التغيير المستحيل.. عمالقة النفط ينقلبون على المناخ في أوروبا
كشفت تصريحات لمسؤولين في شركات نفط عملاقة "شل" و إكسون موبيل وبريتيش بتروليوم عن ملامح انقلاب ضد التزامات المناخ وخفض الانبعاثات المسؤولة عن موجة الاحترار التي تجتاح الأرض حاليا.
إذ اعتبر تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية أنه رغم السخونة والحرارة التي يشهدها الكوكب فإن شركات النفط الكبرى تتراجع عن التزاماتها.
كما اعتبر التقرير أن الأسبوع الثاني من يوليو/تموز ربما كان الأكثر سخونة في تاريخ الكوكب بعد الحرارة القياسية التي تم تسجيلها في يونيو/حزيران الماضي، وأن العلماء لا يرون حلا لإنقاذ الكوكب من مسار السخونة إلا بالتخلص من الوقود الأحفوري.
ومع ذلك، تعتزم شركات الطاقة الرائدة على دفع العالم في الاتجاه المعاكس، وتوسيع إنتاج الوقود الأحفوري والإصرار على عدم وجود بديل، وفسر الخبراء ذلك بأن هذه الجهات مدفوعة، ليس بارتفاع درجات الحرارة القياسي لكن بالأرباح القياسية.
وقالت نعومي أوريسكس، أستاذة تاريخ العلوم في جامعة هارفارد والتي تدرس صناعة النفط: لقد استفادت صناعة الوقود الأحفوري بشكل كبير من بيع منتج خطير والآن يدفع الناس الأبرياء والحكومات في جميع أنحاء العالم ثمن تهورهم.
وقدمت شركات النفط الكبرى، على مدى السنوات العديدة الماضية، تعهدات لخفض إنتاج النفط والغاز وخفض انبعاثاتها في ظل المخاوف بشأن أزمة المناخ. لكن في الآونة الأخيرة تراجع الكثير عن تلك الخطط.
وفي فبراير/شباط الماضي، خفضت شركة بريتيش بتروليوم هدفها السابق المتمثل في خفض انبعاثاتها بنسبة 35٪ بحلول عام 2030، ليصبح الخفض بنسبة تتراوح بين 20% إلى 30٪.
وسحبت شركة إكسون موبيل أيضا تمويلها لجهود دعاية مكثفة لاستخدام الطحالب لإنتاج وقود منخفض الكربون كما أعلنت شركة شل أنها لن تزيد استثماراتها في الطاقة المتجددة هذا العام، على الرغم من الوعود السابقة بخفض انبعاثاتها بشكل كبير.
استمرار الطقس القاسي الناتج عن المناخ
واستمر الطقس القاسي المدفوع بتغير المناخ خلال فصلي الربيع والصيف، إلا أن شركات الوقود الأحفوري ضاعفت من نماذج أعمالها القائمة على النفط والغاز.
وكانت شركة شل قد وعدت بخفض إنتاج النفط بنسبة 20٪ بحلول عام 2030 ، لكنها قالت هذا العام إنها حققت هذا الهدف بالفعل من خلال بيع بعض العمليات لشركة نفط أخرى، وبالتالي لم تقلل الانبعاثات في الغلاف الجوي.
وقامت شركة بريتيش بتروليوم أيضًا بتوسيع عمليات التنقيب عن الغاز كما قال دارين وودز، الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل، في مؤتمر صناعي الشهر الماضي، وأضاف أن الشركة تخطط لمضاعفة الإنتاج من النفط الصخري في الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس المقبلة.
وقال متحدث باسم شل إن الشركة تعتقد أن المجتمع بحاجة إلى اتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ، وأكد أن الشركة لم تقم "بأي تغيير جوهري بشأن تعهداتها الخاصة بالمناخ، وأنها تحرز تقدماً نحو هذه الأهداف.
وأشار المتحدث إلى أن الطلب العالمي على الطاقة سيستمر في النمو، ويجب أن يتم تلبيته بأنواع مختلفة من الطاقة بما في ذلك النفط، والغاز في هذا السيناريو يلعب الانتقال المتوازن للطاقة دورًا جيدًا في اعمالنا مع انبعاثات أقل من خلال التركيز على الأداء والانضباط والتبسيط".
