قد يكون تصرف الحكومات والدول في الأوقات الطبيعية لمجريات الأحداث السياسية هو أمر عادي ومقبول باعتباره جزءًا من التزامات تلك الحكومات الدولية وفق ما تنص عليه المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
ولكن أن تلتزم حكومة ما بتلك المسؤولية في الحالات الاستثنائية وفي وقت الجميع فيه مشغول لأسباب احتفالية أو لأسباب متعلقة بتبادل تهديدات بين إسرائيل وإيران، فإن في ذلك تأسيسًا لقواعد اجتماعية جديدة للتعامل الإنساني أو ما يعرف بأخلاق في النظام الدولي، وهذا ما فعلته دولة الإمارات خلال أيام عيد الفطر المبارك من خلال الانشغال بإسقاط مجموعة من المساعدات الإنسانية لأهل غزة وأطفالها.
الإمارات دولة تثبت يوماً بعد يوم، أن "الإنسانية" ليست شعاراً ترفعه وحسب، وإنما هي نبراس تهتدي به، سعياً إلى تنمية وسعادة الإنسان الذي هو الغاية الأسمى والهدف النهائي لكل تحركاتها. فإلى جانب التحركات السياسية والاتصالات المكثفة التي تقوم بها دولة الإمارات لإنهاء الحرب الدائرة في غزة وإنهاء الأوضاع المأساوية التي يمر بها الفلسطينيون هناك، لم يفت القيادة الإماراتية القيام بلفتة إنسانية في مناسبة روحية مقدسة هي عيد الفطر.
ومن هنا جاءت فكرة "طيور الخير" التي حملت إلى أهل غزة في أيام العيد حوالي 2000 طن من المساعدات والمستلزمات الخاصة بالعيد. بما في ذلك كميات من الملابس لتوفير "كسوة العيد" لأطفال غزة، وكذلك الألعاب والدمى التي تكفل لأطفال غزة معايشة أجواء العيد وتخفيف الظروف الصعبة التي يمرون بها وسط القصف والدمار.
ورغم أن سلسلة الإسقاطات الإنسانية الجوية التي قامت بها دولة الإمارات، بتنسيق وتعاون مع دول صديقة وشقيقة، فإن لهذه العملية في اليومين الماضيين بصفة خاصة دلالات عميقة لجهة البعد الإنساني في السياسة الإماراتية تجاه الوضع في قطاع غزة، والمتعلق تحديداً بعشرات الآلاف من أبناء القطاع. خاصة أن أعداداً كبيرة منهم فقدوا أفراداً من أسرهم والبعض منهم فقط عائلته كاملة.
وإضافة إلى ما في هذه البادرة الإنسانية العميقة من الإمارات قيادة وشعباً، من رقي حضاري ودفء إنساني، هناك أيضاً دلالات سياسية وعملية جديرة بالتسجيل. فقد بادرت دولة الإمارات إلى إطلاق "طيور الخير" نحو قطاع غزة، في وقت كانت إسرائيل قد فتحت المجال أمام المساعدات الإنسانية من خلال معبر إيريز الخاضع بالكامل لسيطرة تل أبيب، وذلك بعد حادثة مقتل عمال إغاثة دوليين بعضهم لجنسيات أوروبية، على أيدي القوات الإسرائيلية.
وفي مبادرة دولة الإمارات التي جسدتها "طيور الخير" تأكيد عملي لوقوف الإمارات إلى جانب الفلسطينيين في كل الأوقات. فبعض الدول تحركت لمساعدة أهل غزة على خلفية الحصار الإسرائيلي للقطاع وتقييد وصول المساعدات. أما دولة الإمارات فتدرك حاجة الغزاويين إلى موجات من المساعدات مستمرة ومستدامة. وبالتالي لا تربط مساعداتها ومبادراتها لإغاثة الفلسطينيين بموقف إسرائيل.
وكما حملت "طيور الخير" رسالة إنسانية وأخوية تملؤها عروبة، حوت في جوهرها أيضاً رسائل سياسية عميقة، أبرزها أن موقف دولة الإمارات غير مشروط بالوضع السياسي أو بمسار الحرب في غزة، ولا بما ستؤول إليه المفاوضات الجارية حول إنهاء القتال أو حتى التصورات المحتملة والخطط المقترحة لمستقبل قطاع غزة.
أي بعبارة صريحة لا تربط دولة الإمارات بين مساعداتها والدوافع الإنسانية لتحركاتها تجاه الفلسطينيين الأبرياء في غزة، والحسابات السياسية والتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية أو الصراع حول غزة وغيرها من المسائل البعيدة عن الوضع الإنساني الصعب هناك.
وفي السياق نفسه، لا بد من الالتفات إلى أن عملية الإسقاط الأخيرة التي جرت قبل يومين لاستكمال تقديم هدايا العيد لأطفال غزة، تمت فوق شمال القطاع. وهي المنطقة التي تحاول إسرائيل تفريغها من سكانها ومنع عودتهم إليها. وفي ذلك رسالة مزدوجة إلى الطرفين، الفلسطينيين وإسرائيل، بأن النوايا الإسرائيلية الخاصة بتهجير أهالي شمال غزة وغيرها من خطط مستقبلية، ليست مُلزمة لأي طرف ولا تتقيد بها الدول ذات السيادة والاستقلالية، وعلى رأسها دولة الإمارات التي تركز تحركاتها على مساعدة المدنيين الفلسطينيين وتضع نصب أعينها تخفيف المعاناة عن النازحين والمشردين في مختلف مناطق قطاع غزة.
إن إدراك دولة الإمارات لتلك النواحي السياسية وعدم التقيد بها، يؤكد غلبة النظرة الإنسانية على سياسة المساعدات الخارجية الإماراتية. فتلك النظرة ذاتها هي التي تجعل دولة الإمارات تتصدى للمهام الإغاثية والتنموية في مناطق النزاع وبؤر التوتر، رغم ما فيها من محاذير ومخاطر. لكن النزعة الإنسانية في سياسة الإمارات تعلو على دوافع السياسة وحسابات المصلحة أياً كانت.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة