أوروبا تتحسس «طريق هاريس».. خوف على الحظوظ وقلق من «أداء الماضي»
أدى انسحاب الرئيس جو بايدن من الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى طرح سؤال جديد مُلح على السياسيين الأوروبيين: كيف ستكون كامالا هاريس؟
وتُعدّ نائبة الرئيس هاريس الأوفر حظًا لتصبح المرشحة الديمقراطية لمواجهة دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي حديثهم الصريح، أشار سياسيون ومسؤولون أوروبيون وسطيون إلى أن هاريس لم تقنعهم بعد بقدرتها على هزيمة المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
وفي وقتٍ سابق من هذا العام، انتقدت إيزابيل شنابل، عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، هاريس وتصفها بأنها ”غير مرئية“، وتوقعت أنها لن تفوز أبدًا.
وقالت شنابل في تعليقات نشرتها مجلة "بوليتيكو" للمرة الأولى، إن عملية اختيار الحزب الديمقراطي لمرشحه ”فاشلة“.
وأوضحت شنابل في محادثة خاصة قبل حلقة نقاش في فبراير/شباط الماضي، ويبدو أنها لم تكن تعلم أن تصريحاتها كانت تُنقل على الهواء مباشرة: ”كان ينبغي عليهم أن يقدموا مرشحة أخرى غير كامالا هاريس منذ البداية".
وتابعت وكأنها تتوقع مسار انسحاب بايدن وتصدر نائبة الرئيس المشهد ”لن تفوز أبدًا في الانتخابات، أعني أن هذا أمر ميؤوس منه“، مضيفة ”أنا لا أعرفها حتى لأنها كانت غير مرئية للغاية.“
ووصف البنك المركزي الأوروبي أمس الإثنين، هذه التصريحات بأنها ”مضللة“، قائلاً إن شنابل ”لا تعلق أبدًا في العلن على الأحداث السياسية“.
انتقادات أخرى
وفي حديث خاص، وإن لم يكن على ميكروفون مفتوح، انتقد أشخاص آخرون على دراية بأسلوب هاريس الدبلوماسي، خطاباتها، وذكروا أنها تميل إلى القراءة من نص مُعد مسبقًا بطريقة متكلفة.
وقال اثنان من المسؤولين الذين التقوا هاريس في مؤتمر ميونخ للأمن في وقت سابق من هذا العام لـ”بوليتيكو“، إنها أظهرت شخصية منقسمة على نفسها في ذلك التجمع.
فمن ناحية، كانت مداخلاتها العلنية مكتوبة بشكل كبير؛ خطابات ألقتها عبر الملقن عن بعد، مع القليل من العفوية، بل لم تلقَ كلمتها في المؤتمر في عام 2023 استقبالاً جيداً وفشلت في التواصل مع الجمهور.
ومن الأمثلة الأخرى على ذلك ظهورها المثير في مؤتمر الذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة في عام 2023، إذ صعدت هاريس إلى المسرح في وقت متأخر، على أنغام الموسيقى الرئاسية، وألقت خطاباً، وصفه أحد الحاضرين لـ "بوليتيكو"، بأنه ”مبتذل“ و"طعن في موضوع المؤتمر الرئيسي".
كانت الحكومة البريطانية، التي كان يقودها آنذاك ريشي سوناك، وصفت مشاركة نائبة الرئيس في مؤتمر الذكاء الاصطناعي بأنها إيجابية، لكنها أزعجتها هذه المشاركة في الخفاء، وأبلغت مشاعرها لمسؤولي البيت الأبيض.
أكثر تفاعلا
إلا أن لقاءات هاريس خارج المؤتمرات، تظهر جانباً أكثر تفاعلاً وجاذبية، كما قال مسؤولان أوروبيان، سواء كانت تلتقي بالسياسيين الأوروبيين أو كانت تشارك في اجتماعات حول "مبادرة البحار الثلاثة"، وهي سياسة أمريكية تسعى إلى بناء روابط بين بحار البلطيق والبحر الأدرياتيكي والبحر الأسود.
وأشار أحد المسؤولين إلى أن بروكسل كانت راضية بشكل مفرط عن قوة علاقة الاتحاد الأوروبي بالولايات المتحدة خلال سنوات حكم بايدن.
وبعد الاضطرابات التي حدثت في عهد ترامب، توطدت العلاقات عبر الأطلسي خلال الأشهر التي أعقبت اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2022.
ولكن في ظل انخراط فريق بايدن في العمل مع أوروبا، لم يبذل مسؤولو الاتحاد الأوروبي الكثير من الجهد للتواصل مع هاريس.
وقال أحد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، مثل آخرين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لحساسية الملف: ”هناك حجة مفادها أنه كان ينبغي على الاتحاد الأوروبي بذل المزيد من الجهد لتوطيد العلاقات مع هاريس، بالنظر إلى عمر بايدن (81 عاما)".
وتابع ”ولكن من ناحية أخرى، لم يكن من السهل عليها القيام بذلك. لم يكن من السهل إيجاد مناسبات للقاء هاريس.“
بريطانيا تنتظر
في بريطانيا أيضًا، يحاول المسؤولون فهم هاريس، آملين أن تساعد عملية اختيار نائبها في تسليط الضوء على ما ستفعله إذا ما وصلت إلى البيت الأبيض.
وقال أحد المسؤولين البريطانيين: ”سيجري الكثير من العمل لرسم شكل رئاسة كامالا وما تفكر به وتشعر به تجاه القضايا، وكيف نتعامل معها ومع الأشخاص المحيطين بها“.
ومضى قائلا ”أعني، أعتقد أننا نحتاج حقًا إلى رؤية نائب الرئيس الخاص بها، وبعد ذلك يمكننا تقييم التذكرة الانتخابية لهاريس بأكملها".
بدورها، لم تعقد رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي أعيد انتخابها لفترة ولاية مدتها 5 سنوات، سوى اجتماع ثنائي واحد مع هاريس، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن في عام 2022، على الرغم من أنهما التقيا في مناسبات دولية أخرى.
إيجابية ولكن
في العلن، لا يزال السياسيون الأوروبيون حريصين على أن يظلوا إيجابيين حيال نائبة الرئيس والمرشحة الرئاسية.
وقالت وزيرة الخارجية البلجيكية حجة لحبيب للصحفيين قبل اجتماع وزراء الخارجية في بروكسل أمس: ”أتمنى كل التوفيق لكامالا هاريس، إنها امرأة، امرأة قوية، أتمنى لها كل التوفيق“.
فيما قال رودريخ كيسويتر، وهو نائب بارز في لجنة الشؤون الخارجية في برلين: ”لقد رأيت نائبة الرئيس هاريس في كل ظهور لها في مؤتمر ميونخ للأمن ووجدتها امرأة ذات كاريزما وذكاء وروح دعابة شديدة وملتزمة بشكل واضح بمعتقداتها عبر الأطلسي“.
ولكن السؤال المهم بالنسبة للكثيرين في الاتحاد الأوروبي ليس كيف ستكون هاريس في البيت الأبيض؟، ولكن ما إذا كانت تملك ما يلزم للتغلب على ترامب للوصول إلى هناك؟