اتهامات وشبهات تلاعب.. "بيزنس المراهنات" يهدد سمعة الدوري التونسي
ضربت حمى المراهنات كرة القدم التونسية في ظاهرة دخيلة عليها، حيث باتت صناعة التوقع بنتائج مباريات الدوري المحلي تشهد ازدهارا كبيرا، وسط اتهامات بالتلاعب.
وفي الوقت الذي تستفحل فيها ظاهرة الهجرة غير الشرعية من تونس إلى إيطاليا، والتي يروح ضحيتها العشرات بل والمئات سنويا، فإنه يبدو أن هناك هجرات أخرى جاءت من الجانب الآخر لتقتحم مجالات الحياة التونسية وتفسدها، لعل من بينها ظاهرة المراهنات في الكرة التونسية.
وتعد فضيحة الكالتشيو بولي التي ضربت الكرة الإيطالية في العقد الأول من الألفية الحالية أحد أشهر نماذج المراهنات التي تطورت لتمتد إلى التلاعب بالمباريات، وتصبح إحدى أشهر الفضائح التي شهدتها الكرة العالمية على مر تاريخها، وهي الفضيحة التي بات كثيرون يخشون أن تسير عليها الكرة التونسية بعدما بدأت ظاهرة المراهنات تستشري بقوة خلال الفترة الأخيرة.
وكانت الفترة الأخيرة شهدت قيام العديد من الشركات المختصة في المراهنات بفتح مكاتب لها في عدد كبير من المدن التونسية، في ظل الإقبال الكبير من قبل فئة الشباب على التكهن بنتائج مباريات المسابقة.
وكحال كل ظاهرة جديدة، لم يخل "بيزنس" المراهنات من تجاوزات من قبل بعض الأطراف المتداخلة في اللعبة، بما جعل الشكوك تزداد حول مصداقية الدوري التونسي، وحول إمكانية ظهور فضيحة فيه شبيهة بـ"الكالتشيو بولي" في إيطاليا.
ووسط اعترافات بالتلاعب، وتحقيقات يجريها اتحاد الكرة التونسي، تواصلت "العين الرياضية" مع مسؤولي إحدى أكبر شركات التوقعات في تونس، للحديث عن هذا الملف وتبعاته.
البداية من فرنسا
بدأت أزمة المراهنات في الدوري التونسي عام 2019، عندما قامت الشرطة الفرنسية بالتحقيق مع 3 مقيمين في مدينة نيس من أصحاب الجنسية التونسية، على خلفية شكوى تلقتها من قبل شركة المراهنات المحلية الشهيرة "لافرانسيز دي جو"، بخصوص التورط في مراهنات غير مشروعة في مباراة اتحاد بن قردان ونجم المتلوي بالمسابقة.
وراهن الثلاثي بمبلغ مالي مرتفع بلغ نحو 33 ألف يورو على فوز اتحاد بن قردان بهدف دون رد، وهو ما تحقق في نهاية المطاف، ليثير ريبة الشركة التي تقدمت بشكوى ضدهم.
فضيحة الـ14 هدفا
خلفت مباراة المستقبل الرياضي بالمحمدية وضيفه النجم الرادسي، ضمن منافسات دوري الدرجة الثانية التونسي، ردود فعل قوية استمرت لفترة طويلة.
المباراة شهدت تسجيل 14 هدفا دفعة واحدة، تقاسمها الفريقان بالتساوي، لتنتهي بالتعادل 7-7، في مشهد لم يسبق أن عاشته كرة القدم التونسية.
مباراة الـ14 هدفا، كما يطلق عليها، أثارت ردود فعل كبيرة للغاية، مما دفع الاتحاد التونسي لكرة القدم لرفض المصادقة على نتيجتها، في انتظار نتائج التحقيق الذي تم فتحه مؤخرا.
وتحوم شبهات كبيرة حول تورط بعض اللاعبين من الفريقين، في رهانات غير مشروعة مرتبطة بالنتيجة النهائية للمباراة.
مباراة الـ14 هدفا كما يطلق عليها، أثارت ردود فعل كبيرة للغاية، مما دفع الاتحاد التونسي لكرة القدم لرفض اعتماد نتيجتها، حيث حامت شبهات كبيرة تحوم حول تورط بعض اللاعبين من الفريقين في رهانات غير مشروعة مرتبطة بالنتيجة النهائية للمباراة.
اتحاد بن قردان مرة أخرى
طفا إلى السطح من جديد اسم نادي اتحاد بن قردان في فضيحة مراهنات جديدة بعد الواقعة السالف ذكرها، بمناسبة مباراته أمام شبيبة القيروان ضمن منافسات الدوري التونسي.
وراهن عدد قياسي من الجماهير على فوز اتحاد بن قردان خارج ملعبه بنتيجة 3-1، وهو ما تحقق على أرض الواقع.
