديثة.
فاليوم، يتم تداول ملايين النقود الافتراضية كالبيتكوين وغيرها، وهي نقود لا يُصدرها أي بنك مركزي، ولا تخضع للسياسات النقدية للدول، ولا تخضع لأي رقابة من أي دولة أو أي جهة رقابية أخرى، وتعد مرحلة النقود الإلكترونية، المرحلة الأحدث في سلم التطور النقدي والتي ارتبطت بالتقدم التكنولوجي، والطفرة المعلوماتية، وربط العالم كله إلكترونيا من خلال شبكة الإنترنت.
تاريخ تطور النقود
بدأ الإنسان في استخدام النقود البدائية في تقدير أو تسوية المدفوعات حلا للمشاكل الناشئة عن نظام المقايضة، ومن أمثلة النقود البدائية في المجتمعات القديمة: القواقع في الصين وأفريقيا، وأنواع معينة من الخرز في قارتي أمريكا، مرورا بظهور المعادن غير المسكوكة كوسيط للتبادل ثم ظهرت المعادن المسكوكة في عهد الإغريق، ثم العملات السلعية مثل الذهب والفضة والتي غالبا ما تكمن قيمتها في قيمة المادة المصنوعة منها ووزنها ومدى نقائها، حتى صدرت النقود الورقية في أوائل القرن الثامن عشر، تحمل على ظهرها عبارة: "تتعهد الهيئة المصدرة لها بالوفاء بالقيمة الحقيقية للنقد وتحويل قيمتها الاسمية إلى ذهب عند الطلب"، حيث تميزت هذه النقود بثبات قيمتها لإمكانية استبدالها بذهب في أي وقت، بالإضافة إلى تجنب ضياع العملات المعدنية وتآكلها نتيجة تداولها وإعادة صكها وصياغتها.
ثم جاءت النقود الائتمانية لتنهي الصلة نهائيا بين النقود والمعادن النفيسة، وتنقسم النقود الائتمانية إلى نقود قانونية ونقود ودائع. وسميت «النقود القانونية» بهذا الاسم لأنها لا تستند إلى غطاء سلعي، وتستمد قوتها من قوة القانون وقبول الأفراد لها قبولا عاما، بالإضافة إلى احتكار البنك المركزي للدولة المصدرة حق إصدارها، وتمثل هذه النقود دينا على الدولة تجاه القطاعات الأخرى، ويتحتم على البنك المركزي الاحتفاظ بأصول مساوية في قيمتها لقيمة ما أصدره من نقود، وتسمى هذه الأصول بالغطاء النقدي. أما نقود الودائع فهي إجمالي ما يحتفظ به الأفراد من ودائع لدى الجهاز المصرفي.
أما عن النقود الافتراضية فتعد تجربة مثيرة فـي التكنولوجيـا والاقتصـاد، حيث تُعـرف أيضـاً بأسماء مختلفة مثل: المـال الرقمـي، العملـة الرقميـة، شـبكة ونظـام الـدفع العـالمي، المـال علـى الإنترنــت. ومهمــا تعــددت تسـمياتها، فهي تعتبــر ثـورة في النظر إلى المال وكيفية استخدامه.
نشأة النقود الافتراضية "البيتكوين"
تعددت وتباينت العملات الافتراضية، والفروق بينها متعلقة بالوقت الذي تستغرقه عملية التداول، وبطريقة التعدين والتوزيع، والبعض الآخر متعلق بالخوارزميات المسؤولة عن عملية التشفير، وتعتبر البيتكوين من أكثر النقود الافتراضية انتشارا وقبولا، ويمكن الحصول عليها إما عن طريق التعدين وفق آليات محددة، وإما من خلال شرائها من الأسواق والبورصات المتخصصة بهذه العملات.
ظهرت البيتكوين في بداية عام 2009 عن طريق مبرمج يدعى ساوتشي ناكاموتو، والذي تبنى فكرة العملة الافتراضية بهدف تغيير العملات التقليدية السائدة واستبدالها بالعملة الجديدة، وقد صُمِّم البيتكوين ليكون عملة رقمية بحتة فلا يمكن لشخص الذهاب إلى جهاز الصراف الآلي لسحب أو إيداع البيتكوين، إنما هو مُخزن في محافظ على الإنترنت.
تقنيات استخدام البيتكوين
وتعتمد الفكرة أساسا على برنامج يتم تنصيبه في حاسوب المستخدمين الذي يوفر حماية بالغة بفعل التبادلات السرية في بعض الدول، حيث تنتقل قيمة العملة من حاسوب إلى آخر بشكل مباشر بلا وسيط أو رسوم تحويل، فبمجرد أن يقوم المستخدم بتحميل وتفعيل تطبيق البيتكوين يبدأ التطبيق في إنتاج عملات غير قابلة للتكرار من خلال مبرمجات متخصصة يطلق عليها عمليات التعدين، ويتم تشغيلها على خوادم خاصة، صُممت لإصدار كمية محددة بصورة سنوية، حيث يمكن لأي شخص إنتاج عملات البيتكوين باستخدام التطبيق وهو مجاني ومتوفر لكافة منصات التشغيل، ولكن يتم تعديل الكميات المنتجة من قبل موقع الشبكة الرئيسي فلا يتم الإفراط في إنتاجها من دون التنبؤ بذلك.
يتم تخزين العملات التي تم إنتاجها في المحفظة الإلكترونية الخاصة بكل مستخدم، كما يتم إضافة توقيع إلكتروني إلى عملية التحويل، وبعد دقائق يتم التحقق من المعاملة من قبل النظام الخاص بها، ثم يتم تخزينها بشكل مشفر في شبكة البيتكوين.
ومن المفترض أن كل معاملة تتم بالبيتكوين يتم تسجيلها على نظام يسمى بلوك شين، وهو عبارة عن سجل إلكتروني لمعالجة المعاملات وتدوينها، ويضم معلومات عن الحسابات التي يتم استخدامها في عملية التعدين، والتبادل، وعدد وحدات البيتكوين التي تم تداولها، وذلك لتحليل المعاملات والتأكد من عدم تكراره.
مزايا البيتكوين
وقد أصبحت تلك العملة تتمتع بالقبول الواسع، حيث تتوافر للبيتكوين مجموعة من المزايا من أهمها:
- الخصوصية والسرية: فالتعامل بالعملة وتحويلها يكونان مباشرة ما بين المستخدمين بطريق الند بالند دون الاعتماد على طرف وسيط، الأمر الذي يزيد من خصوصية المعاملات، التي لا تخضع مطلقاً لرقابة من قبل البنوك.
- شفافية المعاملات: عمليات البيع والشـراء كلها معلنة ومعروفة لجميـع المسـتخدمين بدون معرفة هوية المتعاملين، لكن مع معرفة تامة بحجب المعاملات وتوقيت عقده.
- عالمية العملة: تمتاز هذه العملة بعدم خضوعها للحدود الجغرافية، حيث يمكن تحويلها لأي مكان في العالم في أي وقت كانت.
مخاطر البيتكوين
على الرغم من الخدمات التي تقدمها البيتكوين، إلا أنها لها مخاطر كبيرة كأداة مالية سواء على الأفراد المتعاملين أو الاقتصاد الكلي للدول، أو على الأمن القومي أيضاً، وتكمن مخاطرها في:
- المساهمة في تمويل العمليات غير المشروعة: رغم أن السرية والخصوصية ميزة إلا أنها تُسهل تمويل العمليات المشبوهة وغير القانونية، فخصوصية هذه العملة جعلتها مقصدا لعمليات غسل الأموال وبيع المنتجات المسروقة والممنوعة، وتمويل الجماعات الإرهابية.
