حسم ما يجري مرتبط بالمجمع الانتخابي، والمحكمة العليا، والكونجرس، ومن ثم فإن الاشكالية لن تكون فقط مرتبطة بالمرشح أي كان ديمقراطيا أو جمهوريا، وإنما بأسس ومرتكزات النظام الرئاسي الأمريكي بكل أطرافه ، وفعالياته التي ستأتي بالرئيس للحكم.
لا تزال نتائج الانتخابات الأمريكية تراوح مواقعها بصرف النظر عما يجري من مؤشرات ودلالات معينة متعلقة بما سوف يتم في سياق داخلي وتأهب حقيقي لجميع الخيارات والنتائج التي تتعلق بما يمكن أن يطرحه المرشحان بعيدا عن الإعلان القانوني وليس السياسي، والمتعلق بأرقام المجمع الانتخابي، وأن الدعاوى التي رفعت أمام المحاكم الفيدرالية لا يمكن أن تحسم نتائج الصراع على الأصوات داخل بعض مراكز التصويت الكبرى، وليس المراكز التي تؤهل للفوز، خاصة أن التجمعات الصناعية الكبرى أو الولايات الحاسمة قد تم الإشارة إلى نتائجها -ولو بصورة أولية- بصرف النظر عن التصويت المباشر، أو من خلال المراكز المرجحة التي ستقر بالفوز المباشر لأي مرشح.
القضية ليست متعلقة بفوز الرئيس ترامب أو تولي المرشح بايدن، خاصة أن المعركة الانتخابية حتى اللحظة لم تحسم، وأمامنا سيناريوهات عديدة منها القضائي ومنها السياسي ومنها الدعائي، وبالتالي ينفتح المشهد السياسي أمام مشاهد يجب أن تحسم قبل الوصول إلى 20 يناير موعد تولي الرئيس الأمريكي رسميا بصرف النظر عن أنه جمهوري أو ديمقراطي، وهو ما يعني أن هناك استحقاقا زمنيا محددا لم يخالفه أي رئيس طوال الحكم الأمريكي، واستمرار المشهد السياسي في مساراته الكبرى والتي يمكن أن تسفر عنه النتائج الكبرى والتي قد تصدر خلال الـ72 ساعة المقبلة، وتتعلق بقدرة المحكمة الفيدرالية العليا على أن تصدر قرارها في حال توجه المرشح ترامب إلى ذلك، بناء على مخططه الذي بدأه قبل الذهاب إلى موعد الانتخابات رسميا والإعلان عن نتائجها، ومن ثم فإن القضية لم تعد الذهاب إلى المحكمة العليا في الوقت الراهن وحسم الجمهوريين المعركة بالأغلبية التي يمكن الإشارة إليها مبكرا، والتي ترجح فوز الجمهوريين، خاصة أن الأغلبية تعمل معهم عدديا، ووفق التصنيف السياسي والقانوني المخطط جيدا.
إن وصول المواجهة الراهنة إلى الكونجرس لحسم الأمر وفق الاستحقاق القانوني المقدر سيتطلب العودة لخيارات الحزبين في المجمع الانتخابي، الذي لن يكتفي بطرح الأعداد الرقمية وكفى، فما زال المجمع الانتخابي واختيارات المندوبين هو الصاحب الأصيل في تقرير المشهد حتى لو لم يعترف أحد الحزبين بالنتائج المباشرة للانتخابات، واستمر الأمر لبعض الوقت والالتجاء إلى فكرة الفرز اليدوي والجمع الأوتوماتيكي المباشر، والذي يعمل وفق منظومة إحصائية محددة، ويمكن أن يتخذ الأمر عدة أشهر وليس عدة أسابيع محددة، وهو ما قد يؤدي إلى شلل حقيقي يمكن أن يضرب الديمقراطية الأمريكية في مضمونها وجوهرها الحقيقي، والتي يتباهى بها الأمريكيون، ويحاولون تصديرها للعالم على أنها نموذج قابل للتكرار والاحتذاء به في كل ربوع العالم والحفاظ على مقاليد وميراث الديمقراطية العالمية التي تمثلها الولايات المتحدة.