إدارة شبيبة القيروان أعلنت نيتها فتح تحقيق في موضوع المباراة، فضلا عن "تقديم شكوى ضد كل من يكشف عنه البحث في شبهة التلاعب بنتيجة اللقاء"، وفقا لما جاء في البيان الموجه للرأي العام.
من جهتها، قامت شركة المراهنات "بروموكوت" بإصدار بيان أعلنت فيه عن إلغاء جميع الرهانات المتعلقة بالمباراة.
شبهات التلاعب تهدد الدوري التونسي
عمر العش، مسؤول شركة "برومو كوت" للمراهنات، قال في تصريحات لمراسل "العين الرياضية" إن "قرار إلغاء جميع الرهانات المرتبطة بمباراة اتحاد بن قردان وشبيبة القيروان يأتي على خلفية تواجد شبهات جدية بوقوع عملية تلاعب في النتيجة".
وتابع: "هناك العديد من المقاييس العلمية التي نعتمدها للتأكد من إمكانية حصول شبهة التلاعب، منها تواجد ارتفاع غير عادي في قيمة الرهانات، فضلا عن تواجد عدد كبير من التكهنات بالنتيجة الصحيحة للمباراة".
وأتم: "لاحظنا وجود مراهنات مشبوهة استثمرت فيها مبالغ تتجاوز المعدل العادي بنحو 20 مرة، وهو ما جعلنا نقرر اعتبار الرهانات غير مشروعة".
الشبهات التي أصبحت تلاحق اتحاد بن قردان دفعت بالهيئة المنظمة للمراهنات الرياضية في فرنسا لإصدار قرار يقضي بمنع المراهنة على مباراة اتحاد بن قردان أمام الملعب التونسي، التي أقيمت يوم 7 أبريل/نيسان الماضي ضمن منافسات الجولة 23، وانتهت بالتعادل السلبي.
شهادة صادمة
أدلى إيهاب العدامي لاعب شبيبة القيروان بشهادة صادمة، عندما أكد أن نعيم حسني حكم المباراة كان يعلم أن اتحاد بن قردان سيفوز بنتيجة 3-1.
وقال في تصريحات عبر تلفزيون "قرطاج+" إن "الحكم نعيم حسني أبدى استغرابه عندما طالبته باستئناف اللعب بسرعة بعد الهدف الثالث لاتحاد بن قردان، وقال لي أليس لديك علم بأن المباراة ستنتهي بنتيجة 3-1".
وكانت لجنة أخلاقيات الاتحاد التونسي لكرة القدم فتحت تحقيقا في هذا الشأن، كما تستعد السلطات القضائية لاستدعاء اللاعب من أجل الاستماع له.
قرارات صارمة
فضيحة المراهنات التي كشفت عن وجود شبهات قوية بشأن عملية تلاعب بنتائج مباريات الدوري التونسي دفعت السلطات القضائية التونسية للتحرك على عدة أصعدة.
اتحاد الكرة يدرس من جهته السبل الكفيلة بالحفاظ على مصداقية الكرة التونسية، ولو أن بعض الأطراف تتهمه بالتورط من خلال خدمة أجندة بعض الأندية، وبصفة خاصة اتحاد بن قردان، الذي يرتبط بعلاقة وثيقة بوديع الجريء، رئيس الاتحاد المحلي.
التحقيقات مستمرة
تستمر التحقيقات القضائية في فرنسا وتونس بخصوص شبهة وجود مراهنات غير مشروعة تتعلق بعد مباريات في الدوري التونسي.
وبعد مرور أكثر من عام على القضايا المرفوعة، لم تصدر المحاكم التونسية والفرنسية أي أحكام بخصوص ملفات تلك المباريات.
وعلى الصعيد الرياضي، قررت لجنة أخلاقيات الاتحاد التونسي للعبة حفظ ملفات جميع هذه القضايا، في ظل عدم الحصول على أدلة ملموسة تدين بعض الأطراف بخصوص حصول عملية التلاعب.
وتبعا لذلك، تمت المصادقة على نتيجة المباراة بين المستقبل الرياضي بالمحمدية وضيفه النجم الرادسي، ضمن منافسات دوري الدرجة الثانية التونسي، والتي انتهت بالتعادل 7-7.
من جهة أخرى، تمت تبرئة الحكم نعيم حسني من تهمة التلاعب في نتيجة مباراة اتحاد بن قردان وشبيبة القيروان والتي فاز بها الأول 3-1.
ويتواجد الحكم الدولي التونسي حاليا بالمملكة العربية السعودية لإدارة مباريات في بطولة العرب للشباب، كما تولى خلال العام الماضي قيادة عدد كبير من مباريات الدوري المحلي.
ومن الواضح أن الاتحاد التونسي لكرة القدم لا يملك الآليات والأدوات التي تسمح له بمحاربة أزمة المراهنات غير المشروعة، ولو أن الأمل يبقى قائما بصدور قرارات قضائية صارمة تعيد لكرة القدم التونسية البعض من مصداقيتها.
aXA6IDE4LjE4OC4yMDUuOTUg جزيرة ام اند امز