كشفت نتائج انتخابات مجلس الشيوخ عن تحقيق الديمقراطيين الأغلبية في مجلس الشيوخ حتى قبل ظهور نتائج انتخابات ولاية جورجيا،
حيث الإعادة بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري في 6 ديسمبر القادم، لعدم تحقيق أي منها نسبة الفوز بالولاية، حيث فاز الديمقراطيون بـ50 مقعدا من مقاعد المجلس مقابل 49 للجمهوريين. وفي حال فوز الديمقراطيين بمعد ولاية جورجيا فإنه ستكون لهم الأغلبية بـ51 مقعدا، وفي حال خسارتهم المقعد لصالح الجمهوريين، ستنقسم مقاعد المجلس بالتساوي بين الحزبين، ولكن صوت نائبة الرئيس، كامالا هاريس، التي تتولى بحكم منصبها رئاسة المجلس، ستصوت لصالح الديمقراطي في حال تعادل الأصوات، ليكون صوتها المرجح لصالح الديمقراطيين.
وفي مجلس النواب، حصل الجمهوريون على 217 مقعداً، مقابل 204 للديمقراطيين، ويتوقع أن يفوز بمقاعد المجلس، لكنها لن تكون أغلبية مريحة كما كان يتوقع الكثير من المحللين استنادا على أداء الرئيس خلال أول عامين له في البيت الأبيض.
وقد دفع الأداء غير المتوقع للحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الرئيس الأمريكي الديمقراطي، جو بايدن، خلال مؤتمر صحفي عقب النتائج الأولوية للانتخابات للإشارة إلى أن خسارة الديمقراطيين لمقاعد مجلس النواب تعد الأقل منذ أول انتخابات نصفية أجريت لرئيس ديمقراطي منذ 40 عاماً. وذكر بايدن أن الموجة الحمراء، أي انتصارات انتخابية كبيرة للحزب الجمهوري، لم تحدث، مُعلنا أنه مستعد للعمل مع الجمهوريين، وأن نتائج الانتخابات النصفية حتى الآن مخالفة لما توقعه الإعلام والجمهوريون على حد سواء، وأن الديمقراطية الأمريكية تعرضت للاختبار، لكن الأمريكيين أثبتوا مدى اهتمامهم بالحفاظ على المعايير الأمريكية.
تُشكل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس أهمية بالغة، حيث ستؤثر على ملامح السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية خلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن، كما تمهد طريقاً لأحد الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) في انتخابات الرئاسة المقبلة والمقررة 2024.
وستؤدي سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب لعرقلة معظم الأجندة التشريعية للرئيس بايدن، كما أنها ربما تؤدي إلى تحقيقات ضد إدارته وحتى عائلته، حيث أعلن كيفين مكارثي، زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس النواب حاليا، والذي سيتولى رئاسة مجلس النواب بعد فوز الجمهوريين بأغلبية مقاعده، في مقابلة حصرية مع قناة "سي إن إن" الإخبارية، قبل يومين من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، أن الحزب الجمهوري في المجلس سيعمل على معالجة التضخم، وارتفاع الجريمة، وأمن الحدود، وهي أهم ثلاث قضايا يركز عليها الجمهوريون لجذب الناخبين للتصويت لهم.
وقد كشفت نتائج الانتخابات عن أداء ضعيف للحزب الجمهوري في تلك الانتخابات. فعلى الرغم من التوقعات بفوزه بالأغلبية في مجلس النواب، إلا أنها ليست بهامش كبير. وبينما لا يزال فرز الأصوات مستمرا، سيحقق الجمهوريون مكاسب أقل مما كانوا يأملون حيث كانوا يروجون لموجة حمراء. كما أن النتائج التي حققها الجمهوريون ضعيفة مقارنة بنتائج الانتخابات النصفية السابقة خلال الولاية الأولى للرئيس، فمنذ الحرب العالمية الثانية، حصل الحزب الذي خرج من السلطة على 28 مقعداً و43 مقعداً عندما كانت نسبة تأييد الرئيس أقل من 50٪، كما هو الحال اليوم مع الرئيس بايدن. وسيعني ذلك أغلبية حاكمة ضيقة جداً للجمهوريين بمجلس النواب.
