"العشّة التهامية" في اليمن.. ملاذ السكان من هجير الصيف
يكاد لا يخلو منزل من منازل سكان مناطق الساحل الغربي لليمن، ذات الطقس الحار، من "العشّة التهامية" كجزء من هوية تهامة ووجهها الديمغرافي.
العشّة التهامية هي بناء تقليدي يتكون من الطين وأغصان الأشجار ، وتسهم بشكل كبير في حماية السكان من حرارة الصيف اللاهبة عبر توفير أجواء باردة خلافاً لما هو سائد خارج هذه العشش من درجة حرارة لافحة.
وأخذ مسمى "العشّة" من اسم عش العصافير لأن مكوناتها ترتكز أساساً على أغصان الأشجار اليابسة، التي تعمل على تلطيف الحرارة والسماح بعبور الهواء عبر القش إلى داخل المكان.
وتعد "العشّة التهامية" من أقدم المساكن التي صنعها الإنسان لترويض أجواء الطقس في تلك المناطق ذات الحرارة العالية، بل إنها تقدّم تجربة أولئك السكان في التغلب على أجواء الصيف الساخنة بذلك البناء التقليدي.
يقول الدكتور عبدالودود مقشر، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة الحديدة، لـ"العين الإخبارية"، إن وجود العشّة، يعود إلى زمن وجود الإنسان في الأرض التهامية.
ويضيف أن وجودها كان ضرورة سكنية حتى أنّه وجد في أهرامات الجيزة المصرية رسومات للعشّة، ولبلاد "بونت"، التي اعتقد أنها بلاد تهامة، والتي سيرت الملكة حتشبسوت رحلة إليها.
مكونات العشّة
تتكون العشّة من جدار طيني يبنى بشكل دائري ويرتفع بنحو مترين عن سطح الأرض، فيما ينتصب في وسطها عود خشبي سميك ويرتفع بطول مترين ونصف إلى ثلاثة أمتار ليكون حاملاً للرأس الهرمي للعشّة.
و يرص البناءون، وهم من ذوي المعرفة في هذا النوع من البناء المختلف، أعواد الأشجار قصيرة الطول بحيث تمتد من فوق البناء الطيني، لتثبت في العمود الخشبي الذي يتوسط الخيمة، وترص بشكل دائري يوازي البناء الطيني كي يبدو شكل العشّة متناسقاً.
وتطرح "المرخ" وهي أغصان أشجار صحراوية ذات سيقان رفيعة تمتد بطول 70 سم، فوق تلك الأعواد على شكل حزم لتغطي سطح الخيمة الهرمي تماماً.
ولضمان عدم تساقطها بسبب الرياح، تربط بالحبال المصنوعة من سعف النخيل، بشكل دائري، ومتناسق من أعلى قمة بالخيمة، حتى منتصفها، بحيث يتيح لقطرات مياه الأمطار بالانزلاق عبر تلك السيقان الرفيعة إلى خارجها، وتمنع بتسللها إلى الداخل.
تمتاز العشّة التهامية بحسب سكان المناطق الساحلية لليمن، بكونها تحافظ على برودة الجو في الداخل، بما في ذلك، ذروة أيام التعامد الشمسي على الأرض، بل في الأيام الأكثر سخونة في فصل الصيف، وذلك بفضل سيقان شجرة المرخ التي تمتلك قدرة فائقة في مقاومة حرارة الشمس، فيما يلجأ البعض إلى رش المياه بشكل خفيف في باحة العشّة، لجعل الهواء الداخل إليها، بارداً.
وبسبب عدم توفر التيار الكهربائي لجأ سكان المناطق الساحلية إلى اعتماد العشش إلى جانب المنازل المبنية من البردين بعد أن كان قد تراجع البناء من هذا النوع، إذ تكون العشّة بمثابة المكان الذي يهرب إليه سكان المنزل في فصل الصيف.
ويبلغ محيط العشّة التهامية ما بين ثلاثة إلى أربعة أمتار وترتفع بنحو مترين ونصف إلى ثلاثة أمتار وكلما كان الارتفاع أعلى كان الهواء أكثر برودة.
ويستخدم هذا النمط من البناء جميع سكان المناطق الساحلية بدءاً من ذو باب جنوباً حتى حجة قرب الحدود السعودية.
aXA6IDMuMTM5Ljk4LjEwIA== جزيرة ام اند امز