قرار بايدن إعادة الترشح لرئاسة أمريكا.. كيف ومتى اتخذ؟
مع إسدال الستار على المناظرة الرئاسية الأولى بين الرئيس الأمريكي وسلفه دونالد ترامب، أثار أداء جو بايدن الذي وصف بـ«الكارثي» عاصفة من الأسئلة والمطالبات بضرورة تنحيه عن السباق الرئاسي.
أسئلة قادت إلى أخرى، من نوعية: كيف ومتى اتخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن قرار إعادة الترشح لرئاسة أمريكا؟
وبينما لم يجب فريق بايدن عن تلك الأسئلة، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» كواليس القرار، قائلة إنه في أواخر عام 2022، أشار فريق الرئيس الأمريكي إلى أنه سيسعى لإعادة انتخابه وألغى المناقشات حول بديل له.
وتبلور قرار الرئيس بايدن بالسعي لولاية ثانية خلال عطلة عيد الشكر لعام 2022، حيث اجتمع في جزيرة نانتوكيت مع عائلته الكبيرة لمناقشة مستقبله السياسي.
في ذلك الوقت، بدا الاختيار في بعض النواحي واضحا ومباشرا: فقد عززت النتائج الأفضل من المتوقع في انتخابات التجديد النصفي من موقف الرئيس الحالي، وأسكتت العديد من المشككين فيه.
ليس هذا فحسب، بل إن «نجاح بايدن في تنفيذ أجندة تشريعية طموحة، منحه شعورا بالقوة والصحة بعد أيام من الاحتفال بعيد ميلاده الثمانين»، تقول الصحيفة الأمريكية.
وفي تصريحات خلال حفل لجمع التبرعات في بوسطن في ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال بايدن للديمقراطيين: «إذا لم يكن ترامب يترشح، فلست متأكداً من أنني سأترشح». وعندما سألته مجلة تايم في مايو/أيار الماضي، عما إذا كان يفكر في التنحي بسبب عمره، أجاب: «لا، لن أفعل ذلك».
وعلى الرغم من مخاوف الناخبين بشأن تقدمه في العمر، فإن اختيار بايدن لخوض السباق النهائي في عام 2024 كان في بعض النواحي أسهل من قراراته السابقة؛ فلقد كان يشغل المنصب على أي حال، وقد تمتع بسجل من النجاح التشريعي غير المتوقع أثناء إعادة بناء التحالفات العالمية التي كان يؤمن بها بشدة، بحسب الصحيفة الأمريكية.
دعم عائلي
ووسط حالة عدم اليقين هذه بشأن سنه، أعادت الانتخابات النصفية للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 على الفور تشكيل الديناميكية لصالح بايدن، حيث تحدى الديمقراطيون التوقعات واسعة النطاق بشأن «الموجة الحمراء» من خلال الاحتفاظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ وإبقاء الجمهوريين بأغلبية ضئيلة للغاية في مجلس النواب. وبالنسبة للعديد من الديمقراطيين، بدا فجأة أن الحزب يمكن أن يحقق نتائج جيدة مع بايدن كزعيم لهم.
وقال بايدن للصحفيين بعد يوم من الانتخابات النصفية: «إن نيتي هي الترشح مرة أخرى. لكنني أحترم القدر كثيرًا. وفي النهاية، هذا قرار عائلي».
وكان القرار متأثرًا بشكل كبير أيضًا بدائرة ضيقة من المستشارين القدامى - بعضهم ما زالوا مستائين من كبار الديمقراطيين الذين همشوا بايدن لصالح هيلاري كلينتون في عام 2016.
وبحسب «واشنطن بوست»، فإن فوزه (بايدن) في عام 2020، لم يؤد إلا إلى زيادة تصميمه على الاعتماد على غرائزه ومشورة أفراد عائلته.
«وكانت عائلته على استعداد لذلك، وخاصة زوجته جيل وشقيقته فاليري بايدن أوينز»، تقول واشنطن بوست، مضيفة: لقد اعتبر نفسه في أفضل وضع للتنافس ضد ترامب، الذي كان صعوده السياسي يقلق العديد من الديمقراطيين.
وكانت جيل بايدن مؤيدة بشكل خاص لإعادة انتخابه، ففي الأيام الأولى للحملة كانت صريحة في وصف الانتخابات بأنها اختيار بين «الفساد والفوضى» والاستقرار. وكان أفراد عائلته الآخرون، بما في ذلك ابنه هانتر وأحفاده، مؤيدين أيضًا، وفقًا لأشخاص مطلعين على تفكيرهم.
