أباطرة "السوق السوداء" في سوريا وتجارة الملايين
ملوك السوق السوداء وتجارتهم غير المشروعة في مناطق سيطرة الحكومة أحد أسباب عدم وضع الحرب أوزارها قريبا.
في الوقت الذي يدمر القتال الدائر في سوريا البلاد واقتصادها، وجد بعض الأشخاص سبلًا لربح الملايين، وهؤلاء الذي يعرفون بـ"ملوك السوق السوداء"، وتجارتهم غير المشروعة أحد أسباب عدم وضع الحرب أوزارها قريبًا.
وفي تقرير نشرته مجلة "أتلانتيك" الأمريكية، قالت إنه بينما تشهد سوريا عامها السادس من الحرب، ما زال يعاني معظم السوريين، الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة مثل دمشق أزمة اقتصادية خانقة من المرجح أن تستمر طويلا بعد أن تصمت المدافع.
وأشارت إلى أنه للوهلة الأولى تبدو دمشق معزولة عن الصراع، الذي يجتاح مناطق في الوقت الراهن كثيرة من البلاد، لكن الحرب ذاتها هي التي خلقت هذا الوهم بشأن طبيعية الحياة.
ووفقا لتقرير صدر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) عام 2015، تقدر الخسائر التراكمية بين عامي 2011 و2015 بنحو 260 مليار دولار، أي ما يعادل 55% مما كانت عليه في عام 2011، وبحلول نهاية العام الجاري.
وساهم فرض العقوبات الأمريكية والأوروبية عام 2011، في منع استيراد حتى السلع الأساسية، فضلًا عن تدمير حلب المركز الصناعي للبلاد التي مزقتها الحرب، ما أدى إلى انخفاض الصادرات بنحو 90%، وتدمير البنية التحتية للنفط والغاز إلى حد كبير، وفقا لإسكوا.
ومن أجل التكيف مع هذا الواقع الجديد، اضطر البعض مدفوعين بيأسهم إلى بيع ممتلكاتهم، أو العمل في وظائف أخرى، أو حتى السرقة، بينما صنع آخرون ينتمون للنوع الذي يشتم رائحة الفرصة وسط الفوضى أمثال "منتهزي الحرب" سوقًا سوداء مزدهرة من خلال الالتفاف على نظام العقوبات، حسب المجلة.
وبعد أن ربحوا الملايين عن طريق استيراد وبيع السلع المرغوبة بداية من الشوكولاتة إلى السيجار الكوبي، بلغ "أثرياء الحرب" من خلال تكديس الأرباح والسلطة درجة هائلة من السيطرة على حياة السوريين، الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحكومة.
وبدأ صعود "ملوك السوق السوداء"، ووفقا للمجلة، بعد وقت قصير من أبريل/نيسان 2011، أي بعد شهر من الانتفاضة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، عندما فرض الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بأمر تنفيذي، هو الأول من بين 4 مجموعات من العقوبات الاقتصادية على سوريا تهدف إلى معاقبة انتهاكات النظام لحقوق الإنسان.
غير أن هذه العقوبات التي كانت تهدف إلى خنق الاقتصاد السوري، وعرقلة حصوله على السلع الأساسية مثل الأدوية والوقود، ومنع التحويلات المصرفية، أطلقت موجة مدمرة في جميع أنحاء سوريا، أثرت في كل شيء بداية من قطاع الطاقة إلى رواتب الناس العاديين، ما زاد من تشويه الاقتصاد الذي سيدمره قريبًا الصراع المتصاعد.
وأوضحت أن أحد أكثر الطرق شعبية لربح المال، هي احتكار بيع منتجات مثل الهواتف النقالة، والسجائر، أو "السلع الكمالية"، وتشمل الملابس ذات العلامات التجارية والمنتجات الغذائية الأجنبية مثل الحلوى والجبن، والمشروبات الكحولية.
وبينما تدر بعض الحواجز العسكرية أو ما يسمى "نقاط تفتيش الملايين" في دمشق أرباحًا ضخمة للقائمين عليها تقدر بملايين الليرات يوميًا، يطلب جنود آخرون رشاوي صغيرة نظير استخدام "الممر العسكري،" الذي عادة ما يكون مخصصًا للمركبات العسكرية.
ولتجاوز الطوابير الطويلة، يضطر التجار لدفع رشاوي للسماح بمرور شاحناتهم المثقلة بالسلع أسرع، لأن ساعات طويلة من الانتظار على عدة نقاط تفتيش قد تدمر أو تفسد منتجاتهم.
وفي غضون ذلك، أنشأ آخرون شركات أمنية خاصة، توفر حراسة مسلحة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، حيث يضطر سائقو الشاحنات ورجال الأعمال الذين يشحنون قوافل كبيرة إلى توظيفهم في نهاية الأمر كمرافقين عبر نقاط التفتيش.
ووفقا لمصدر مطلع على هذه الشركات، "من المفهوم أن هذه الحراسة المسلحة لا تشتبك مع المسلحين أو الإرهابيين، لكنها تمنع المليشيات الموالية الأخرى من ابتزاز الأموال من تلك القوافل أو حتى نهبها".
وأضاف المصدر في تصريحات للمجلة أن "هؤلاء الذين ما زالوا يمارسون الأعمال التجارية في سوريا يفهمون أنهم بحاجة لإدراج العديد من أصحاب النفوذ في قوائم رواتب موظفيهم".
ورجحت "أتلاتنيك" أن تلك الأرباح، التي حققها هؤلاء الأفراد من الاقتصاد السري في زمن الحرب ربما تمثل حافزا لاستمرارها بدلا من السعي لوضع حد لها، ما يؤدي لزيادة اتساع الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين فاحشي الثراء، وأولئك الذين يغرقون تحت خط الفقر.
وتوقعت أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم من المحتمل أن يكونوا في وضع أفضل لاستغلال مشاريع إعادة الإعمار التي ستأتي بعد انتهاء الحرب، وهذا من شأنه أن يوجه عملية إعادة الإعمار لصالح أصحاب المصالح الشخصية بدلا من عامة الشعب. واختتمت بالقول إنه في حين يتوقع عودة الاقتصاد الشرعي بعد أن تنتهي الحرب، ستظل الأرباح غير الشرعية قائمة.
aXA6IDE4LjExOS4xMDcuMTU5IA== جزيرة ام اند امز