لكن دان كون، الباحث العالمي في مجال تحول الطاقة في معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي، قال إن تعهدات المناخ من أرباب صناعة النفط لا ينبغي أن تؤخذ شكليا.
إن تعهداتهم كانت لأغراض سياسية، وقد تخلوا عنها الآن عندما لم تعد تتناسب مع الموقف الاستراتيجي للصناعة.
شركات الوقود الأحفوري تحقق أرباحا قياسية
واعتبر تيمونز روبرتس، أستاذ البيئة وعلم الاجتماع في جامعة براون، إن هذا الموقف الاستراتيجي السابق كان لكي تتجنب هذه المؤسسات التعرض لانتقادات.
ويشير روبرتس إلى أن الالتزامات المناخية تم إجراؤها بشكل شبه مؤكد لإعطاء الانطباع بأنهم لا يحتاجون إلى التنظيم لأن تعهداتهم الطوعية كافية، كما أن التعهدات المناخية أصبحت شائعة عندما أصبح الوقود الأحفوري أقل ربحية منذ سنوات، ولكن منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا ارتفعت أسعار الغاز وحققت شركات الوقود الأحفوري أرباحاً قياسية العام الماضي.
وقال روبرتس لقد أصبح من الواضح أنهم مدفوعون بالأرباح، وهذا ليس مفاجئاً، فالرؤساء التنفيذيون للشركات العامة قد يتم عزلهم إذا لم يحققوا نموا في الأرباح.
ويؤكد المسؤولون التنفيذيون في مجال الوقود الأحفوري أن التوسع في استخدام الوقود الأحفوري ضروري، وقال باتريك بويان الرئيس التنفيذي لشركة توتال، لشبكة سي إن بي سي إن شركته ستستمر في ضخ غالبية استثماراتها في الوقود الأحفوري.
ويشير بويان إلى أنه في الوقت الحالي يحتاج المجتمع إلى النفط والغاز، ولا توجد طريقة للاعتقاد أنه بين عشية وضحاها يمكننا القضاء على كل ذلك".
كبح إنتاج النفط والغاز سيكون خطيرا
وكان وائل صوان، الرئيس التنفيذي لشركة شل، قال إن كبح إنتاج النفط والغاز سيكون أمرا خطيرًا وغير مسؤول".
وفي تصريحات سابقة، أشار صوان لبي بي سي إلى أن الحقيقة هي أن نظام الطاقة حاليا لا يزال بحاجة ماسة للنفط والغاز، وقبل أن نتمكن من التخلي عن ذلك يجب التأكد من أنه تم تطوير أنظمة الطاقة في المستقبل، ولن يحدث ذلك إلا إذا تم التحرك بشكل جماعي بالسرعة المطلوبة".
وهناك أدلة كثيرة على أنه يمكن الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري خلال السنوات القادمة، ويجب القيام بذلك إذا أردنا تأمين مناخ صالح للعيش.
لكن روبرتس يعتبر أن هذه التعليقات تستخدمها صناعة الوقود الأحفوري لإيقاف العمل المناخي عن قصد.
ويوضح روبرتس أن شركات النفط اعتمدت في إعداد خططها المناخية بشكل كبير على خطاب "حلول الوقود الأحفوري" أو الادعاء بأن لديها الحلول لإبطاء الاحتباس الحراري، ولكن الآن بعد أن أصبح الانتقال أقل ربحية فإنهم يستخدمون تكتيكات أخرى، مثل "التغيير مستحيل"، وكذلك مفردات "خطاب يجسد الوضع الحالي للأشياء وينكر قدرة المجتمعات على تنظيم اجتماعي كبير".
وقال روبرتس، إنه لتعزيز انتقال حقيقي للطاقة يجب على القادة التوقف عن الاعتقاد بأن شركات الطاقة ستغير نماذج أعمالها طواعية لكن البدء في اتخاذ سياسات وإجراءات لمواجهة ذلك.