مجتمع
المولد النبوي في المغرب.. أهلا بالشقيق الأكبر لعيد الفطر والأضحى
صباح هادئ، وإن لم يكن نهاية الأسبوع.. شوارع خالية من المارة عدا من اضطرته طبيعة عمله للخروج في هذا اليوم.
صمت الشوارع الرئيسية يستحيل مع حركة دؤوبة بين أزقة الأحياء الشعبية، أبطالها أطفال ويافعون يقفزون بين عتبات المنازل. بعضهم يتباهي بملابس العيد، وآخرون يحملون صحوناً من أنواع الرغيف المغربي التقليدي، وحلويات تقليدية، لتذوق كُل جارة وأسرتها ما أعدته الجارة القريبة.
عيد ثالث
لا ينظر المغاربة إلى المولد النبوي كذكرى وحسب، وإنما يعتبرونه عيداً ثالثاً يضاف إلى عيد الأضحى وعيد الفطر. يُحيونه بالطقوس ذاتها تقريباً، وفرحة تكاد تفوق فرحة العيدين.
تشيع بين المغاربة تهنئة خاصة، "مبروك لعواشر"، يُرددونها في العيدين وذكرى المولد النبوي أيضاً، ومعناها "أيام عشر مُباركة".
في العيدين، تُطلق على العشر الأواخر من رمضان، ومثلها الأولى من ذو الحجة، ونفس العبارة تردد في المولد النبوي، لأنه "عيد الأعياد" كما يشيع في الثقافة المغربية الشعبية.
قُبيل المولد النبوي بأيام، تغص محلات الملابس الجاهزة، ويكثر الإقبال على الخياطين خاصة المتخصصين في الملابس التقلدية منهم.
في العام الماضي كان حرص الباعة والحرفيين أن يرتدي الجميع الكمامات بشكل صحيح، أما اليوم، فالحديث عن تلقي جُرعتي اللقاح صار موضوع الساعة بين الباعة فيما بعض وحتى الزبائن.
وبين الحديثين، ينهمك التُجار في خدمة زُبنائهم، وإغرائهم بتخفيضات وعروض خاصة، علهم يتداركون ما سلبته منهم الجائحة وتداعياتها.
لا وقت للحديث إلى الإعلام، عُد لاحقاً، هكذا يتخلص منا أحد الباعة بسلاسة، ثم يغرق ومساعده بين نسوة ورجال صحبوا أطفالهم لشراء ملابس العيد.
مديح وبردة
بعد يوم طويل من الزيارات المتبادلة، وصل فيها المغاربة رحمهم، وجمع فيها الأطفال "ثروات صغيرة" من أموال حصلوا عليها من أعمامهم وأخوالهم، وحتى الجدين والجيران. تسهر الأسر حول موائد الشاي المصحوب بالحلوى في انتظار طبق العشاء.
للأسر المغربية عادات مختلفة بحسب المناطق المُختلفة بالبلاد، إلا أن السمة المُشتركة بينها هي الحرص على لم شمل العائلة والفرح بالرسول الكريم، مع التذكير بالشمائل المُحمدية وترديد بعض المدائح بشكل جماعي، أو الاقتصار على سماعها من التلفاز أو المذياع.
على غير بعيد من المنازل، تعلو مكبرات الصوت بالمساجد بالابتهالات والمدائح، كما تشهد بعض المدن مواكب للاحتفال بالنبي والصلاة عليه، إلا أن هذه الطقوس غابت عن المشهد منذ عامين بسبب جائحة كورونا.
ملتقيات ومحاضرات
ويُعد المولد النبوي فرصة لعقد عدد من الملتقيات وحلقات النقاش العلمي حول السيرة النبوية، تتخللها معارض واروقة للآثار النبوية الشريفة.
ويحج إلى الزوايا الصُوفية عشرات الآلاف من مُريديها، إحياء للذكرى، واحتفالا بها.
ومن بين أشهر المُتلقيات الصوفية التي تُنظم في المملكة المغربية، يأتي "المُلتقى العالمي للتصوف"، والذي تُنظمه الزاوية القادرية البودشيشية بمدينة مداغ شرق البلاد.
والقادرية البودشيشية، هي أكبر طريقة صوفية في البلاد، ومُلتقاها تُنظم فيه مُحاضرات وندوات حول التصوف ودوره في نشر التعايش والسلام، بمُشاركة عُلماء ومتصوفين من مُختلف دول العالم، بالإضافة إلى مسؤولين رفيعي المستوى على الشأن الديني في البلاد.
وبعد الاكتفاء بتنظيمه عن بعد لعامين متتاليين، اختارت مشيخة الطريقة هذا العام تنظيم الملتقى بحضور محدود، وذلك بعد تحسن الحالة الوبائية للمملكة، وتعميم اللقاح.
وفي ختام المُلتقى تُنظم الزاوية الليلة الكُبرى للمديح والسماع على شرف ضُيوفها، ويحج إليها عشرات الآلاف من مُريدي الطريقة من مُختلف المُدن المغربية، وأيضاً دُول عربية وأوروبية تنتشر فيها الطريقة بكثافة.
ويحج المريدون للقاء شيخ الطريقة جمال القادري البودشيشي، الذي يترأس الحفل الكبير رُفقة باقي أفراد مشيخة الطريقة.
احتفال وعفو ملكي
عاهل البلاد، أول المغاربة المُتشبثين بتقاليد وعادات الأجداد، له أنشطة خاصة في هذا اليوم، تبدأ بإصدار عفو عن عدد من السجناء والمعتقلين، يوما أو اثنين عن المولد النبي، وتنتهي بحفل خاص لإحياء الذكرى.
هذا الحفل يترأسه العاهل المغربي، الملك محمد السادس، رفقة ولي العهد مولاي الحسن، وشقيقه مولاي رشيد، بحضور المسؤولين بمُختلف رُتبهم، كما تُردد فيه الابتهالات والمدائح النبوية.
الديوان الملكي المغربي، قال في بيان له إنه "اعتبارا لاستمرار العمل بالتدابير الوقائية، التي تستلزمها تطورات الوضعية الصحية، فقد حرص الملك على أن يتم إحياء هذه الليلة المباركة في إطار خاص، وبحضور جد محدود، وذلك في احترام تام لهذه التدابير".