- الهجمات السيبرانية: إن نشر وتداول العملات الافتراضية من قبل الفاعلين من غير الدول مثل التنظيمات الإرهابية والجماعات المتمردة وعصابات الاتجار بالمخدرات وغيرها من التنظيمات الإجرامية، يجعل العملة عُرضة للهجمات السيبرانية، تلك الهجمات تستهدف الحوائط الرقمية وشبكات تعدين العملة، حيث تتم هذه الهجمات من خلال خصوم أكثر تطورا، وبشكل عام فإن إمكانية إنشاء عملات افتراضية تتسم بالمصداقية ويمكن الاعتماد عليها قد تواجهها العديد من التهديدات بهجمات محتملة خاصة في حال إنشائها من قبل الفاعلين من غير الدول والذين لا يمتلكون في الغالب التطورات التكنولوجية الكافية.
- ضعف الموثوقية: تفتقر هذه العملات إلى الموثوقية، حيث تميل ثقة المستخدمين في العملات الجديدة إلى أن تكون منخفضة، حيث يحتاج المستخدمون إلى وقت للاطمئنان والتأقلم مع العملة والتحقق من استقرار النظام وسهولة استخدامها.
- تراجع دور الحكومات: يتوقع الباحثون أنه في حال استمرار انتشار ونجاح هذه النقود الافتراضية، ومع نمو حجم التجارة الإلكتروني وزيادة المعاملات الدولية عبر الإنترنت فإنها ستعمل على انخفاض الدور الحكومي في الاقتصاديات المعاصرة، وما يتبع ذلك من مخاطر على السياسات النقدية والمالية للدول.
- تعدين العملة: هناك تحديات تقنية تتعلق بصعوبة تعدين البيتكوين بواسطة المستخدم العادي، وذلك نظرا لتعقد برامج الوصول إليها، وتعقد العمليات الحسابية اللازمة لإجراء عمليات التعدين.
وبالنظر إلى الموقف الرسمي على المستوى الدولي للعملات الافتراضية عموماً، والبيتكوين خصوصاً، فإنه على الرغم من ازدياد القبول الدولي للتعامل بهذه النقود، إلا أن غالبية دول العالم لم تسمح رسميا بهذه العملات، بل إن بعضها اعتبر التعامل بها مخالفا للأنظمة ويعاقب عليها، فعلى سبيل المثال اتخذت الصين موقفا حذرا من البيتكوين منذ ظهورها، حيث أصدر بنك الشعب المركزي الصيني أمرا يمنع جميع البنوك والمؤسسات المالية الصينية من التعامل بعملة البيتكوين، أما الولايات المتحدة الأمريكية فتجرم استخدامها.
وفي النهاية، وبعد هذا العرض الموجز لمدى انتشار وقبول هذه العملة وموقف معظم دول العالم الرافض لهذه العملة لأسباب مختلفة، فهل تعتبر البيتكوين نقودا بكل ما تحمله النقود من وظائف؟
الحقيقة أنه حتى الآن وعلى الرغم من التطور التكنولوجي القائم والتوسع في استخدام التجارة الإلكترونية وتلك العملات، فإن هذه العملات بشكل عام فشلت في القيام بالوظائف الرئيسية للنقود، وذلك نظرا لبنيتها الهيكلية وطريقة تصميمها وآليات تداولها التي تجعلها أقرب لأدوات المراهنة منها كنقود؛ لذا يستوجب على المؤسسات النقدية العالمية، وبالأخص صندوق النقد الدولي، المبادرة باتخاذ خطوات تزود الأفراد وقطاع الأعمال بالقواعد والضوابط الكفيلة بدمج هذه التقنية الجديدة مع قواعد النظام النقدي العالمي، وذلك لدعم الابتكارات النقدية والمالية.
aXA6IDMuMTMzLjEwOS4yNTEg جزيرة ام اند امز