فوز بايدن يفتح الطريق أمام مشاريع العقوبات على أردوغان والموجودة على جدول أعمال الكونجرس
إذا ما فاز جو بايدن بالرئاسة الأمريكية، كما تشير الأرقام حتى لحظة كتابة هذه المقالة، فإن القلق الذي كان يشعر به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيصبح واقعا، إذ إنه يدرك جيدا أن علاقته مع بايدن ليست على ما يرام، وأن سياسة بايدن تجاه أجندته ومغامراته وممارساته مختلفة عن سياسة ترامب الذي انتهج سياسة مهادنة مع أردوغان، خلافا لما كان يريده الكونجرس والبنتاجون والخارجية.
وبسبب كل ذلك، تفاقمت الخلافات الأمريكية – التركية، إذ لم تشهد العلاقات بين البلدين عبر التاريخ مثل هذا الكم الهائل من الخلافات والمشكلات، كما لم يشهد التاريخ أن تحدى رئيس تركي السياسة الأمريكية مثل ما هو عليه أردوغان اليوم، إذ إن تركيا منذ انضمامها المبكر إلى الحلف الأطلسي عام 1952، كانت مجرد دولة تابعة للسياسة الأمريكية، وتقوم بدور وظيفي لصالح هذه السياسة، ولا سيما في مرحلة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي.
ثمة من يرى أن ترامب أعطى ما يشبه الحصانة لأردوغان في الكثير من النقاط الحمر الأمريكية التي تجاوزها، فقد اكتفى بتوجيه انتقادات عندما أصر أردوغان على المضي في صفقة المنظومة الدفاعية الصاروخية إس – 400 مع روسيا وصولا إلى تجربتها مؤخرا، ومنع الكونجرس من اتخاذ عقوبات ضد أنقرة وفقا لقانون مكافحة أعداء أمريكا.
وفي قضية محاكمة بنك خلق التركي لتورطه في خرق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، انتهت المحاكمة على شكل تسوية غامضة بسبب التدخل في العمليات القضائية كما تحدثت تقارير أمريكية، وفي موضوع أكراد سوريا أعطى ترامب ما يشبه الضوء الأخضر لأردوغان لغزو المنطقة الواقعة بين رأس العين – تل أبيض، عندما سحب قواته فجأة من هذه المنطقة رغم توعده سابقا بتدمير الاقتصاد التركي، إذ أقدم أردوغان على ذلك، وانسجاما مع هذه السياسة، انتهج ترامب سياسة غامضة إزاء مغامرات أردوغان في شرقي المتوسط وليبيا والقوقاز، ومن قبل في سوريا والعراق والخليج العربي عندما تدخل عسكريا في قطر، وأقام هناك قاعدة عسكرية في ظل تصريحات استفزازية وتهديدات مبطنة من قبل أردوغان.
في معرض تبرير البعض لهذا السلوك الترامبي المهادن لأردوغان، رأى البعض أن الأمر له علاقة بالحرص الأمريكي على عدم خسارة تركيا لصالح روسيا، وبمكانة تركيا الاستراتيجية في السياسة الأمريكية، لكن التجربة أكدت أن أردوغان لا يفهم هذه اللغة، ففي كل محطة كان يشهد فيها ما يشبه الصمت الأمريكي كان يزداد عدوانا، وهو ما أرجعه كثيرون إلى النهج الذي اتبعه ترامب، ولعلاقته الخاصة بأردوغان، تلك العلاقة التي فيها الكثير من السياسات الخاصة، والمصالح الخاصة التي يديرها صهرا ترامب وأردوغان، أي كل من جاريد كوشنير وبيراءت ألبيرق، وإلى جانبهما مجموعة من مستشاري ترامب وأردوغان، فضلا عن أوجه تشابه كثيرة بين شخصيتي ترامب وأردوغان، ولا سيما لجهة الشعبوية في إدارة السياسة والبلاد، وطريقة تعاملهما مع وسائل الإعلام.
فيما كانت السياسة الأمريكية مختلفة على مستوى الاستراتيجيات، أي المؤسسات الأمريكية التي تسمى "الدولة العميقة"، كالكونجرس والبنتاجون والاستخبارات والأمن القومي.. وغيرها من المؤسسات الأمريكية الوازنة والعريقة، إذ بدا مشهد العلاقات التركية – الأمريكية خلال الفترة الماضية، هو تضارب في الاستراتيجيات والمصالح مقابل علاقة خاصة تربط ترامب وأردوغان.
السؤال الأساسي هنا كيف سيكون مشهد العلاقة الأمريكية – التركية إذا تأكد فوز بايدن؟ من دون شك، لن تكون العلاقة سهلة بعد أن ذهب أردوغان بعيدا في مغامراته، وأصبح مصدرا للفوضى والإرهاب والعنف في المنطقة والعالم، ربما سيحاول أردوغان انتهاج سياسة متوازنة ودقيقة ولا سيما في المرحلة الأولى من حكم بايدن، ويبحث عن فريق جديد للتواصل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، لكن الثابت أن بايدن سيتبع سياسة أكثر حزما، انطلاقا من الالتزام بسيادة القانون، وهو ما يعني فتح الطريق أمام مشاريع العقوبات الموجودة على جدول أعمال الكونجرس، وإطلاق يد الدبلوماسية، وربما إعادة فتح ملفات أغلقت، ولا سيما ملف بنك خلق التركي الذي تدور حوله الكثير من الشبهات والغموض، ووضع خطوط حمراء لاعتداءات تركيا ضد أكراد سوريا الذين أكد بايدن مرارا على حماية التحالف معهم.
سياسة لن تكون سهلة لأردوغان، خاصة أن اقتصاده يعاني من التعثر، وليرته تشهد المزيد من الانهيار أمام الدولار، وحجم الغضب الشعبي في الداخل يتصاعد ضده. فهل يضع بايدن نهاية لمسلسل وادي الذئاب التركي الذي كان أردوغان بطله بامتياز؟ ففي الحقيقة، كان وادي الذئاب سياسة تركية موسومة بالقتل والمغامرة والأوهام والأطماع.. قبل أن يكون مسلسلا تلفزيونيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة