«استحواذ مقلوب» في وادي السيليكون.. صراع عمالقة التكنولوجيا على العقول والمواهب

أبرمت غوغل صفقة مثيرة للجدل الشهر الماضي بقيمة 2.4 مليار دولار مع شركة Windsurf الناشئة المتخصصة في أدوات برمجة الذكاء الاصطناعي.
لكن لم يلحظ البعض التفاصيل الدقيقة للاتفاق، فشركة غوغل لم تكن تشتري الشركة فعليا، بل كانت "تستحوذ" على مؤسسيها وموظفيها الرئيسيين.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز، فإن هذا النوع من الصفقات الذي يُعرف باسم "الاستحواذ بالمقلوب" أو Acqui-hire، ممارسة شائعة بشكل متزايد في وادي السيليكون، لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، إذ تُعدّ الكفاءات البشرية العنصر الحاسم في التنافسية.
وعلى عكس الاستحواذ التقليدي، فإن الشركات الكبرى في هذا النوع من الصفقات لا تهتم بمنتجات الشركة الناشئة أو عملائها أو هيكلها المؤسسي؛ بل تهدف فقط إلى ضم عقول فريق العمل، خصوصا المؤسسين والمطورين البارزين.
وفي حالة Windsurf، جرى توظيف الرئيس التنفيذي للشركة، فارون موهان، والمؤسس المشارك دوغلاس تشين، بالإضافة إلى فريق من موظفي البحث والتطوير، لينضموا إلى قسم الذكاء الاصطناعي في غوغل. كما دفعت غوغل مقابل ترخيص استخدام تكنولوجيا الشركة، دون أن تستحوذ عليها بالكامل.
واعتبر التقرير أن الارتفاع الملحوظ في وتيرة هذه الصفقات يتزامن مع تشديد الهيئات التنظيمية لرقابتها على عمليات الاندماج والاستحواذ في قطاع التكنولوجيا.
ويبدو أن "الاستحواذ بالمقلوب" أصبح وسيلة مغرية للتحايل على هذه الرقابة. إذ تُلزم صفقات الاستحواذ الكبرى الشركات بإخطار هيئات مكافحة الاحتكار، فيما الاستحواذ عبر التوظيف لا يخضع لنفس الشروط؛ ما يسمح بامتصاص الكفاءات من الشركات الناشئة دون إثارة الانتباه.
وما يحدث في الواقع أن شركات التكنولوجيا الكبرى تستخدم هذه الطريقة لشلّ المنافسين المحتملين قبل أن ينمو أو يحققوا اختراقًا في السوق، دون الحاجة إلى صفقات استحواذ تقليدية قد تستدعي تدخل الهيئات التنظيمية.
وهذا ليس أمرًا جديدًا بالنسبة لغوغل. ففي العام الماضي، جندت مؤسسي شركة Character.AI المتخصصة في روبوتات المحادثة، مع ترخيص استخدام تقنياتها، دون الاستحواذ عليها. وما زالت الشركة قائمة، لكن عقولها المدبرة باتت تعمل الآن في خدمة غوغل.
كما لجأت مايكروسوفت إلى النهج ذاته عندما جندت مؤسس شركة Inflection AI، مصطفى سليمان، وفريقه، دون شراء الشركة نفسها. ومؤخرًا، أنفقت ميتا (فيسبوك سابقًا) مليارات الدولارات لاستقطاب ألكسندر وانغ، المؤسس المشارك لشركة Scale AI، واستثمرت في شركته كذلك، في مزيج يجمع بين التوظيف والاستثمار دون المرور بمسارات الاندماج المعتادة.
المنافسة على المحك
وترى وجهات النظر المدافعة عن هذا التوجه أن فرض قيود على هذا النوع من التوظيف سيعوق قدرة الشركات الأمريكية على منافسة الصين، هذه الدولة التي تتبنى سياسات صناعية صارمة وتدعم شركاتها الوطنية بشكل مباشر. كما يرون أن تقييد عمليات الاستحواذ قد يُضعف الابتكار، لأنه يقلل من جاذبية السوق للشركات الناشئة التي تعتمد على "خروج ناجح" كمحرك للاستثمار.
لكن في المقابل، يحذر خبراء في مكافحة الاحتكار من أن نجاح الولايات المتحدة في قيادة العالم تكنولوجيًا لم يأت من حماية الكيانات الكبرى، بل من دعم بيئة تنافسية تسمح بنمو الشركات الصاعدة.
كما أن هناك نماذج بديلة وناجحة للخروج مثل الطرح العام الأولي. شركة Figma مثلًا كانت على وشك أن تُستحوذ من قبل Adobe، لكن الصفقة أُلغيت تحت ضغط الهيئات الأوروبية والأمريكية، مما فتح الطريق أمامها للطرح العام وتحقيق نجاح كبير.
دعوة لإصلاح منظومة الرقابة
ودعا التقرير إلى نهج رقابي أكثر ذكاءً، لا يعتمد فقط على حجم الصفقة أو شكلها القانوني، بل على تأثيرها الفعلي على السوق. إذا كانت هذه الصفقات تؤدي إلى "قتل" المنافسة من خلال استقطاب العقول بدلاً من شراء الشركات نفسها، فإنها تحمل نفس الآثار السلبية التي تحملها صفقات الاستحواذ التقليدية.
وفي النهاية، فإن الرهان على المنافسة لا على الاحتكار هو ما يضمن الابتكار والنمو الاقتصادي المستدام. ولتحقيق ذلك، يجب أن تواكب هيئات الرقابة تطور أدوات الشركات، فلا تنخدع بالأسماء أو الأشكال، بل تركز على المضمون: هل تعزز الصفقة من التنافس أم من الاحتكار؟