إن الاتجاهات الرئيسية التي يمكن الإشارة إليها لن تتوقف عن طرح بعض السيناريوهات المطروحة (السيناريو الإيجابي)، وهو تسليم السلطة طواعية من قبل المرشح وتكرار النموذج الذي يعد الأمثل وهو (أل جور/ بوش) والاعتراف بأنه هزم فعليا والخروج بخطاب من الأمل يوحد الأمة الأمريكية، ويقر بأنها الأفضل ديمقراطيا وتعدديا في مواجهة السيناريو الآخر الذي يمكن أن يكون ممتدا ومفتوحا، ويتجاوز الخطاب الرشيد للسياسة الأمريكية بصرف النظر عن توجهات ورؤى الحزبين الديمقراطي أو الجمهوري خاصة مع التوقع بحدوث تحفظات أو اعتراضات، وهي واردة من داخل أحد المعسكرين، وهو ما قد يجري بالأساس في معسكر الحزب الجمهوري تحديدا (السيناريو السلبي)، وهو انفتاح المشهد السياسي على خيارات متعددة ليس فقط إطالة الإطار الزمني لإعلان النتائج، وإنما ممارسة أكبر قدر من التضليل للرأي العام الأمريكي، وهو ما قد يقوم به الرئيس الأمريكي نفسه الذي يحاول المساس بأسس ومرتكزات النظام الانتخابي الأمريكي بل ومنظومة النظام الفيدرالي بأكمله، وهو ما قد يؤدي لعواقب وخيمة على ما يدور في الوقت الراهن من محاولة إدخال أمريكا بأكملها في حلبة من الصراع الوهمي المفتوح، والتأكيد على سياسة العنف التي يمكن أن تعم مختلف الولايات المتحدة بأكملها، وليس ولايات الجنوب خاصة أن أنماط ومؤشرات التصويت تكشف عن نمط احتجاجي ووجود كتل مترددة وأخرى عائمة وبعضها ملون ومضلل، وإن كانت معاقل الحزبين ظلت كما هي في بعض التمركزات الحضرية والريفية، وبالتالي فإن المطالبة بوقف الفرز معناها المساس بأسس الاقتراح الشعبي، وهو جزء أصيل من أصوات الشعب الأمريكي، ولا يجب المساس به أو استبداله فقط بالتصويت من قبل المجمع الانتخابي والذي يظل وحده الضابط لحركة النتائج العامة والإعلان عن الرئيس الأمريكي بصفة عامة.
(السيناريو التوافقي)، وهو ما يمكن أن يوحد الأمة الأمريكية بصورة كاملة حال التوصل إليه باعتماده على الآليات الحاكمة لإدارة العملية الانتخابية ودخول الطرفين في معادلة جديدة تتجاوز ما يجري ويعلو بالأمة الأمريكية على حالة التجاذب الانتخابي حفاظا على ما يجري، وهو نموذج للرشادة السياسية العليا، وهو وارد أيضا، ويمكن أن تبدأ به نخبة واشنطن التي تعبر عنها مجموعة القيادات الكبرى اليسارية في الحزب الديمقراطي، وهم رجال دولة كبار وأغلبهم مرتبط بنخبة أوباما، والتي يمكن أن تُحدث توافقا حقيقيا على جميع المسارات، شريطة تجاوب القيادات العليا في الحزب الجمهوري، والتي يمكن أن تذهب بالرئيس ترامب إلى خيارات محددة، ووفقا لحسابات، وقد يكون مطروحا باعتباره خطابا وطنيا للأمة الأمريكية، خاصة أنه لا يوجد رئيس أمريكي منذ أكثر من 232 عاما تشبث بالسلطة، ولم يسلمها بالفعل، ومن ثم فإن الرهان بأن الرئيس ترامب قد يفعلها غير وارد، رغم الخطاب الشعبوي واليميني المتعارف عليه، وهو ليس جديدا على الأول، ويحاول الاستثمار في مضمونه في الوقت الراهن.
الخلاصة أن الاتجاهات الحاكمة للمشهد الراهن ستكون مرتبطة بالمؤسسات الضابطة لحركة المجتمع الأمريكي، وحسم الصراع الجاري لصالح القيم الأمريكية الحقيقية وإيصال رئيس أمريكي إلى سدة الحكم قبل الاستحقاق المقدر في 20 يناير المقبل، وهو ما يؤكد أن حسم ما يجري مرتبط بالمجمع الانتخابي، وبالمحكمة الفيدرالية العليا، وبالكونجرس، وبالمحاكم الفيدرالية العليا في الولايات الكبرى والتي ستوجه مسار الانتخابات، ومن ثم فإن الإشكالية الحقيقية لن تكون فقط مرتبطة بالمرشح أيا كان ديمقراطيا أو جمهوريا، وإنما بأسس ومرتكزات النظام الرئاسي الأمريكي بكل أطرافه وفاعلياته التي ستأتي بالرئيس الأمريكي للحكم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة