البحر الأسود.. جبهة جديدة بين روسيا والناتو
ساحة صراع جديدة فتحتها أوكرانيا بين روسيا وحلف شمال الأطلسي "الناتو" على رقعة جغرافية مختلفة خارج اليابسة.
صراع دراماتيكي فوق مياة البحر الأسود، قد يدفع إلى مواجهة مباشرة بين روسيا وحلف الناتو، لا تحمد عقباها.
- مقص بوتين وإبرة أردوغان.. الناتو يعمل على "رتق" ثغرة البحر الأسود
- روسيا تتهم بريطانيا بالتورط في هجوم "البحر الأسود"
ومنذ وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدم بلاده في البحر الأسود حينما قرر عام 2014 بسط سيطرته على شبه جزيرة القرم، أثار ذلك غضب الناتو وبدأ نزاع بينهما على هذه الرقعة الجغرافية لكنه قد ينقلب لصراع مباشر.
أهمية البحر الأسود
وتطل على البحر الأسود كل من روسيا وأوكرانيا، وكذلك تركيا وبلغاريا ورومانيا الأعضاء في حلف الناتو.
وتعتمد كل من موسكو وكييف على البحر الأسود في التصدير، بما في ذلك إرسال الإمدادات إلى أسواق الحبوب العالمية.
وكان الحصار الذي فرضته روسيا على الموانئ الأوكرانية قد هدد بالتسبب في مجاعة عالمية العام الماضي، قبل أن تتوسط الأمم المتحدة وتركيا في اتفاق لإبقاء الموانئ مفتوحة.
وبالنسبة لواشنطن وحلفائها في الناتو يعد التصدي للنفوذ الروسي في البحر الأسود أمرا أساسيا للاحتفاظ بنفوذهم على الجناج الجنوبي الشرقي لأوروبا.
كما أنه يسهم في الحفاظ على تدفق السلع الأساسية مما يسمى سلة الغذاء الأوروبية إلى الأسواق المعرضة للخطر في الشرق الأوسط وأفريقيا.
لكن منطقة البحر الأسود شغلت لفترة طويلة هامش استراتيجية الغرب للتصدي لروسيا بدلا من أن تكون عقيدة أساسية بها، لكن النداء الأوكراني والتحركات المتنامية في واشنطن وبروكسل والعواصم الإقليمية، ستسهم في وضع البحر الأسود في صميم استراتيجية الناتو.
وكانت المشرعة الديمقراطية الكبيرة السيناتورة جين شاهين، قدمت هي والسيناتور الجمهوري ميت رومني تشريعا الشهر الماضي لدفع إدارة الرئيس جو بايدن إلى صياغة استراتيجية بشأن البحر الأسود، والدفع من أجل زيادة البصمة العسكرية الأمريكية والمشاركة الاقتصادية بالمنطقة.
وقدم النائب الجمهوري مايك تيرنر، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، والنائب الديمقراطي بيل كيتنغ مشروع قانون ملحقا في مجلس النواب.
وقال مسؤولو دفاع ودبلوماسيون غربيون، طلب بعضهم عدم كشف هويته، في تصريحات صحفية، إن البحر الأسود يقع في خط التماس بين استراتيجية الناتو بشأن أوكرانيا وجناحها الشرقي من ناحية، وسياسات الغرب بشأن جناحه الجنوبي والشرق الأوسط الأوسع من ناحية أخرى.
دعوة كييف للناتو
وفي هذا الإطار دعا وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، الخميس، حلف شمال الأطلسي إلى أن يضطلع بدور أكبر من أجل الأمن في البحر الأسود.
وطالب كوليبا، في مؤتمر عن "الأمن في البحر الأسود" تستضيفه بوخارست، "الناتو" بـ"أن يدمج الدفاعات الجوية والصاروخية الأوكرانية مع تلك التابعة لأعضاء الحلف".
وأضاف: "البحر الأسود له دور أساسي في تحقيق السلام والمضي نحو المستقبل في أوروبا كلها".
وتابع: "للأسف، إنه أيضا مثال على السرعة التي يمكن أن تتدهور بها الأمور في حال تجاهل التهديدات. لقد حان الوقت لتحويل البحر الأسود إلى ما صار عليه بحر البلطيق، ليكون بحرا لحلف الأطلسي".
واستطرد كوليبا: "نحتاج إلى معالجة المشكلة المشتركة المتعلقة بروسيا معا، على سبيل المثال، أؤيد فكرة الخبراء بدمج أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي الأوكرانية مع تلك التابعة لأعضاء حلف الأطلسي في بحر البلطيق والبحر الأسود".
