مقص بوتين وإبرة أردوغان.. الناتو يعمل على "رتق" ثغرة البحر الأسود
وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدم بلاده في البحر الأسود حينما قرر في عام 2014 بسط سيطرته على شبه جزيرة القرم، في خطوة استراتيجية أثارت غضب حلف شمال الأطلسي (ناتو).
ورفضت دول حلف الناتو الاعتراف بالتبعات القانونية لسيطرة بوتين على القرم، وفرضت عقوبات على موسكو لكن الجيش الأحمر رفع مستوى التحدي بعملية عسكرية في أوكرانيا، وضعت روسيا في قلب جغرافيا جديدة.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن البحر الأسود، المتاخم لثلاثة من دول الناتو، كان مشهدا لمواجهات عسكرية دراماتيكية.
وبالنسبة لواشنطن وحلفائها في الناتو يعتبر التصدي للنفوذ الروسي في البحر الأسود أمرا أساسيا للاحتفاظ بنفوذهم على الجناج الجنوبي الشرقي لأوروبا والحفاظ على تدفق السلع الأساسية مما يسمى سلة الغذاء الأوروبية إلى الأسواق المعرضة للخطر في الشرق الأوسط وأفريقيا.
لكن لفترة طويلة شغلت منطقة البحر الأسود هامش استراتيجية الغرب للتصدي لروسيا بدلا من أن تكون عقيدة أساسية بها. والآن هناك تحرك متنام في واشنطن وبروكسل والعواصم الإقليمية لوضع البحر الأسود في صميم استراتيجية الناتو.
وقالت المشرعة الديمقراطية الكبيرة السيناتورة جين شاهين، لـ"فورين بوليسي": "السماح لروسيا بتحديد قواعد البحر الأسود يعرض حلفاءنا ومصالحنا للخطر، ويستحق استراتيجية شاملة خاصة به للتأكد من أن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين لا يمكنه الحصول على موطئ قدم هناك".
وقدمت شاهين والسيناتور الجمهوري ميت رومني تشريعا الشهر الماضي لدفع إدارة الرئيس جو بايدن إلى صياغة استراتيجية بشأن البحر الأسود، والدفع من أجل زيادة البصمة العسكرية الأمريكية والمشاركة الاقتصادية بالمنطقة.
وقدم النائب الجمهوري مايك تيرنر، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، والنائب الديمقراطي بيل كيتنغ مشروع قانون ملحقا في مجلس النواب.
وقال مسؤولو دفاع ودبلوماسيون غربيون، طلب بعضهم عدم كشف هويته، لـ"فورين بوليسي"، إن البحر الأسود يقع في خط التماس بين استراتيجية الناتو بشأن أوكرانيا وجناحها الشرقي من ناحية، وسياسات الغرب بشأن جناحه الجنوبي والشرق الأوسط الأوسع من ناحية أخرى.
ودفع المسؤولون بأن الناتو بحاجة لرتق هذا التماس، بينما يستعد لمواجهة طويلة المدى مع روسيا التي تسعى للانتقام عسكريا.
وقال أندريه مورارو، سفير رومانيا لدى الولايات المتحدة، خلال مقابلة مؤخرا: "لفترة زمنية طويلة، كانت هناك ثغرة فيما يتعلق بأمن الجزء الشمالي من الجناح الشرقي (للناتو)، والجزء الجنوبي من الجناح الشرقي. منطقة البحر الأسود بأكملها مكشوفة لروسيا".
وبدأ الجدل بشأن كيفية ضم البحر الأسود باستراتيجية الغرب بشأن روسيا قبل هجوم أوكراني مضاد متوقع بشدة هذا الربيع، والذي قد يستهدف القرم، وقمة حيوية لقادة الناتو هذا الصيف في ليتوانيا.
ويسهل التحدث عن صياغة استراتيجية متماسكة أكثر من تنفيذها، بالنظر إلى الدور الضخم الذي تلعبه تركيا الحليف بالناتو في المنطقة، بصفتها حارس البحر الأسود الذي يمتلك مضيقي البوسفور والدردنيل اللذين يعملان كمنفذ واحد ضيق بالبحر المتوسط، وعلى مدار سنوات جمعت تركيا وواشنطن وحلفاء الناتو الآخرين علاقة مشحونة ومتوترة، وتنظر إلى تعزيز وجود الناتو في البحر الأسود، أو أي تغيير بدورها كحارس للبحر الأسود، بريبة وخوف.
وأبطأت تركيا انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو (بالرغم من انضمام فنلندا أخيرا إلى الكتلة هذا الأسبوع)، وعززت العلاقات الاقتصادية مع موسكو لدعم اقتصادها الضعيف حتى فيما سعت دول أخرى لتشديد العقوبات على الصناعات الروسية.
ومع ذلك في الوقت نفسه، ساعدت في التوسط باتفاق حبوب مهم لشحن السلع الأوكرانية، لا سيما الحبوب، من البحر الأسود إلى الأسواق العالمية، وأرسلت إلى كييف مساعدات عسكرية بالغة الأهمية.
وأغلقت تركيا، باستخدام السلطات القانونية التي تتمتع بها بموجب اتفاقية مونترو لعام 1936، المضيقين بين البحرين المتوسط والأسود أمام السفن الحربية من الدول التي ليس لديها موانئ بالبحر بعد فترة قصيرة من بدء العملية الروسية العام الماضي.
وفي حين منعت هذه الخطوة السفن الحربية الروسية الإضافية التي لم تعد إلى موانئها الأصلية من الإبحار في البحر الأسود، منعت الخطوة أيضا السفن من دول الناتو غير المطلة على البحر الأسود من الدخول إليه، وكانت آخر سفينة أمريكية دخلت البحر الأسود هي "يو إس إس آرلي بيرك"، مدمرة غادرت البحر في ديسمبر/كانون الأول عام 2021.
وبعبارة أخرى، لا يمكن لأي استراتيجية غربية بشأن البحر الأسود العمل دون موافقة تركيا، والتي سيكون من الصعب الحصول عليها.
وقال سونر كاجابتاي، الخبير في شؤون المنطقة لدى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "تركيا غير متحمسة لأي مقترح من شأنه تغيير وضع البحر الأسود أو تغيير شروط الوصول إلى البحر الأسود".
وبعد مرور أكثر من عام على الصراع، كان البحر الأسود مسرحا لبعض أكثر المشاهد دراماتيكية بالحرب بين روسيا وأوكرانيا، بما في ذلك الدفاع الأوكراني العنيد عن جزيرة الثعبان الذي حفز المقاومة الأوكرانية في الأيام الأولى للحرب، وغرق الطراد الروسي موسكفا في أبريل/نيسان 2022، الأمر الذي مثل ضربة بحرية ورمزية كبيرة لجهود موسكو الحربية.
وحتى قبل ضم روسيا للقرم في 2014 والحرب الشاملة في أوكرانيا، كان البحر الأسود مسرحا مركزيا في تاريخ أوروبا الدموي، ويبقى أن نرى الأهمية النهائية للبحر الأسود في الصراع الحالي، لكنه برز بالفعل كنقطة توتر محتملة لصراع أوسع نطاقا بين روسيا والناتو.
aXA6IDMuMTQ0LjMxLjg2IA== جزيرة ام اند امز