وقال ويبل: «لقد أمضى حياته كلها في محاولة الوصول إلى هناك. من المؤكد أنه لن يتخلى عن فرصة إنجاز العمل الذي بدأه في فترة ولايته الأولى. وأعتقد أن هذه هي طبيعة الأشخاص الذين يصلون إلى هذه الوظيفة».
فماذا حدث بعد المناظرة؟
خلال المناظرة، التي عقدت في استوديو «سي إن إن» دون جمهور، تحدث بايدن بصوت خشن، وكافح لتفادي هجمات ترامب، وكثيرا ما كان مشوشا أو بدا وكأنه يفقد تسلسل أفكاره.
وكتب جون فافريو، كاتب خطابات أوباما السابق ومضيف البودكاست، على منصة «إكس» بعد ذلك: «من الواضح أن تلك المناظرة كانت كارثة»، مشيرًا إلى أن الديمقراطيين بحاجة إلى إجراء «مناقشة جادة» حول استبدال بايدن بآخر.
وكتب جوليان كاسترو، عمدة سان أنطونيو الديمقراطي السابق الذي خدم في حكومة أوباما: «بدا غير مستعد، وضائع، وغير قوي بما يكفي لمواجهة ترامب، الذي يكذب باستمرار».
وقال أحد المسؤولين الديمقراطيين، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته للتحدث بصراحة: «يقع على عاتق الأشخاص الذين لديهم علاقة شخصية مع الرئيس إجراء محادثات حقيقية حول كيفية تحسين أدائه وتقييم اللحظة حقًا».
وفي العادة، يواجه الرؤساء الحاليون صعوبات خلال مناظراتهم الأولى، حيث أصبحوا غير معتادين على مواجهة مثل هذه التحديات الحادة. لكن أداء بايدن كان «مزعجًا» لدرجة أنه ينبغي أن يدفع إلى إعادة تقييم جديدة لظهوره العام، كما قال جويل باين، الاستراتيجي الديمقراطي الذي يدعم مع ذلك قرار السعي للحصول على فترة ولاية أخرى.
وقال كريس ويبل، مؤلف كتاب «معركة حياته: داخل البيت الأبيض في عهد جو بايدن: «أعتقد أن هناك حالة من الذعر الحقيقي، ليس فقط بين دائرته الداخلية، بل وفي الأسرة أيضًا. يتساءل الجميع، ما الذي حدث، وهل يمكن إصلاح هذا؟»
إن ما يدفع إلى القلق داخل الحزب الديمقراطي هو احتمال أن دونالد ترامب، الذي يراه الديمقراطيون معاديا للديمقراطية، يبدو الآن وكأنه لديه فرصة معقولة على الأقل للفوز، يقول كريس ويبل، مشيرًا إلى أن بايدن يواجه أكثر من أي وقت مضى في رئاسته، سيلًا من الاستجواب العام.
إصرار ديمقراطي
إلا أنه في الأيام الأولى بعد المناظرة، تمسك المشرعون الديمقراطيون إلى حد كبير بالرئيس، ورفضوا الاقتراحات بأن يختار الحزب مرشحًا أصغر سنًا. واستمر تدفق التبرعات، حيث أعلنت حملة بايدن أن الساعة التي تلت المناظرة كانت أفضل لحظة لجمع التبرعات حتى الآن.
واتفق راسل رايلي، المؤرخ الرئاسي في مركز ميلر بجامعة فيرجينيا، على أن أهمية المناظرة سوف تتلاشى في الأسابيع المقبلة، قائلاً: «إن مزيجًا من الوقت وقصر فترة انتباه الناخبين يخفف من أي شيء تقريبًا في السياسة الانتخابية الرئاسية».
وفي الساعات التي تلت المناظرة، سعى بايدن وكبار مسؤوليه إلى طمأنة المانحين بأنه باق في السباق وأنه قادر على القيام بهذه المهمة
وبدا أن بايدن نجح في تهدئة الذعر على الأقل قليلاً من خلال تجمع بعد المناظرة يوم الجمعة في رالي بولاية كارولينا الشمالية، حيث تناول القلق بشأن سنه، بينما أشار إلى أنه لن يعيد التفكير في قراره بالترشح.
وقال بايدن: «أعلم أنني لست شابًا، لأكون صريحًا»، معترفًا علنًا لأول مرة بأن مهاراته في الكلام والمشي والمناظرة كلها تظهر علامات التقدم في السن. لكنه أضاف: «أعدكم بصفتي بايدن: لن أترشح مرة أخرى إذا لم أؤمن بكل قلبي وروحي أنني أستطيع القيام بهذه المهمة».