المرشحان الجمهوري والديمقراطي أيًا كان الفائز، يفكران بعقد اتفاق جديد مع إيران، لأنهما يدركان مدى تغلغلها في الشأن العراقي.
يتابع العراقيون نتائج الانتخابات الأمريكية بقلق شديد بعد خيبتهم من حكومة مصطفى الكاظمي وانطلاق المظاهرات الاحتجاجية. وهذه الأوضاع دفعت العراقيين إلى التفكير بالحلول الخارجية بعد أن يئسوا من الإصلاحات التي قد تقوم بها الحكومات المتعاقبة.
تضع الأجندة الأمريكية خططها نحو ثلاثة ملفات ساخنة هي: الوجود الأمريكي العسكري في العراق، تنظيم "داعش"، والصراع الأمريكي الإيراني على أرض العراق، وهي ملفات تثير انقسامات حادة بين الأوساط العراقية؛ إذ تتصور الأحزاب الشيعية الموالية لإيران أن فوز جون بايدن سيعمل على تهدئة الصراع مع إيران، فيما تذهب الأحزاب السنيّة إلى التفكير بأن فوز ترامب سوف يؤدي لتشديد القبضة على إيران وإفشال مخططاتها في المنطقة، ويرى الأكراد أن المرشح الديمقراطي بايدن أكثر فائدة لهم من الرئيس المنتهية ولايته ترامب.
إن تعليق الآمال على الانتخابات الأمريكية ونتائجها يدل على انعدام وجود سياسة عراقية مستقلة عن التأثيرات الخارجية، إضافة إلى أن مصيره غائب في ميزان هذه الانتخابات، ولم يحسب أي من المرشحين الحساب للعراق في مناظرتهما أو تصريحاتهما، مما يعني أن العراق لم يعد من الأولويات الأمريكية بعد ظهور ملفات أخرى إلى السطح كإيران والصين وروسيا.
على أية حال، يعتبر العراق بالنسبة للساسة الأمريكيين مأزقًا كبيرًا بعد أن ارتمى العراق في أحضان إيران، في ظل عزم الولايات المتحدة على سحب قواتها في نهاية العام أيًا كان الفائز في الانتخابات الأمريكية، في الوقت الذي أدركت فيه الولايات المتحدة أن وجود إيران على الخط يعتبر تهديدًا مباشرًا على استقرار العراق، الذي لم ينجح في إقامة علاقة استراتيجية أو تحالف حقيقي مع الولايات المتحدة بعد أن يئست الأخيرة من إيجاد حلول للفساد، والسلاح المنفلت، والمليشيات الموالية لإيران. وتعتبر إيران العراق مفتاحًا للحل في استراتيجيتها في المنطقة؛ حيث عملت على إبعاده عن محيطه العربي وإفشال علاقته مع الولايات المتحدة.
المرشحان الجمهوري والديمقراطي أيًا كان الفائز، يفكران بعقد اتفاق جديد مع إيران، لأنهما يدركان مدى تغلغلها في الشأن العراقي.
والسؤال المطروح هو: ما هو تأثير فوز المرشح الجمهوري أو الديمقراطي على الشأن العراقي؟
تشعر الولايات المتحدة مهما كانت النتائج بغصة، كونها هي التي أسست العملية السياسية ومسؤولة عن نتائجها الكارثية على العراق واقتصاده وعجز الحكومات العراقية المتعاقبة عن الإصلاح الذي اقترحته الولايات المتحدة.
الانسحاب الأمريكي من العراق لن يؤثر على سياسته؛ لأن الإرهاب لم يعد سببًا في توقف عجلة النمو والتطور إذا ما قررت الحكومات العراقية السير في هذا الاتجاه؛ لأنها حرصت على دعم المليشيات الولائية المرتبطة بإيران، خاصة الحشد الشعبي التي تقوم إيران بدعمها وتمويلها.
وقد ظهرت أمام الولايات المتحدة مشكلات جديدة في نهوض الصين، وتمدد روسيا في الشرق الأوسط، وتهديدات القوى النامية في البرازيل والهند وغيرهما، إضافة إلى أنها مشغولة بشبح انتشار جائحة كورونا وتأثيراتها على الاقتصاد الأمريكي.
والسؤال الآخر: ما مدى تأثير جون بايدن على العراق في حال فوزه بالبيت الأبيض؟
لا بد من الذكر أن المرشح الديمقراطي قد أشار مرات عديدة إلى تقسيم العراق، خاصة عندما كان نائبًا للرئيس الأمريكي السابق أوباما، على أسس طائفية وقومية "الإقليم السني والإقليم الشيعي والإقليم الكردي" إلا أن هذا الموقف ليس ثابتًا، وربما قد يتغيّر لو وصل المرشح الديمقراطي إلى سدة الحكم، لكن المؤكد أنه سيقوم بتخفيف العقوبات المفروضة على إيران مقابل تقليص برنامجها النووي.
لا يمكن تغيير المشهد السياسي العراقي بسهولة، خاصة أن العراق مقبل على انتخابات مبكرة، مما يجعل أي فائز إلى دعم هذه الانتخابات، وفي حال فوز بايدن فإنه سيواجه مشاكل معقدة، ليس في العراق فحسب بل في منطقة الشرق الأوسط برمتها، ومن خلال سياسة الانفراج نحو إيران، فإنه سوف يقدم على دعم المليشيات والقوى الموالية لإيران التي تتحكم بالقرار العراقي، على الرغم من أن الأجندة الأمريكية مهما كان الفائز قائمة على أسس ثابتة وهي: انسحاب إيران من سوريا والعراق واليمن، وإيقاف صواريخ حزب الله في لبنان، وتحجيم المليشيات المسلحة.
يبقى العراق على حاله ما لم يعتمد على قراره السياسي في حال فوز ترامب أو بايدن، ومن المؤكد أن تقوده سياسته إلى فوضى عارمة من فقدان العملة المحلية لقيمتها، وتراكم الديون، وعدم قدرة الحكومة على دفع رواتب الموظفين وغيرها من خدمات الماء والكهرباء.
مما لا شك فيه أن المشاكل الداخلية وجائحة كورونا وتداعياته الاقتصادية داخليا لا تفسح المجال أمام المرشح الديمقراطي أن ينشغل بالشأن العراقي. وفي حال فوز المرشح الجهوري ترامب، فمن المتوقع أن يسلك النهج ذاته، ويستمر بالضغط على طهران من خلال الحصار والعقوبات.
إن الأزمات المالية والاقتصادية والأمنية والخدمية التي تعصف بالعراق لا تشجع الولايات المتحدة على مد يد العون إليه أمام العجز الذي يعاني منه، وضبابية علاقته بإيران المُهددة لاستقرار المنطقة.
ولا يمكن للإدارة الأمريكية مهما يكن الفائز أن تدعم العراق ماليًا دون إجراء إصلاح حقيقي من قبل حكومة بغداد، وهي عاجزة عن ذلك لأسباب ذاتية وموضوعية. والحالة هذه، لا يتحتم على العراق أن يعلق آمالاً كبيرة على فوز المرشح الديمقراطي أو الجمهوري؛ لأن الولايات المتحدة تحكمها مؤسسات وقوانين لا تتغير بين عشية وضحاها.
ورغم ثبات المؤسسات الأمريكية فإن الواقع يشير إلى أن النظام الديمقراطي الأمريكي قابل للزعزعة، في ظل الانقسامات الحادة التي تشهدها الانتخابات الحالية المثيرة للجدل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة