بايدن في البيت الأبيض.. أين موقع العراق بعهده؟
حظيت الانتخابات الأمريكية باهتمام كبير في بغداد، خاصة مع قناعة العراقيين بأن الخلاص من أزماتهم مرهون بسيد البيت الأبيض.
وبعد سقوط نظام صدام حسين، سيطرت أحزاب معارضة قريبة من نظام ولاية الفقيه في إيران على مقاليد الحكم والمناصب الحساسة في الدولة العراقية.
وأمام التدخل الإيراني السافر، بقيت طبيعة العلاقة ما بين بغداد وواشنطن عائمة على أكثر من تفسير متناقض.
ورغم مرور قرابة العقدين على النظام الجديد في العراق، لا تزال مضامين الانتقال الحقيقي لمفردات الديمقراطية مفقودة في واقع المعترك العملي جراء الصراع الدولي والإقليمي.
وتتزايد الأزمة في ظل صراع متواصل بين الولايات المتحدة صاحبة النسخة السياسية في بغداد والنفوذ الإيراني الذي استطاع من مد أذرعه في داخل السلطة عبر دكاكين الأحزاب والقوى السياسية.
تلك التداعيات تفرض نفسها على طبيعة المشهد العراقي وخصوصا في ظل السياسات الأمريكية التي اتبعها البيت الأبيض بزعامة دونالد ترامب، ومن بينها تضيق المساحة على المليشيات والفصائل المسلحة الموالية لطهران وخنق الأوردة الاقتصادية لإيران.
انقسام العراقيين
الأكاديمي والمحلل السياسي عبدالجبار أحمد يرى أن وصول جو بايدن إلى سدة الحكم في البيت الأبيض لن يعيد تشكيل اهتمامات صانع القرار السياسي في واشنطن بأولوية الملفات الدولية وإنما هناك مصالح عليا في ظل المتغيرات الآنية تقف خلف توجه الاهتمام الخارجي نحو الدول ضمن ميزان الأقرب أو الأبعد.
وقال عبدالجبار، لــ"العين الإخبارية"، إن المواطن العراقي منقسم اليوم إزاء بايدن ما بين معترض ومرحب، فالجميع مقتنع بأن الأزمات المتراكمة في البلاد تتعلق بشخص الرئيس الأمريكي، خاصة ملف النفوذ الإيراني في البلاد ومستوى التمثيل العربي والخليجي في العملية السياسية ما بعد 2003.
ولفت إلى أن الخوض في تفاصيل إدارة بايدن لملف العلاقات الخارجية وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط والعراق على وجه التحديد مازال مبكراً.
وتابع المحلل العراقي: "الأمر يتعلق بالفريق الذي سيختاره الرئيس الجديد فيما كانوا من الحمائم أو الصقور وكذلك مستوى التمثيل والأغلبية في الكونجرس ومجلس النواب لكلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي".
وطالب الساسة العراقيون بإنتاج خطاب تقارب داخلي موحد حتى يستطيع إقناع واشنطن في النظر إلى بغداد باهتمام أكثر، قائلا: "من الخطأ النظر إلى بايدن النائب وعضو مجلس الشيوخ وصاحب مشروع تقسيم العراق إلى 3 أقاليم بنفس نظرة الرئيس الحالي".
أقلمة العراق
من جانبه، يرى نبيل عزام المحلل السياسي والمعني بملف الشرق الأوسط أن "الأوساط الشعبية والسياسية تنظر إلى جو بايدن بحكم مواقفه السياسية خلال حكومة باراك أوباما بعد أن قدم مشروعه المثير للجدل حول أقلمة العراق إلى ثلاث فيدراليات".
وأشار إلى أن طرح بايدن القديم بات بعيداً بمعطيات الحاضر والتطورات الحاصلة في شكل ونوع الصراع الدولي والإقليمي.
ونبه إلى أن المتغيرات التي طرأت على الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، وخصوصا بعد معاهدات السلام بين عدد من الدول العربية وإسرائيل وتمدد إيران إقليميا ودولياً يفرض على الرئيس الديمقراطي مغادرة تلك الخطط وإيجاد استراتيجيات جديدة لتحقيق مصالح البلاد العليا.
ولا يستبعد الخبير العراقي أن تبقى بعض الآليات والاستراتيجيات التي اتبعها دونالد ترامب في موضوع التعامل مع العقوبات الإيرانية وتقليص نفوذ مليشياتها في الداخل العراقي ولكن ضمن التزاوج ما بين السياسية الخشنة والناعمة.
ضربات عسكرية
ويرجح رئيس مركز العراق للدراسات السياسية، غازي فيصل، أن تكون الضربات العسكرية حاضرة في أجندة جو بايدن في تعامله مع إيران إذا ما أصرت على مد أذرعها في الشرق الأوسط والتمسك بولاية الفقيه.
واعتبر أن "هنالك راحة سيلتقطها الرئيس الأمريكي الجديد في عامه الأول حتى يستطيع إيجاد الاستراتيجيات المناسبة للتعامل مع الملف العراقي الإيراني الشائك والمعقد".
وبشأن تأثير وصول بايدن إلى سدة الحكم على تغيير قواعد الاشتباك في المنطقة، يوضح المحلل السياسي إياد العنبر، أن "الولايات المتحدة دولة مؤسسات وبالتالي لا تتأثر كثيراً بتغيير نزلاء البيت الأبيض، وإنما هنالك سياسات عامة في إطار ملفاتها الداخلية والخارجية شبه ثابتة والمتغير في الأمر هو آليات التنفيذ والتكتيك الاستراتيجي".
واستدرك العنبر بالقول: "واشنطن لديها ثوابت تجاه العديد من الأهداف بينها أمن إسرائيل وتقليص النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الاوسط وتأمين الطاقة وستكون حاضرة على طاولة أي رئيس أمريكي، سواء ديمقراطي أو جمهوري".
غير أن هناك ثمة متغيرات تجعل من منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً الدول العربية تتراجع أهميتها لدى الإدارة الأمريكية في الوقت الراهن على حساب تقدم دول شرق أسيوية في أجندة أولويات واشنطن، بحسب الخبير السياسي مازن الرمضاني.