ودعا وزير الخارجية الأوكراني، إلى "نزع السلاح من البحر الأسود حتى تتمكن الدول المسالمة التي تحترم القانون من استخدامه في التجارة والسفر".
وأعرب كوليبا عن أسفه، لأن الغرب "ليست لديه استراتيجية متسقة للبحر الأسود"، مشيرا إلى أن "روسيا لديها دائمًا استراتيجية واحدة".
وخلال المؤتمر، أكد كوليبا عزم كييف بسط سيطرتها على المناطق التي أصبحت جزءًا من روسيا، بحسب قوله.
رد روسيا
من جانبها، اعتبرت روسيا أن البحر الأسود لن يكون أبدا "بحرا للناتو".
وقالت على لسان المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية (الكرملين)، دميتري بيسكوف، الخميس، إن "الأمن هناك غير قابل للتجزئة".
وأضاف بيسكوف، في تصريحات صحفية: "بالطبع انتبهنا (لتصريحات وزير الخارجية الأوكراني)، يستند التصريح نفسه إلى تناقضين، وحلف الناتو ونزع السلاح، مفهومان يستبعد كل منهما الآخر".
وتابع: "البحر الأسود لن يكون أبدا بحرا للناتو. هذا بحر مشترك لجميع الدول الساحلية، ويجب أن يكون بحر تعاون وتفاعل وأمن. ويجب أن يكون الأمن فيه غير قابل للتجزئة".
الخريطة الأمنية بشمال أوروبا
وكانت الخريطة الأمنية في شمال أوروبا قد أعيد رسمها حول بحر البلطيق خلال العام الماضي، حينما قررت فنلندا والسويد التقدم بطلب للانضمام إلى حلف الأطلسي، وحال انضمامهما ستصبح روسيا قريبا الدولة الوحيدة المطلة على بحر البلطيق التي لا تنتمي للحلف.
وسيكون لطلبي أوكرانيا وجورجيا للانضمام إلى الحلف التأثير نفسه على البحر الأسود، إذ إن "بلغاريا ورومانيا وتركيا أعضاء بالفعل".
وبين كوليبا أن قمة حلف الناتو المرتقبة في فيلنيوس ستمثل فرصة للمضي قدما في مساعي أوكرانيا منذ فترة طويلة للانضمام إلى الحلف، "لإظهار أن الباب ليس مفتوحا فحسب، بل إن "هناك خطة واضحة حول موعد وكيفية انضمام أوكرانيا".
وبدأ الجدل بشأن كيفية ضم البحر الأسود باستراتيجية الغرب بشأن روسيا قبل هجوم أوكراني مضاد متوقع بشدة هذا الربيع، والذي قد يستهدف القرم، وقمة حيوية لقادة الناتو هذا الصيف في ليتوانيا.
وبالنظر إلى الدور الضخم الذي تلعبه تركيا الحليف بالناتو في المنطقة، بصفتها حارس البحر الأسود الذي يمتلك مضيقي البوسفور والدردنيل اللذين يعملان كمنفذ واحد ضيق بالبحر المتوسط فإن صياغة استراتيجية موحدة ستكون ممكنة.
وأغلقت تركيا، باستخدام السلطات القانونية التي تتمتع بها بموجب اتفاقية مونترو لعام 1936، المضيقين بين البحرين المتوسط والأسود أمام السفن الحربية من الدول التي ليس لديها موانئ بالبحر بعد فترة قصيرة من بدء العملية الروسية العام الماضي.
وبينما منعت هذه الخطوة السفن الحربية الروسية التي لم تعد إلى موانئها الأصلية من الإبحار في البحر الأسود، منعت الخطوة أيضا سفن دول الناتو غير المطلة على البحر الأسود من الدخول إليه.
وكانت آخر سفينة أمريكية دخلت البحر الأسود هي المدمرة "يو إس إس آرلي بيرك"، التي غادرت البحر في ديسمبر/كانون الأول عام 2021.
ومن هذا المنطلق فإنه لا يمكن لأي استراتيجية غربية بشأن البحر الأسود النجاح أو التطبيق دون موافقة تركيا.
وشهد البحر الأسود مشاهد دراماتيكية بالحرب بين روسيا وأوكرانيا، بينها الصراع على جزيرة الثعبان، وغرق الطراد الروسي موسكفا في أبريل/نيسان 2022، ما مثّل ضربة بحرية كبيرة لجهود موسكو الحربية.
aXA6IDMuMTUuMTQxLjE1NSA= جزيرة ام اند امز