وكشفت النتائج عن تغير الخرائط السياسية داخل الولايات المتحدة، اعتادت ولاية فلوريدا أن تكون ولاية متأرجحة، لكنها تبدو الآن بقوة في أيدي الجمهوريين. فقد فاز ديسانتيس بالانتخابات كحاكم للولاية. وأظهرت الانتخابات النصفية أن مقاطعة ميامي ديد، التي كانت ذات يوم معقلاً للديمقراطيين في ولاية فلوريدا إلى حد كبير، لم تعد زرقاء تماما. كما فاز السيناتور الجمهوري ماركو روبيو بمقعد ولاية فلوريدا في مجلس الشيوخ. ومنذ ما يقرب من 30 عاما، لم يفز أي ديمقراطي في الانتخابات لمنصب حاكم فلوريدا، كما أن الديمقراطيين مستبعدون من المناصب على مستوى الولاية. وأوضحت النتائج انقسام الأمريكيين حول محاولة ترامب الترشح لفترة رئاسية جديدة، وولاية ثانية لبايدن. فمع تزايد التكهنات حول إعلان ترامب ترشحه للانتخابات الرئاسية 2024، ازداد انقسام الأمريكيين حول الأمريكي السابق، ودوره القيادي في المستقبل أكثر من أي وقت مضى.
وتشير نتائج الانتخابات أن الكونغرس القادم سيكون الأكثر تنوعاً عرقياً في التاريخ. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تغيير سياسة الحزب الجمهوري. فمن المثير للدهشة في تلك الانتخابات أن عدداً قياسياً من الأمريكيين من أصول ترشحوا كجمهوريين، حتى لو فاز عدد قليل منهم، فالتنوع الجديد يمكن أن يبعد الأمريكيون عن "الترامبية". ويمكن أن يؤدي تزايد التنوع العرقي في تمثيل الحزب إلى تنوع متزايد في الرأي السياسي. فعقب انتخابات 2020، كان هناك 19 جمهورياً ملوناً في مجلس النواب، وخمسة منهم كانوا من بين 11 جمهورياً صوتوا لعزل النائبة الجمهورية مارجوري تايلور جرين بعد الكشف عن نشرها لنظريات المؤامرة.
وتمثل النتائج جرس إنذار للديمقراطيين مع تراجع دعم اللاتينيين. ففي انتخابات عام 2022، كان التصويت اللاتيني ديمقراطياً بشكل عام باعتبار الناخبين اللاتينيين جزءا رئيسيا من القاعدة الانتخابية للديمقراطيين، لكن أقلية متزايدة منهم صوتت للجمهوريين. وقد أظهرت استطلاعات الرأي، أن الديمقراطيين فازوا بنحو 60٪ من اللاتينيين بشكل عام، انخفاضاً من 65٪ في عام 2020، وهو ما يعتبر بالفعل تراجعاً. لكن ينبغي الانتباه إلى أن الناخبين اللاتينيين ليسوا كتلة واحدة. ويميل الناخبون اللاتينيون من أصل كوبي وفنزويلي إلى الجمهوريين بشكل أكبر، وهو ما ساعد ديسانتيس وروبيو على الأرجح على تحقيق انتصاراتهم الكبيرة.
وأظهرت الانتخابات استمرار الاستقطاب المتزايد عبر الأجيال، حيث يمتد الكثير من الاستقطاب المتزايد في الولايات المتحدة عبر الأجيال، حيث يميل الشباب بقوة إلى دعم الديمقراطيين، في حين أن الحزب الجمهوري يكون أقوى بين الفئات العمرية الأكبر سنا. ومع مغادرة كبار السن المؤيدين لـترامب، ودخول الشباب المناهضين له، عاما بعد عام، وببطء بمرور الوقت، يرتفع الخط الديموغرافي الداعم للديمقراطيين. كل هذه العوامل ساعدت في جعل نتائج انتخابات 2022 أقل جمهورية ممَّا كان متوقعا.
وأخيرا، يُمكن القول إن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس زادت حظوظ الرئيس بايدن للترشح لفترة رئاسية ثانية في الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٤ بصورة أكبر مما كان عليه الأمر قبل الانتخابات. وهو ما دفع بايدن لتجديد عزمه على الترشح لولاية ثانية، لكنه ذكر أنه لن يتعجل في إعلان قراره النهائي. وعلى الرغم، أن منكري الانتخابات العلنيين لم يحققوا نتائج جيدة، فلا يزال دونالد ترامب يتمتع بنفوذ قوي داخل الحزب الجمهوري، لكنه أضعف إلى حد ما على المستوى الوطني، وأنه لن يفوز ببطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة بسهولة، حيث سيواجه منافسة محتدمة داخل الحزب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة