لا يبدو أن أحدا في المنطقة العربية يبني أحلاماً كبيرة على المرشح الديمقراطي بايدن.
قبل أن تغلق صناديق الاقتراع في الانتخابات الأمريكية خرج وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس يدعو إلى شراكة جديدة عابرة للمحيط الأطلسي. بدا الأمر غريبا وسط تلك الضبابية التي تحيط بالمشهد السياسي في الولايات المتحدة، ولكن الوزير باح بما يجول في خاطر الأوروبيين وباتوا ينتظرونه من البيت الأبيض.
الشراكة التي يتطلع لها الألمان تستدعي وجود رئيس جديد للولايات المتحدة. فالأمر مرتبط بشخص دونالد ترامب، وما طرأ على العالم من تغيرات كثيرة بسببه خلال السنوات الأربع الماضية. أول شروط هذه الشراكة أن لا تكون "أمريكا أولاً" بالنسبة لساكن البيت الأبيض، ولا ملء الخزينة الأمريكية على رأس اهتماماته.
يتطلع الألمان لقائمة خصوم فارغة في الشراكة العابرة للأطلسي. وإن استحال ذلك فيجب أن يكون الخصوم مشتركين بين الأطراف المعنية إلى حدود التطابق إن أمكن. كذلك يجب أن يكونوا في حدود ضيقة جداً؛ حيث لا يضطر الاتحاد الأوروبي لفتح العديد من الجبهات السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية في آن واحد.
مثل هذه الشراكة التي يريدها الأوروبيون تضع مصالحهم فوق كل اعتبار، وتتبنى شعار "أوروبا أولا" بشكل غير مباشر. فهم يفضلون البقاء على الحياد إزاء أي نزاع حول العالم، وفي ذات الوقت يحافظون على مصالحهم خارج الحدود وداخلها. يجب أن يكون هناك من يحارب عنهم ويحمي مصالحهم حتى دون مقابل.
الحل السحري للأوروبيين، أو الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، هو العيش المجاني تحت الرعاية الأمريكية. وهم يتوقعون مثل هذا الحل بعد فوز جوزيف بايدن في السباق إلى البيت الأبيض. فهو يهتم بمصالح هذا التكتل ويريد بقاءه متماسكاً، ولكن لا أحد يضمن أن يكون كل ذلك مجاناً، ودون مقابل ملموس.
ليس الاتحاد الأوروبي وحده من يستبشر خيرا بعودة الديمقراطيين إلى السلطة في الولايات المتحدة. هناك الإيرانيون الذين يتوقعون عودة سلسة للولايات المتحدة إلى اتفاقهم النووي مع القوى الكبرى. يتوقعون أن يطوي بايدن صفحة العقوبات المفروضة عليهم، ويعيد لهم مفاتيح العراق وسوريا ولبنان واليمن كما السابق.
جماعات الإسلام السياسي تفضل الديمقراطيين أيضا وتبشر بخليفة باراك أوباما الذي أطلق يدها في المنطقة العربية قبل عشر سنوات. ولكن مرشد هذه الجماعات، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليس بالضرورة أن يكون مشمولاً بعطف بايدن وسعة صدره إلا أن أعلن طلاقه المبرم مع روسيا وصواريخها الدفاعية.
ولا نذيع سرا بالقول إن الصين تتوقع سياسة أمريكية أكثر مرونة في حال فوز بايدن بسباق الرئاسة. صحيح أنه لم يفصح عن ذلك بشكل واضح خلال حملته الانتخابية، ولكن برامجه الاقتصادية تعطي هذا الانطباع، دون أن تحدد بوابة التقارب بين الديمقراطيين الفائزين في العاصمة واشنطن والحزب الشيوعي الحاكم في بكين.
وبعيدا عن الفلسطينيين، لا يبدو أن أحدا في المنطقة العربية يبني أحلاماً كبيرة على المرشح الديمقراطي بايدن. كل دولة تستعد بطريقتها للتعامل مع أي تغيرات قد تطرأ على السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولا يبدو أن هذه التغيرات ستكون كبيرة، أو تشكل تحولاً جذريا مقارنة بسياسة ترامب.
قد تجد بين دول أمريكا اللاتينية من يفضل جو بايدن إن بقي متحمساً لأفكاره اليسارية كما يصفها ترامب، أو كان أكثر تفهما للمهاجرين الوافدين منها سعياً وراء الحلم الأمريكي. ولكن المشكلة هي ذاتها مع الجميع، فالزعيم الديمقراطي يخفي أكثر مما يبطن بكثير حول محددات وتجليات سياسته الخارجية بعد فوزه بالرئاسة.
دعاة حماية البيئة يتمنون أيضا فوز المرشح الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية، فهو يستعد للعودة إلى اتفاقية باريس للمناخ. ربما تكون هذه الخطوة هي الأكثر وضوحا في خطط بايدن الخارجية، وربما تكون أيضاً أكثرها اختلافا بالمقارنة مع سياسة ترامب التي صنعت له قاعدة شعبية تزيد على ثمانين مليون ناخب.
على الضفة المقابلة، يقبع قلة ممن يتوقعون الأسوأ مع وصول بايدن إلى الرئاسة الأمريكية. هم يستعدون لذلك ولكنهم لا يستدعونه، أولا لأن الخصومة مع الولايات المتحدة مكلفة جداً. وثانياً لأن في عالم السياسة لا يوجد ثوابت لا تتغير، ولا يوجد خصوم إلى الأبد. المصلحة هي معيار العلاقات بين الدول، وللمصلحة وجوه عدة.
بشكل أو بآخر، تعتبر بريطانيا من الدول التي تفضل بقاء ترامب رئيساً لأمريكا. فهي تعول عليه في إبرام اتفاقية تجارة حرة تدعم اقتصادها بعد مغادرتها للاتحاد الأوروبي. لا يبدو بايدن متحمساً لمثل هذه الاتفاقية، خاصة بعدما أقرت المملكة المتحدة قانونا يتيح لها تغيير اتفاق الخروج الذي أبرمته مع بروكسل العام الماضي.
قد يتعثر إبرام اتفاق التجارة الحرة بين لندن وواشنطن إن وصل بايدن إلى البيت الأبيض، ولكن لا يمكن القول أبداً أن التحالف الاستراتيجي الممتد لعقود بين الطرفين سيتلاشى، أو أن البريطانيين لا يملكون المفاتيح والأدوات اللازمة للحوار مع الديمقراطيين الأمريكيين، والتفاهم معهم في الاقتصاد والسياسة والأمن وغيره.
للولايات المتحدة مصالحها التي يجب أن يراعيها بايدن، والحديث عن هدمه لكل ما صنع ترامب، وتغييره رأساً على عقب ليس منطقياً. لا توضع سياسات أكبر قوة في العالم على مقاس شخص، ولا يمكن البدء من الصفر مع كل رئيس جديد. أياً كان ساكن البيت الأبيض مع بداية العام المقبل ستحمل ولايته تغييرا على مستوى العالم. لن يكون بلون واحد لجميع الدول، ولن يكون لأي اعتبار سوى المصلحة الأمريكية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة